ثلاثية اللياقة هي تلك الروح

الرئيسية » بصائر تربوية » ثلاثية اللياقة هي تلك الروح
النجاح

في ثنايا تفاصيل الحياة اليومية، ومع زحمة الأحداث وتسارع إيقاعها، ومع اشتداد أوقاتها وصعوبتها، يبقى معنى الحياة بأن نحياها بكل جزء منها حياة كاملة تامة، وتزخر حياة المرء منا بسلوكيات متعددة فيها الرغبة للنجاح والتفوق والتميز، وتواجه الواحد منّا تساؤلات عديدة حول كيفية الخوض في هذه الحياة؟ من أين المبتدأ؟ وإلى أين المنتهى؟ ما هو الطريق الأنسب؟ وغيرها من هذه التساؤلات، ويبقى العامل الرئيسي الدافع الرافع المحفز للاستمرار في البحث عن هذه الإجابات ومواصلة السير هو الاحتفاظ باللياقة الشخصية وعلى مختلف الصعد، ولعل اللياقة التي نقصدها واحدة من تلك الأسباب التي تساعدك بالمضي قدماً وبرسم بياني متصاعد.

فاللياقة ليست هي بكمية العضلات التي تعلو كتفيك فقط، ولا هي تلك القوة البدنية التي يتحلى بها الفرد، ولكن الذي نعني هي تلك الروح المعنوية المتوقدة، والنفسية العالية التي تحيا بها وتعيش عليها، والتي تُعينُك على مواجهة الحياة بكل ثقة ولتعبر منها بنجاح أكبر.

ليتمثل قول الشاعر:

سني بروحي لا بعد سنيني                      فلأسخرن غداً من التسعين

عمري إلى الخمسين يركض مسرعاً          والروح ثابتة على العشرين

ثلاثية من المعاني

ولياقتنا هذه تنمو بثلاثية من المعاني:

أولا: أن تمتلك إيمانا
كثيرا ما تبدو تلك الأفكار التي نحمل وندعو لها عظيمة، نبذل في سبيلها كل غالٍ ونفيس، نقدمها على كثير من أولوياتنا، نفعل كل ذلك وأكثر لأجل رؤية أفكارنا أشجاراً باسقة تُنعم بظلالها على كل من يلجأ إليها، ويهتدي بها، وحتى يتحقق لك ذلك يبقى السؤال: هل أنت مؤمن بذلك؟ وما مدى إيمانك بما تحمل؟

"مهما كانت الأفكار التـي تحمل نبيلة، والغايات سامية، ومهما كانت المشاعر التي تدفق بين جنبيك صادقة، يبقى أن تؤمن إيمانا مطلقاً لا تردد فيه، بعظمة ما تحمل، وبأهمية ما تسعى، وبضرورة ما تملك"

فليس المهم ما تريد أو ما وقر في قلبك، فذلك لا يكتمل إلا بتصديق الجوارح لذلك أو تكذيبه، فاقتنع بذاتك وآمن بقدراتك وأفكارك، أو "اشغل خاطرك" كما يسميها ابن الجوزي: "من أعمل فكره الصافي دله على طلب أشرف المقامات ونهاه عن الرضى بالنقص في كل حال"، فمهما كانت الأفكار التـي تحمل نبيلة، والغايات سامية، ومهما كانت المشاعر التي تدفق بين جنبيك صادقة، يبقى أن تؤمن إيمانا مطلقاً لا تردد فيه، بعظمة ما تحمل، وبأهمية ما تسعى، وبضرورة ما تملك، آمن أنت أولا بفكرتك، آمن بها إلى حد الاعتقاد الحار! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة، عندها فقط ستملأ روحك ما يكفي للمضي قدما وبدء المسير نحو الهدف
فقد يبتعد المكان.. ويتغير الأشخاص.. وتتبدل الظروف، لكن الفكرة ستبقى ثابتة راسخة إن كان الإيمان بها قوياً والاقتناع بها شديداً.

ثانيا: أن تمتلك مشروعاً
وهذا يعني أن تكون صاحب رؤية واضحة، تعرف أين تسير الآن وكيف سيكون المنتهى، إذا كان لديك هذا فاعلم أن لياقتك بخير، فلن تتيه ولن تنحرف بوصلتك، ولن ترتجف قدماك حين المسير، وستهون أمامك الصعاب، بل وستظل شامخاً مهما بلغت التحديات.
أن تمتلك مشروعا ذلك يعني أنك ستبذل كل ما تستطيع وأكثر لأجل ذلك دون أن تكل أو تمل، أن تمتلك مشروعاً يعني أن تبقى متيقظاً حريصاً على نفسك ووقتك وجهدك، فكون لديك مشروع فإنك ستتدرب طويلاً، وستضبط أنفاسك حتى لا تخذلك، وستبرمج نفسك على الصبر وستعيش ساعات من التأمل والتفكر، وكل ذلك بالتأكيد سيرفع من قدرتك التحملية ويزيد من لياقتك.

ثالثا: أن تمتلك إرادة
فلا يأس ولا استسلام، وما الحياة سوى قرار تتخذه وتعيش فيه حتى النهاية حياة كاملة ملؤها التصميم والإصرار، وكلما سمت أهدافك وارتفعت كان عليك أن تضاعف العمل وتبذل المزيد من الجهود وتتمسك بالعزيمة والإرادة، فأن تمتلك إرادة يعني أن تقرر العيش ومتابعة طريقك دون التفات يبطئ أو يعيق، أن تمتلك إرادة يعني أن لا تلتفت لمظاهر الإغراء وأن تركز ناظريك على هدفك، أن تمتلك إرادة ذلك يدفعك لتوقع العقبات والصعاب والعمل على مواجهتها وتجاوزها بالحلول المناسبة حتى تصل إلى مبتغاك.

وتذكر أنك بالعزيمة والإرادة القوية تفعل الكثير، وكما قال الشاعر:

وتحسب أنك جرم صغير              وفيك انطوى العالم الأكبر

ويقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله:(لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته، لأزاله).

ثلاثية كفيلة بأن تزرع في نفسك الثقة والعزم على متابعة السير في الطريق الذي اخترت، هي معانٍ ثلاث يكتمل بها مثلث اللياقة التي سترافقك على طول المدى، وترى بعدها ومعها ما كنت إليه تتوق وتطمح، فإياك إياك أن تسمح لأحدهم بأن يقلل من لياقتك، ولا تستمع لتلك الأصوات النشاز المثبطة، التي لا هم لها سوى هدم معنويتك ونفسيتك وروحك.. وكن على قدر طموحاتك ورغباتك، قوي إيمانك.. وطور مشروعك.. وزد من إرادتك.. تحيا سالماً معافىً.. عصياً على الانكسار.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الداعية
  • النفس
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    مدون أردني مهتم بالشأن التربوي

    شاهد أيضاً

    كيف يناقش الأب ابنته في مسائل الحب والمشاعر العاطفية؟

    عادة ما تثير الحوادث التي تتعلق بانتحار الفتيات أو قتلهن كضحايا لقصص حب أو علاقات …