النقد الذاتي .. الضرورة والممارسة

الرئيسية » بصائر تربوية » النقد الذاتي .. الضرورة والممارسة
النقد

إن النقد البنّاء والمراجعة المستمرة ونظرة الفاحص المدقق لمختلف ما تقوم به بين حين وآخر، هو دليل على صحة سليمة لتلك النفس سواء كانت فردية أم جماعية، وعامل من عوامل الاستمرارية والديمومة والعطاء، فلا بد من تأسيس منهجية للتعامل مع النقد وتقبله واستيعابه، ولا بد من ضبط ممارسته من خلال ترسيخ معاني التربية الإيمانية وتدعيم معاني الثقة والجندية في نفوس الأفراد، فمفهوم النقد الذاتي ومرادفته من أكثر المعاني والمصطلحات انتشارا في الوسط الإسلامي وبين أبناء الحركة الإسلامية، والتي يتم التعامل معه بحذر ولربما بارتباك، وقد يحملها البعض كنوع من التشهير والتجريح والتثبيط والاتهام.

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}:

لما كان إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل يرفعان قواعد الكعبة، كان عليه السلام كلما رفع رقعة تحول إلى مقامه الكريم فتأمل استقامة زوايا الكعبة وحسب وقاس ثم عاد يواصل البناء والعمل.

نقد ذاتي ومراجعة دورية مصحوبة بالتقييم والتقويم، هي صنعة البنّاء الماهر، وعين المهندس المتقن هي سنة إيمانية عمل بها إبراهيم عليه السلام، وكذلك هو شأن البنائين اليوم، فكلما بنى الواحد منهم صفين أو ثلاثة من الجدار نزل فأبصر وعاين ودقق النظر في عمله وما صنعته يداه، خشية وجود العيوب والثغرات وخوفاً من الانحراف والميل وتحسباً من وجود أية نتوءات أو زوائد لا فائدة ولا مبرر من وجودها.

مفهوم النقد

"النقد الذاتي للحركات والجماعات هو لوم جماعي مع الاعتراف والإقرار، هو الاستدراك والتقويم، هو وقفة لمعالجة الأخطاء وجبر العثرات وتصحيح المسار كسباً للوقت وحفاظاً على الجهود"

فالنقد الذاتي للحركات والجماعات هو لوم جماعي مع الاعتراف والإقرار، هو الاستدراك والتقويم، هو وقفة لمعالجة الأخطاء وجبر العثرات وتصحيح المسار كسباً للوقت وحفاظاً على الجهود، وهو إعلانٌ للوعي العقلاني وتأسيس البناء وفق منهجية واضحة، قائم على أساس متين من الصدق والصراحة والوضوح والشفافية، ومرتكز على معطيات صحيحة، موجها للآراء غير منتقصا من الأشخاص، كما يوصي الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله: (إذا لزم النّقد فلا يكون الباعث عليه الحقد، ولكن موجّه إلى الآراء بالتمحيص، لا إلى الأشخاص بالتنقيص)، لتكون بهذه الوصية سليما معافى من أن يكون نقدك "البنّاء" نوع من انتصار للنفس وهواها.

علامة نضج .. لا سلبية

قيل: (من لا يعمل لا يخطئ)، فبعد كل عمل صغير أو كبير تبدأ الأقلام تسيل وتبدأ موجات من الصراع الذي لا مبرر له ولا فائدة منه، ولسنا ننكر على أي طرف من الأطراف وإنما لا بد من أن تتسع قلوبنا لكل اجتهاد ورأي دون حجر أو منع ودون إساءة وتجريح بالمقابل.

