واحد وخمسون يوماً.. والكف يقاوم المخرز، والشعب الأعزل يصمد في وجه آلة البطش الصهيونية، بفضل الله تعالى أولا، ثم بإرادة شعب لم ينل من عزمه الموت والقتل والدمار. فالنساء هناك ولّادة، واليد هناك تبني وأختها تقاوم، وفوق الدمار يزرع الأمل.
في غزة تجتمع الأضداد، لذلك تراها بتفاصيل مختلفة ومثالية عن أي مكان آخر، إنها معقل من باعوا الأرواح لله عز وجل، فوهبهم بما باعوا حياة كريمة، وشهادةً عظيمة.
(بصائر) التقت الأستاذ حمزة منصور نائب سابق في البرلمان الأردني، وعضو مجلس شورى جبهة العمل الاسلامي، في قراءة للمشهد الذي استنزفته الكثير من التفاصيل، فإلى الحوار:
بصائر: قبل أن تضع الحرب أوزارها قامت (اسرائيل) بتنفيذ سلسلة اغتيال ومحاولات للنيل من رؤوس المقاومة؛ كيف كنتم تقرؤون مشهد ما قبل إعلان حالة التهدئة والانتصار؟
"الشيء الوحيد الذي حققه العدو هو القتل بحق الأطفال والنساء والشيوخ"
منصور: العدوان طبيعة متأصلة في العدو الصهيوني، وهو جزء من ثقافته، وهذا الكيان لا يعترف بالآخر، ولا يقيم وزناً للقيم ولا للأعراف والمواثيق الدولية، هذا العدو يشعر بالهزيمة، سلسلة الأهداف التي أعلن عنها تباعاً لم يحقق منها شيء.
والشيء الوحيد الذي تحقق له هو القتل بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وهو يعيش أزمة الفشل، فالآن أصابع الاتهام موجهة لقادته العسكريين، وهم يستعدون الآن للتحقيقات السياسية والعسكرية.
ولذلك هو أراد أن يخرج بما يحقق له انتصاراً حتى لو كان وهمياً، حيث حاول من خلال العملاء سواء كانوا فلسطينيين أو عرباً اغتيال محمد الضيف وفشل في ذلك؛ ثم أقدم على اغتيال القادة القساميين الثلاثة في رفح، رائد العطار، ومحمد برهوم، ومحمد أبو شمالة، ليحسن صورته أمام أحزاب المعارضة ، وأمام شعبه -وإن كانوا لا يستحقون أن نطلق عليهم مسمى شعب-.
في المقابل، المقاومة أعطت مرونة بالغة وتعاونت مع كل جهد إقليمي ودولي وتمسكت بمطالبها وكان هناك إجماعاً وطنياً حول هذه المطالب، وهي تتمتع بنفس طويل، و قادرة على الدفاع عن شعبها وعن مبادئها وعن ثوابت الشعب الفلسطيني، لذا الصراع سيبقى قائماً مع العدو الصهيوني، و لا بد من تحول في المنطقة العربية حتى يتحقق وعد الله عز وجل وبشارة رسوله صلى الله عليه وسلم بالتحرير والعودة والانتصار بإذن الله.
بصائر: هل هناك أطراف مستفيدة من استمرار المعركة؟ ولماذا كان هناك تعنت من الكيان الصهيوني بشأن التهدئة بالرغم من خسائره الكثيرة التي يتحدث عنها إعلامه؟
منصور: هناك أطراف عربية مهزومة، وخانعة، ومرتبطة بالعدو الصهيوني، وترى في المقاومة ما يفضح مواقفها ويعري سوءاتها، ولذلك هي تريد أن تتخلص من هذا العضو الحي في الجسد العربي، بالإضافة إلى أنهم كانوا يشدون على يد الاحتلال من أجل المزيد من التعنت وإيقاع الخسائر في الجسد الفلسطيني أملاً في أن ترفع المقاومة الراية البيضاء، ولكن خاب فألهم، المقاومة اليوم تستوعب دروس الماضي وتؤمن بأن النصر من عند الله عز وجل.
بصائر: هناك من استنكر على المقاومة قيامها بإعدام بعض من ثبتت عليه تهمة التخابر مع الاحتلال، هل ترى أن المقاومة أخطأت في إعلان تنفيذ حكم الإعدام بحق العملاء في قطاع غزة؟
منصور: في تقديري أن المقاومة الفلسطينية مقاومة راشدة وتحكمها معايير شرعية ومعايير وطنية، ولا يمكن أن تقدم على إزهاق روح بريئة، والعدو الصهيوني استطاع في الحقيقة من خلال بعض العملاء أن يغتال القادة القساميين الثلاثة في رفح ومن قبلهم الكثير، ولذلك أنا لا أتصور أن المقاومة تقوم بإعدام أحد ما لم تثبت عليه إدانة قاطعة بالدليل القاطع، فهؤلاء العملاء متعاونون مع العدو وشركاء في إراقة الدم الفلسطيني.
بصائر: الفعاليات الشعبية الأردنية هل تقدم الدعم الكافي للأهل في غزة؟ وما الدور المنوط بالشعب الأردني في المستقبل؟
"جاءت معركة العصف المأكول لا لتحيي الشعب الفلسطيني وحده وتوحده، بل لتحيي هذه الأمة بعد حالة الإحباط التي أصابتها"
منصور: إن الشارع الأردني كما هو الشارع العربي تراجع كثيراً بعدما صارت إليه الأمور في سوريا، وأصبح هناك حالة من الإحباط العربي بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو، لكن جاءت معركة العصف المأكول لا لتحيي الشعب الفلسطيني وحده وتوحده بل لتحيي هذه الأمة، ونذكر أن الفعاليات التي نشهدها في الأردن كثيرة وكبيرة ومؤثرة وإن كنا نتطلع لما هو أكثر من ذلك، ولا زلنا نتطلع لمسيرات المئة ألف التي شهدناها في مراحل سابقة.
الشعب الأردني هو الأقرب لفلسطين، والأكثر تأثراً بالقضية الفلسطينية، ونحن نتطلع إلى اليوم الذي يتوحد فيه الدم الأردني والدم الفلسطيني في معركة النصر والتحرير إن شاء الله.
بصائر: برأيك هل يستغل الاحتلال الصهيوني ما جرى في غزة لمحاولات تنفيذ مخططاته التقسيمية والسلب والنهب والتهويد في كل من القدس والمسجد الاقصى؟ وما الدورالمنوط بمن هم في الداخل الفلسطيني؟
منصور: العدو الصهيوني لا حدود لأطماعه؛ وأطماعه ليست محصورة في الداخل الفلسطيني فقط، هو يطمع في فلسطين وما جاورها، ونحن نوجه تحية إكبار وإعزاز للمقاومة الباسلة ولأهلنا المقاومين والمدافعين عن المسجد الأقصى والشعب الفلسطيني في الداخل وفي الضفة وفي القدس وفي القطاع، العدو بالتأكيد هو ماض في خطته الرامية لاستهداف المسجد الأقصى، وهذه المرحلة يحاول فيها القضاء على الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
نحن نحي صمود أهلنا المقدسيين ونحي صمود أهلنا فيما احتل من أرضنا عام 48، هؤلاء الذين يخرجون في مسيرات شد الرحال والبيارق، ويقضون الساعات الطوال على الحواجز والطرقات يؤدون الصلاة، حيث يمنعهم العدو من الوصول للمسجد الاقصى.
أنا اعتقد أن الشارع الفلسطيني قدم وعليه أن يقدم الكثير، وعلى الأمة العربية والإسلامية ودول الجوار أن تدرك أهمية لعب دور فاعل من أجل فلسطين والمسجد الأقصى.