قامت الحرب وجرت معها الأخبار بتسارع كبير، وأصبح الباحث عن اختصار الوقت يتابعها من خلال الهاشتاج ومنشورات الفيسبوك وكذلك مواقع الإنترنت التي تسبق التلفزة أحياناً، والكثيرون من المتضامنين مع القضية الفلسطينية سخّروا جهودهم لتناقل الأخبار ومناقشة الأحداث، الكل في الحرب تكلم، وليس كل من تحدث صدق!
أحمد.. ناشط على موقع فيسبوك؛ تم حظره لفترة بسبب نشره الدؤوب لأخبار الحرب وصور الضحايا، وبحسب أحمد فإن فيسبوك يعتبر مجهوده الإلكتروني مجهوداً تحريضياً بينما يتغافل عن التحريض الذي يقوم به الجنود الصهاينة عبر صفحاتهم وكذلك الحاخامات والساسة هناك!
في فترة الحرب، كان هناك من يتناقل في كل يوم خبراً من مصادر خاصة كما يوعز، تتحدث عن جنود مخطوفين، أو أعداد جنود صهاينة قتلى وجرحى لم تفصح عنهم وكالات الإعلام، بعضهم يرغب من ذلك تثبيت الناس ومحاولة معادلة الكفة، والبعض الآخر ينقل لمجرد النقل، ويبحث عن إعجابات وردود من خلال نشر هكذا خبر كما يرى أحمد.
آية؛ خطيبة الشهيد عبد الرحمن الزاملي الذي استشهد في اليوم الأول للعدوان على قطاع غزة، والتي كانت تنتظر عرسها بعد عيد الفطر المبارك، فوجئت بصورتها وهي تودع خطيبها تنتشر عبر وسائل التواصل بالإضافة إلى نص يتحدث عن استشهادها في اليوم الذي كان من المحدد أن يكون فيه العرس؛ تقول: أنا أتمنى أن استشهد وأن التحق بعبد الرحمن، لكني لم استشهد بعد، ولا أعرف من الذي أطلق الشائعة، والتي آذتني كثيراً وأقلقت الأهل والأقارب، وباتت تنهال علي عشرات الاتصالات يومياً تطمئن أنني بخير!
انتشار خبر استشهاد آية كان من قبيل إثارة العاطفة والحزن على رحيل الشهيد كما يبدو من قبل من تأثر برحيله وقصته رحمه الله!
مواقع التواصل .. الكثير من الاشاعات
الإعلامي حبيب أبو محفوظ تحدث لـ "بصائر" بأن الشّائعات تنتقل وتنتشر بين الناس كلّما ارتبطت بأشخاصٍ أو وقائعَ مهمّةٍ على الأرض، وأيضاً كلّما ازدادَ الغموضُ حول تلك الوقائعِ التي تتناولها الشّائعةُ، خاصة إذا ما علمنا أن طرفي الحرب العدو الصهيوني والمقاومة الفلسطينية التي تتكتم بشكل شبه كامل عن إصدار أي معلومة بالمجان.
ويشير أبو محفوظ بأن العوامل النفسية والعاطفية تلعب دورا كبيراً في انطلاقِ الشائعةِ التي هي في ذاتها نوعٌ من أنواعِ الحربِ النفسيةِ، وكما نعلم جميعاً فإن الحرب النفسية تلعب دوراً حيوياً في توجيه بوصلة المعركة. وفيما ينطبق على قطاع غزة، فإن الشائعات على الرغم من كثرتها وانتشارها بشكلٍ واسع على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي إلا أن تأثيرها كان محدوداً على سكان قطاع غزة نظراً لافتقارهم لعامل الاتصال مع الجمهور، فانقطاع التيار الكهربائي وهدم البيوت ساهم في عدم وصول الشائعات إلى مسامعهم، وبالتالي كانوا متماسكين بعيداً عن أي تأثيرات خارجية.
ويؤكد أبو محفوظ على أن الأصل بوسائل الإعلام أن تكون ناقلة للحدث وليست صانعة له، والمطلوب منها اعتماد عدد محدود من المصادر الموثوقة ذات العلاقة بشأن الحرب دون الاعتماد على أدنى معلومة مهما بلغت من الأهمية طالما أنها تفتقر للمصدر الحقيقي، ولم يؤكدها صاحب الشأن.
ويشير إلى أنه قد لاحظ خلال الشهر الفائت من العدوان على غزة، أن كثيراً من الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي تناقلوا آلاف المعلومات غير الدقيقة، لدرجة حيّرت وسائل الإعلام في كيفية التعاطي مع تلك الأخبار، وهذا يؤكد مرة أخرى على افتقار هؤلاء الأشخاص لأدنى قواعد المهنية الصحفية والحرفية، واعتمادهم بالدرجة الأولى على العاطفة كسند بعيداً عن دقة المعلومة.
ويختم أبو محفوظ بأن الشائعة عمل مضر في وقت السلم، فما بالنا وقت الحرب والعدوان، وترويج الشائعات الذي قد يشمل جماعات ومجتمعات وليس فقط أشخاص، وهناك من يتعامل ويتعاطي مع الشائعات وكأنها مسلمات وهؤلاء أعداء تجب مواجهتهم بالحجة والكلمة الصادقة وخطرهم لا يقل عن خطر العدو في المعركة. كما أن العدو الصهيوني بعدما فشل في آلته الحربية، يسعى لكسر الإرادة الفلسطينية عبر التثبيط والتخويف والتخوين، وهو يعمل لذلك منذ سنوات وفق دراسات منهجية محكمة عبر أشخاص يجيدون هذه الصنعة لذا وجب الحذر.
