المساجد وتأثيرها المجتمعي .. بين الحقيقة والوهم

الرئيسية » خواطر تربوية » المساجد وتأثيرها المجتمعي .. بين الحقيقة والوهم
APTOPIX Mideast Israel Palestinians

لا شك أن الإسلام أعطى المسجد أهمية كبيرة بل ودوراً كبيرا أيضاً؛ وهو ما يحاول البعض اليوم قصره على الصلاة فيه فقط، بل ورأينا في الدول المسلمة من يقوم بإغلاق المساجد بعد أداء الصلاة فيها بالوقت اليسير ولا يسمحون لأحد البقاء فيها بأمر من الحكومة، حتى إن أحد الأنظمة البائدة في تيار الربيع العربي بدأ بالفعل بمراقبة المساجد عبر الكاميرات ووضع لكل مسلم في بلده هوية خاصة للصلاة تسمح لصاحبها بالصلاة في مسجد واحد أو مسجدين، وكذلك فإن الذي كان ممن يحافظون على صلاة الفجر خاصة إن كان من الشباب فإنه سرعان ما يستدعى إلى التحقيق.

وكلنا رأى في حرب العصف المأكول الأخيرة على قطاع غزة كيف كان استهداف المساجد بشكل مباشر وغير مباشر من قبل اليهود، وما كان هذا عبثاً؛ وما كانت المقاومة لتحتمي بالمساجد وفيها عبّاد الله، عداك عن إخفاء الأسلحة فيها أو إطلاق الصواريخ منها فهذا مما لا شك فيه أنه لم يكن. علماً بأن استهداف المساجد لم يكن فقط خلال هذه الحرب ففي "حرب الفرقان" عام 2008م استهدف الاحتلال 100 مسجد، 45 منهم دمّروا بشكل كلي، و55 بشكل جزئي.، أما في حرب "حجارة سجيل" في 2012م، قصفت إسرائيل 38 مسجدًا، اثنين منهم دمرا بشكل كامل، و36 بشكل جزئي.

وفي هذا العدوان "العصف المأكول" دمر الاحتلال 41 مسجدا تدميرا كاملا، و120 تدميرا جزيئا وفق إحصائية لوزارة الأوقاف في قطاع غزة.
هذا المشهد بكامله يشابه إلى حد ما ما يجري في مصر الانقلاب، أو الانقلاب المصري على الشرعية وتدخل العسكر بطريقة فجة لم يأت بها الأولون ولا الآخرون، فإن المساجد بعد الانقلاب غير المساجد قبل الانقلاب، لقد حوربت المساجد وبعضها حوصر، وبعضها أحرق وبعضها أغلق، ومنع الناس من التدريس في بيوت الله إلا بإذن من ولي الأمر المنقلب، وكذلك منعت وأوقفت صلاة الجمعة في كثير من المساجد بعد فترة الانقلاب؛ حيث بلغ عدد المساجد التي منع فيها المصلون من أداء الجمعة بحسب ناشطين إلى أكثر من ألف مسجد.

وقديما اشتهر في سورية عبارة قيلت على لسان حاكمها المتأله آنذاك، بعد مجازر حماة وما بعدها، أن هذا الرئيس رأى مآذن تلوح له في الأفق فقال: هذه ليست مآذن، هذه "خوازيق"، هكذا ينظر الطغاة للمساجد.

{ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها}
وهنا تأتي الحقيقة {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}
ولنعد فترة من الزمن القريب حيث اندلعت أولى انتفاضات العصر، الانتفاضة الفلسطينية نهاية الثمانينات من العقد المنصرم، والتي شارك فيها مئات بل قل آلاف الشبان الملتزمين، الذين كانوا سمتاً لهذه الانتفاضة حتى إنها سميت بانتفاضة المساجد.

وهنا لا بد لنا من وقفة لنرى دور المساجد وما هو مطلوب منها وما هو متوقع منها كذلك، فالمساجد ليست حجارة بنيت، ولا فرشاً على الأرض ألقيت، ولا أجساداً متناثرة هنا وهناك اصطفت، لا تكاد ترى من يعرف الآخر أو من يكلمه، ولا هي عبارة عن مقبرة جمعت في طياتها كل شيخ غابر قدم في حياته من المعاصي ما جعله يتقاعد في الصف الأول من الصلاة دون معرفة حقيقية لهذا الدين أو لدور هذا المسجد إلا من رحم الله منهم.

لقد كان المسجد منذ فجر الدعوة الإسلامية هو مكان التغيير للمسلمين، ومناط وجوده هو الاجتماع أي الالتقاء، ليس الحضور فقط، ولقد تعذر ذلك في مكة المكرمة حول الكعبة المسجد الوحيد آنذاك، إلا أن ذلك لم يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من الالتقاء لأداء الصلاة جماعة في الشعاب حول مكة، حيث تغيب الأنظار وتلتقي القلوب، وتجتمع الفكرة مع الفكرة، وتكون الدعوة وانطلاقتها، ومع ذلك كله بقي هذا الدور محصوراً جداً خاصة أن المسلمين خضعوا للرقابة آنذاك من كفار وعتاولة قريش.

ولكن ما أن استقر المسلمون في المدينة المنورة، أي بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم عليها حتى أمرهم ببناء أول مسجد في الإسلام، نقطة التجمع الحقيقة لهم، ونقطة الدعوة، ومجمع التربية العظيم، فكان هو المكان المنشود للالتقاء بالمرشد الأول للمسلمين دون موعد أو مواعدة مسبقة، وكان الصحابة إذ ينتهون من الصلاة ويلتفت إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تبدأ مشاوراتهم في سائر شؤون حياتهم ابتداء من تفسير الرؤى وانتهاء بتسيير الجيوش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قادراً على أن يتخذ داراً مثل دار الندوة في مكة لكل مهمة وملمة؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى ذلك الدور الحقيقي للمسجد، وما كان ذلك مصادفة ولا عبثاً، وإنما كان قصداً وتدبيراً ورسالة إلى كل المسلمين في كل حين.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “كان (أي المسجد) على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين عرينَ أُسود، ورياض جهاد، ومدرسة وجامعة، ومقر قيادة أركان الجند، ومجلس شوراهم، ذلك أن بيت الله أحق البيوت أن ينطلق منها، ويرجع إليها، ويتجمع فيها”

وكذلك يقول الأستاذ عبد الكريم البغدادي: “في المسجد يحكم القرآن ويعرف القول الفصل في الأحكام والحدود، والشهادة بأهميتها.”
ويقول أيضاً: "يخاف القوم من المساجد لأن المسجد كان في عهده صلى الله عليه وسلم “مقرا لقيادة الأركان”.

هذا الدور على الدعاة أن يعوه جيداً، لن تستطيع أي مؤسسة أن تحل مكان المسجد ولا أن تأخذ دوره ولا حتى دور القرآن الكريم أو المدارس والمعاهد الدينية، رغم دورها الكبير؛ إلا أن المسجد له مهابة ودور في صياغة التربية الحقيقية في النفوس، له هيبة تقع في القلوب وتؤثر فيها وتحركها؛ كيف لا وهو بيت رب العالمين؟؟

إن الانطلاقة الحقيقية تكون من بيوت الله تعالى، {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا لهو عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}، لنوجه البوصلة من جديد إلى المساجد؛ فهناك يكون الجيل المنشود.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …