تحدثنا في المقال السابق عن طبيعة المصاعب التي تواجهها الحركة الإسلامية في الضفة الغربية، والتي أثرت بشكل جلي على دورها في الأحداث الجارية على أرض غزة، وفتح جبهة جديدة داخلها. لكن ورغم ما تعانيه الضفة الغربية، ورغم صور اللوم الموجه إلى أهلها والعاملين فيها، إلا أن هذا لا ينفي أن هناك حالات تغيير عامة داخلها، وهي وإن لم تكن على قدر المطلوب والمأمول، إلا أنها تشكل أرضية خصبة لعودة الضفة لمستواها الريادي في المقاومة ومواجهة العدو.
وقبل أن نذكر أبرز مظاهر التغيير في البنية السياسية والشعبية داخل الضفة الغربية، فإن من أبرز نتائج الحرب غزة، أنها كسرت مناخاً سيئاً كان قد أظل الضفة منذ منتصف عام 2007م، وما تبعه من مصاعب ومآس، إلا أنها أيضاً كشفت عن حاجة الحركة الإسلامية في الضفة للعناية والتأهيل لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ الفلسطيني بشكل ناجح.
مرحلة تحتاج إلى نهوض الضفة ومشاركتها في معركة التحرر كما هو الحال في غزة، وتستدعي قوة تنظيمية داخلها تستطيع أن تؤثر على مسار المعركة مع العدو الصهيوني، مستغلة مظاهر التغيير الذي نتج فيها بعد أثناء الحرب على غزة، والذي يتمثل بما يأتي:
1- عودة الحراك السياسي الفصائلي لما قبل 2007م، حيث باتت حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية قادرة على تسيير المسيرات والمظاهرات، وتصدر المشهد السياسي الداخلي، وبات الحظر الذي كانت تفرضه السلطة الفلسطينية على نشاطاتها لا قيمة له، إذ تدرك السلطة جيداً أن منع نشاطات حماس في الضفة رغم تلك البطولات التي تقدمها في غزة، يضعها في زاوية العملاء والخونة بشكل لا لبس فيه. ولهذا بات هناك مناخاً سياسياً أكثر حرية من الفترة الماضية، حيث تحولت المساجد والإذاعات المحلية من دور تمجيد السلطة وقتل الروح المعنوية إلى التعبئة العامة، وتعزيز المقاومة في النفوس، وليس غريباً أن تستمع –على سبيل المثال- لأناشيد تمجد القسام وحماس على الإذاعات المحلية رغم أنها لا تتبع لحماس ولا لغيرها من التوجهات الإسلامية!!
2- التلاحم بين أبناء الضفة وغزة، عبر المسيرات الحاشدة التي خرج فيها أبناء الضفة الغربية، والمواجهات مع قوات الاحتلال التي أعقبت تلك المسيرات كان حصيلتها عشرون شهيداً وعشرات الجرحى، ناهيك عن العمليات الفردية النوعية التي يقوم بها أبناء الضفة، خصوصاً من يقطنون في القدس، بالإضافة إلى حملة التبرعات التي يقوم بها أهل الضفة، والتي أظهرت فشل محاولات الفصل بينها وبين غزة، والتي سعت سلطة فتح في رام الله لتكريسها على أرض الواقع.
"من أبرز نتائج حرب غزة، أنها كسرت مناخاً سيئاً قد أظل الضفة منذ عام 2007، وما تبعه من مصاعب ومآس، إلا أنها أيضاً كشفت عن حاجة الحركة الإسلامية في الضفة للعناية والتأهيل لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ الفلسطيني بشكل ناجح"
3- الكشف عن جيل جديد يسعى للعمل ومقاومة المحتل رغم ما يعانيه من صعوبات، فبالرغم من ضعف البنية التنظيمية داخل الضفة، إلا أن الأحداث الأخيرة كشفت عن وجود جيل ذي عزائم قوية، يحتاج لتدارك ما فاته، ويعمل على استئناف ما أوقفته الظروف الراهنة، رغم قلة الخبرة، وصعوبة توفر الأموال، وضعف التواصل مع القيادات الداخلية والخارجية مقارنة بمن سبقهم.
