التوجيه غير المباشر: هو دفع الآخر لعمل ما (أو الكف عنه) دون التصريح به، وهو من أكثر الأساليب التي اعتمدها الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه. بل لا تكاد تخلو أحاديثه وتوجيهاته منه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟")سنن الترمذي/ رقم: 2124(.
وفي بعض الأحيان يذكر بعضاً من أخطاء الأمم السابقة وهو يريد بذلك تحذير أمته من فعل ما فعلوا، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). (صحيح مسلم/ رقم: 1184).
وأحياناً يأمر أصحابه بما يريد قوله للرجل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلاً في وجهه بشيء يكرهه فلما خرج قال: "لو أمرتم هذا أن يغسل هذا عنه". (سنن أبي داود/ رقم: 4182).
وأحياناً يخاطب شخصاً ليُسمع غيره، عن سليمان بن صرد قال: استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..." الحديث. (صحيح البخاري/ رقم: 6115(.
ومن أساليب التوجيه غير المباشر: القدوة، البيئة، القصة، المشاهد التمثيلية، القراءة الحرة، بعض أساليب الخطاب مثل الكناية – التورية – المعاريض – ما بال أقوام.
التوجيه غير المباشر: هو أسلوب يسلكه المربي الحاذق اللبيب حين يكون التصريح بالنصح والمباشرة في التعليم يهتك ستر المتربي ويورثه الجرأة والعناد، فيأتي التعريض ليستميل القلوب الفاضلة، والنفوس اللمَّاحة.
قيل لإبراهيم ابن أدهم: "الرجل يرى من الرجل الشيء أو يبلغه عنه (يعني الشيء) أيقوله له. قال: هذا تبكيت، ولكن يعرِّض". (الآداب الشرعية، ابن مفلح، 215/1) وكل ذلك من أجل رفع الحرج عن النفوس، واستثارة دواعي الخير فيها.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتماً من ذهب، فنبذه، فقال: لا ألبسه أبداً فنبذ الناس خواتيمهم". (صحيح البخاري/ رقم: 7298) قال ابن بطال: "فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول". (فتح الباري/ رقم:233/13)، وفي هذا دليل على أن القدوة من أعظم الوسائل المساعدة على التربية دونما توجيه مباشر.
أيها المربي.. أيها الآباء، أيتها الأمهات، إن أسلوب التوجيه غير المباشر أسلوب راقٍ وشفاف يلامس القلوب ولا يخدشها، وله فوائد جمة قد لا تتوفر في غيره من الأساليب، منها:
- أن فيه ستراً للمسيء أو المخطئ وإعانة له على تصحيح خطئه دون معرفة الآخرين؛ ما قد يجنبه الإحراج أو العناد والإصرار على الخطأ.
- أنه ينمي المبادرة الذاتية لديه، ويساعده على اتخاذ القرار.
- أنه يجعل الدافع للعمل أو الترك ذاتياً.
- أنه يقوي جانب الثقة بالنفس، واستقلال الشخصية مما يجعل الطفل يستمر في العمل دون أمر مباشر من والديه.
- بعض الأشخاص مرهف الحس، شديد الحساسية للنقد؛ مما قد يجعل التوجيه غير المباشر أكثر ملاءمة لشخصيته.