نظرة على الإعلام الصهيوني
المحلل السياسي ومدير تحرير صحيفة السبيل الأستاذ فرج شلهوب تحدث عن أن دولة الاحتلال تعتبر الإعلام لعبة مهمة في الصراع، ويكون الإعلام حاضراً دائماً برؤيته للأمور وتغطيته للأحداث الجارية، وغالباً ما يجتهد في فلسفة الرؤية المعروضة والخبر ويحاول أن يحشد للخبر التأييدات لكي يكون مقبولاً ولو عند فئة قليلة من الناس، ويساعدهم على الترويج لذلك القدرة العميقة التي يمتلكونها على التحليل؛ إذ إن المحللين الصهاينة على اطلاع واسع بمجريات الأحداث ولديهم الحرية والمرونة في عملية النشر، ولذلك الكثير من الرسائل التي تجري في علاقات دولة الاحتلال بالأطراف العربية أو بعض ما يتعلق بخصوصيات داخل النظم العربية تجدها بين أيديهم، ومن السهل حصول المحلل عليها وحتى لمتابع الإعلام الصهيوني بالذات غير الناطقة بالعربية، لذلك نجد الإعلام الخاص بالاحتلال في هذا الجانب مصدر معتمد محبب للمطلعين، لأننا نفتقر في المنطقة العربية لمثل ذلك، فلدينا شح في المعلومات بسبب محاولات إخفاء الحقائق وعدم التصريح بها، كما أنه ليس للإعلام العربي القدرة على الحصول على تفاصيل ما يدور خلف كواليس ما تعلنه ماكنة الإعلام العربية الموحدة.
ويشير شلهوب بأن الكيان الصهيوني ليس بالضرورة أن يكون حريصاً على نشر الحقيقة، لكنه يحرص على تبرير رؤى خاصة به وتصورات عما يجري، وذلك لأنهم يملكون قدرة عالية على تمرير الرسائل من خلال السطور، وليس بالضرورة أن يكون الأداء فجاً كما يحدث في الكثير من الإعلام العربي عندما يرغب بخوض لعبة التبرير، وهذا لا يعني أن الاعلام الصهيوني صادق لكنه يمتلك المكر والدهاء والخبث لحد كبير، ولذلك عندما يقومون بتوجيه الرسائل من خلال المواقع وصفحات المسؤولين الناطقة بالعربية فإنهم يدركون تماما أن هذا الأمر سيكون له تأثيره بغض النظر إن كان سيحوز على قناعة العرب 100%، ولكنهم يعتقدون أن أي نسبة دون ذلك أمر جيد، ويحاولوا أن يعززوا رؤيتهم على هذا الصعيد؛ فدولة الاحتلال تعرف ما تريد، و ليست بالضرورة أن تكون صادقة في إعلامها لكنها تدير الماكينة الإعلامية بما يحقق مصلحتها، وتقوم بهذا الأمر بقدر عالٍ من الاحتراف، وعندما تكذب الكذبة فهي قادرة على التغطية عليها وقادرة على تمريرها.
وبحسب شلهوب فإن المادة المكتوبة بالعبرية غالباً ما تخاطب المجتمع الإسرائيلي، وإعلامهم لا يحرص على تضليل جمهوره وإن كان فيه آراء متباينة وتعبر عن وجهات نظر الكتاب، لكن بالمحصلة هم يمتلكون وسائط إعلامية قادرة على متابعة الحدث ويمتلكون رسائل يريدون توصيلها للمجتمع الداخلي ولمن يتابعهم في الخارج، وليس بالضرورة أن ينطقوا برأي موجه واحد كما تفعل المؤسسة الإعلامية العربية التي تخطئ أكثر مما تحسن، مشيراً الى أنه يمكن الاستفادة من بعض ما ينشر بالعبرية أكثر مما ينشره اليهود في المواقع الناطقة بالعربية أو صفحات المسؤولين الموجهة للعرب والتي يخاطبون من خلالها الجبهة العربية، فما يكتبونه لجمهورهم يعبر عما يفكرون به.
نقل الأخبار المكذوبة .. خسارة للمعركة الاعلامية
من جانبه يحذر شلهوب من تناقل الأخبار غير الدقيقة من أجل كسب مساحات من الجمهور المتابع. وللأسف هذا موجود ويمارس من قبل مواقع وبعض جهات نقل الأخبار، وغالبا ما تكون مُدارة بمجهودات شخصية وفردية أو من قبل هواه أو هناك أصحاب غاية وغرض.
وهذا الفعل أول ما يسيئ للجهة الناشرة، فعندما تنشر خبر أو تحليل أو تقرير أو ما شابه ثم يثبت عدم صحته تكون هي أول الخاسرين، لأنها تفقد مصداقيتها! ويرى أن الناس وبحكم اتساع الفضاءات المتاحة لهم قادرون على التمييز بين المواقع الجادة التي تقدم معلومة دقيقة وصحيحة والتي تقدم مصداقية في نقل الأحداث، وتلك التي تمارس الإعلام في ظل غياب الدقة، حيث إن الادعاءات الإعلامية المرتجلة وغير المدققة تسيئ للقضية التي تعتقد أنها تخدمها، بالإضافة إلى تعميق الإحباط في نفوس الناس وتشويشهم.
ولا يستبعد أن هناك يداً خفية صهيونية تمتلك أدوات إعلامية في وسائل التواصل الاجتماعي بهدف بث الاشاعة من أجل تعظيم الانتصارات لتثبت بعد ذلك أنها غير صحيحة وتحبط المتابعين، والإيحاء بأن الجبهة الفلسطينية تعيش حالة من الانهيار والتخبط.