4- تغير الخطاب السياسي الفلسطيني الداخلي، فبعد أن كانت سلطة فتح تقنع الناس أن دولة الاحتلال هو كيان صراعنا معه يقتصر على المفاوضات السياسية والحوارات الماراثونية، فإن الحرب على غزة قد ضربت بكل هذه الادعاءات عرض الحائط، لتفشل جهود سنين مضت سعى الاحتلال ومن معه لتغيير طبيعة الصراع مع الفلسطينيين، ولتؤكد على أن دولة الاحتلال هي كيان معادي لا يفهم إلا لغة القوة والرصاص، وهو ما أجبر السلطة على تغيير خطابها نوعاً ما تماشياً مع مطالب الشارع وحتى لا تكون بواد آخر الأمر الذي يؤثر على وجودها وتأثيرها.
حتى يتحقق المطلوب
إن ما شهدته مدن وقرى الضفة الغربية خلال الحرب على غزة، وإن لم يرق للمستوى المطلوب، إلا أنه يكشف عن أرضية خصبة يمكن البناء عليها، ويمكن أن يكون مقدمة لانتفاضة شاملة بعد هذه الهبة الشعبية المقبولة نسبياً رغم الظروف والأوضاع، إلا أنه يستدعي الكثير من الأمور لتحقيق المأمول، منها:
1- التجديد في الخطاب السياسي، فحماس اليوم ليست فصيلاً سياسياً عادياً، بل هي تعتبر رائدة الفصائل والمدافعة عنها، والأكثر شعبية بينها، والخطاب السياسي المطلوب لابد وأن يركز على الخطاب الفلسطيني الوحدوي الأمر الذي يزيد من التفاف الناس حولها وتأييدها، ويربك حسابات من يحاول أن يقسم الشارع الفلسطيني ويخل بوحدته.
2- استغلال الظروف الحالية لالتقاط الأنفاس وترتيب البيت التنظيمي الداخلي، فالفرصة الآن متاحة أكثر من أي وقت مضى، وهي تحتاج إلى إرادة وتخطيط للاستفادة من جهود الأفراد والكوادر، وفي الوقت نفسه إعادة المحاضن التربوية والفكرية إلى ما كانت عليه سابقاً.
"لابد من استغلال الظروف الحالية في التقاط الأنفاس وترتيب البيت التنظيمي الداخلي في الضفة، فالفرصة متاحة الآن أكثر من أي وقت مضى"
3- تأهيل قدرات الجيل الجديد، باستغلال جميع الوسائل المتاحة، سواء أكان عبر التواصل الشخصي أم الإلكتروني وغير ذلك، فلا يصح أن يقتصر العمل على الجيل القديم الذي قدم وضحى بالكثير مما يملك، بل يحتاج إلى روح جديدة تغير الخارطة الحالية بما يتناسب مع ما هو مطلوب منها.
4- عودة أبناء الضفة الغربية ممن يقطنون في البلاد الخارجية إليها –ممن لم يثبت بحقهم شيء لدى الاحتلال- الأمر الذي يوجد قيادات جديدة، ويفتح قنوات اتصال مع القيادات في الخارج، ويعزز البنية التنظيمية الداخلية.
5- تقوية الروح المعنوية لأبناء الضفة الغربية، سواء أكان عبر الدعم المالي، أو القانوني والإعلامي، حتى يشعر العاملون في الضفة أنهم ليسوا وحدهم في الميدان، وأن هناك من يدعم صمودهم وحركتهم ويهتم بهم وبأسرهم حال وجودهم أو فقدهم بسبب الأسر أو الشهادة.