فما زال البعض يعتبر أن كل نقد ذاتي منشور، يعد صراخاً وضجيجاً وأنه لا داعي له بل ويعيق مسيرة الدعوة، وينشر غسيلها كما يقولون، ولكنها في الحقيقة علامة نضج وظاهرة صحية لا بد من المحافظة عليها والاستفادة منها وإيجاد حلول عملية لأجلها بدلاً من كبتها وقهرها مما قد يؤدي إلى ظاهرة النفاق الدعوي وانتشار الهمس الخفي والحديث الجانبي الذي قد يكون بدوره أكثر أذية وخطورة على جسم الدعوة فتجعل منه جسماً نحيلاً بسبب ضعف المقاومة والمناعة الداخلية.

"النقد الذاني لا يعد ضجيجاً ولا يعيق مسيرة الدعوة، بل هو علامة نضج وظاهرة صحية لا بد من المحافظة عليها والاستفادة منها وإيجاد حلول عملية لأجلها بدلاً من كبتها وقهرها مما قد يؤدي إلى ظاهرة النفاق الدعوي وانتشار الهمس الخفي"

فلنستمع للنقد ولنكن أهلاً له، فالنقد لا ينقص من قدر الحركة الإسلامية وأفرادها ولا يقلل من عطاءهم و تضحياتهم، بل يرفع من شأنهم ويدفع بهم إلى الأمام قدما كيف لا وهم أولى الناس بفعل ذلك لأنهم أصحاب رسالة ومشروع، وحملة أمانة.

النقد الذاتي.. ركن الأسرة الثاني

يقول الإمام البنا رحمه الله في رسالة الأسر، والتفاهم: وهو الركن الثاني من أركان هذا النظام, فاستقيموا على منهج الحق، وافعلوا ما أمركم الله به، واتركوا ما نهاكم عنه، وحاسبوا أنفسكم حساباً دقيقاً على الطاعة والمعصية، ثم بعد ذلك لينصح كل منكم أخاه متى رأى فيه عيباً، وليقبل الأخ نصح أخيه بسرور وفرح، وليشكر له ذلك، وليحذر الناصح أن يتغير قلبه على أخيه المنصوح بمقدار شعرة، وليحذر أن يشعر بانتقاص، أو بتفضيل نفسه عليه، ولكنه يتستر عليه شهرا كاملا، ولا يخبر بما لاحظه أحداً إلا رئيس الأسرة وحده إذا عجز عن الإصلاح، ثم لا يزال بعد ذلك على حبه لأخيه وتقديره إياه مودته له، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وليحذر المنصوح من العناد والتصلب وتغير القلب على أخيه الناصح قيد شعرة، فإن مرتبة الحب في الله هي أعلى المراتب ، والنصيحة ركن الدين: (الدين النصيحة) والله يعصمكم من بعض، ويعزكم بطاعته، ويصرف عنا وعنكم كيد الشيطان.

فالنقد الذاتي عمل دعوي مؤسسي لا شيئا هامشياً نتقبله على مضض ونؤسس له محاكم للتفتيش وغيرها، وكان البنا رحمه الله كثير المراجعة لنفسه وجماعته وقد كتب في أكثر من رسالة ومقال بعناوين صريحة في باب النقد الذاتي والمراجعة فقد كتب مقالا بعنوان (كشف الحساب.. ما علينا، ما لنا، ما يجب أن نفعله) في مجلة النذير، وأخرى في مجلة التعارف بعنوان (عامان في الميزان.. عام مضى، وعام في ضمير الغيب) واللبيب من الإشارة يفهم.

رسالة

أيها الدعاة.. أيها الناس
راجعوا خطواتكم.. وسائلكم.. خططكم، كونوا ريادين، سباقين، واتركوا لمن خلفكم تركة سليمة لا غبش فيها ولا خلل، ولتتسع صدوركم للنقد ولتفتحوا أبوابكم للمراجعة.
فالبعض يخشى المراجعة خشية انكشاف الخطأ، والبعض الآخر يخشى المراجعة خشية الوقوع في الخطأ.
راجع وتفقد خطواتك ولا تخشَ وكن ممن يراجع مساره فيقف عند الخطأ ويتفاداه.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • النقد
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    مدون أردني مهتم بالشأن التربوي

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …