د. أبو فارس: الحرب القادمة ستكون حرب تحرير القدس ويافا وحيفا

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » د. أبو فارس: الحرب القادمة ستكون حرب تحرير القدس ويافا وحيفا
محمد أبو فارس

دخل العدوان الصهيوني على قطاع غزة شهره الثاني، وقرابة 2000 شهيد، وأكثر من 9000 جريح، مئات البيوت المهدمة، وجراحات كثيرة، إلا أن صموداً أسطوريا يسطّر في بقعة صغيرة من الأرض، عانت الحصار على مدار ثماني سنوات، يقف على ترابها أكثر من مليون ونصف المليون شخص، في وجه كيان مسخ يدعي أنه الأقوى في العالم.

غزة التي تحرم من أن تمسك بيد الجار القريب بسبب الحصار، تصنع من الموت حياة، فبالرغم من حجم الخسائر الضخم إلا أنها تنتصر على أعدائها الذين فقدوا الكثير من جنود نخبتهم أمام مقاتليها في الحرب البرية، وشردت الآلاف من سكان المستوطنات المتاخمة أمام صواريخها، كل ذلك بفضل الله عز وجل الذي ربط على قلوبهم وثبت أقدامهم في معركة تخلى عنهم فيها القريب والبعيد إلا من تبقى في قلبه مثقال ذرة من إنسانية.

وحول الأحداث المتعاقبة في غزة كان لا بد من استضافة أحد الأعلام للحديث حول ما يدور على الأرض في منظور إسلامي، وقد وفقنا الله عز وجل للحظوة ببعض وقت الدكتور محمد أبو فارس بعد انقطاعه لفترة ليست بالقصيرة عن الإعلام بسبب حالته الصحية التي كانت تقف حيال ذلك. وكان معه اللقاء التالي:

بصائر: الحرب العاتية التي تشنها "إسرائيل" على أهالي قطاع غزة، والتي لم يكن ضحيتها سوى المدنيين العزل، ولا تزال رحاها دائرة منذ أكثر من شهر، شهداء بالجملة، رفض للمبادرات التي لا تحقق شروط المقاومة، صمود أمام عدوان همجي، كيف وصل أهل غزة إلى هذا المستوى من الندية لدولة الاحتلال؟

د. أبو فارس: لنبدأ من ثمرة هذا الصمود، لقد تحقق به النصر؛ في عقيدتنا وفي ديننا أن النصر من عند الله عز وجل، ولهذا جاءت الآية القائلة: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} [الأنفال:10]، والنصر لا يكون من عند الله إلا لمن يستحقه، فالمجاهدون في غزة نصرهم الله لأنهم نصروه، واستحضر هنا قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد: 7].

"إن هذا النصر يعود الى الله؛ والمجاهدون هم المنصورون بأخذهم لعوامل النصر قبل المعركة وأثنائها وبعدها"

ولهذا كان النصر متأتياً كون هؤلاء المجاهدين قد نصروا الله تعالى بالإقبال على الطاعات والكف عن المعاصي، ومن هنا نقول إن هذا النصر يعود الى الله تعالى؛ والمجاهدون هم المنصورون بأخذهم لعوامل النصر قبل المعركة وأثنائها وبعدها، إذ تزوّدوا قبل المعركة بزاد الإيمان من خلال توثيق الصلة بالله تعالى وحفظهم للقرآن وعملهم به وتلاوته، والحفاظ على الشعائر والعبادات وبيعهم الأنفس والأموال لله عز وجل، فلا يرجو الواحد منهم مغنماً ولا سمعة، ولولا هذا لما كانوا مجاهدين ولما نصرهم الله، واستحضر هنا قول الله تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس}.

إن الاعداد الروحي والإيماني يأتي من قبيل إعداد القوة الذي أمر الله به في قوله الكريم: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ...} وهم بفضل الله داوموا على الإعداد، فمن قارن بين الحروب الثلاثة التي مرت على غزة (معركة الفرقان، وحجارة السجيل، والعصف المأكول) يلاحظ إعداداً متطوراً في كل مرحلة، كان ختامها تمكن المجاهدين من تطوير إمكانياتهم الصاروخية وتصنيع طائرات، كل هذا جاء من استجابتهم لأمر الله عز وجل "واعدوا" وهو فعل أمر؛ يأخذ حكم الوجوب بمعنى أنهم آثمون إذا لم يعدوا، وقيامهم بفريضة الاعداد الروحي والمادي كان من أسباب هذا الانتصار المجيد الذي أحرزوه، وفاجؤوا به العدو الذي تهرب من منازلة المجاهدين بعد رؤيته لاستبسالهم وقدرتهم على القتال من مساحة صفر.

ودعيني أضيف أن قياس الانتصار بالهزيمة لا يكون بقياس أعداد الضحايا، إذ إن كل الذين استشهدوا هناك قد انتهى أجلهم في الحقيقة، ولم يتبق من آجالاهم ثانية، ولكن هناك آجال تنتهي بالشهادة وأخرى تنتهي بلا شهادة، وهذا لا يعني أننا لا نألم لمقتل الأطفال والشيوخ والنساء ولكن عزاءنا نحن المسلمون ينبع من عقيدتنا إذ يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:145].

وقد أمات الله عز وجل أعز مخلوق وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما قال ونعاه للأمة قبل أن يموت: إنك ميت وإنهم ميتون، في حين سيظل اليهود يندبون قتلاهم حتى يكونوا حرضاً أو يكونوا من الهالكين، لأنهم أحرص الناس على حياة كما أشار لذلك الله تبارك وتعالى: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون} [البقرة:96].

بصائر: ما الدروس التي تصدرها غزة للشعوب العربية؟

"لا يجوز أن نفصل حياة المجاهدين وانتصاراتهم عن كتاب الله وسنة رسوله وسيرة صحابته، ولا يجوز أن ننسب هذه الانتصارات للمجاهدين، بل هو توفيق الله لهم"

د. أبو فارس: ليست غزة من تعلم الناس! الله هو معلم الناس، وكتاب الله وسنة رسوله وسيرة اتباعه هي من علمت المجاهدين في غزة.

لا يجوز أن نفصل حياة المجاهدين وانتصاراتهم عن كتاب الله وسنة رسوله وسيره صحابته، ولا يجوز أن ننسب هذه الانتصارات للمجاهدين، بل هو توفيق الله لهم، إذ إن مصدر الروح المعنوية والانتصارات العسكرية والسياسية وغيره الله عز وجل، وشعارنا يجب أن يكون دائماً: الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

أما الشعوب العربية فعليها أن تفقه الدرس الذي أوصل أهل غزة لما هم فيه من عزة، وذلك بالعودة لكتاب الله عز وجل، وهذه العودة يجب أن لا تكون حفظاً في الصدور، بل علماً وعملاً وتلاوة وتدبراً وإحياءً للأحكام التي جاءت فيه.

إن الشعوب العربية شعوب مقهورة وراضية بطواغيت من الحكام، يعطلون كتاب الله، ولا يؤمنون برسول الله ولا بالله، ويرفضون ابتداءً الانصياع لكتاب الله ولأوامره، وعلى هذه الشعوب أن تضغط على هؤلاء الحكام باتجاه تطبيق شرع الله والمناداة بالحريات وتحقيقها.

في غزة كانت حماس هي من يحكم المنظومة المجاهدة وعملت على تطوير المقاومة ولا شك أنها كما هو معروف جزء من الاخوان المسلمين، لذلك نقول في مثل هذه الظروف على الشعوب أن تستجيب لأمر ربها وتغير القوانين الجاهلية والحكم الجاهلي؛ يقول الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون، ومن احسن من الله حكماً لقوم يوقنون} [المائدة:50].

" لتحقيق أنموذج غزي نحتاج لقيادة جريئة كقيادة غزة، وعلماء جريئون كعلماء غزة، وشعب جريء كشعب غزة"

لا بد من ربيع عربي اسلامي، وليس ربيع عربي علماني، إن الربيع الذي ننادي به هو قيام الشعوب لتثأر لدينها بل هي أن تحكم بشرع الله تبارك وتعالى.

ولا بد من الاعداد، ولا بد أن يلعب العلماء والفقهاء دورهم في ذلك وأن يقودوا الشعوب في أي معركة وفي أي مناجزة، الأصل أن يتقدم العلماء والجموع وأن تلتف الجماهير حولهم؛ لتحقيق أنموذج غزي، نحتاج لقيادة جريئة كقيادة غزة، وعلماء جريئون كعلماء غزة، وشعب جريء كشعب غزة.
أما قيادات متخاذلة، وعلماء جبناء، وشعوب تبحث عن مصالحها كما هو الحال لدينا فهذا لا يحقق اي انتصار.

بصائر: ما رأيكم بمستوى الفعاليات التي يقوم بها الشارع العربي دعماً لإخواننا في غزة وبالاخص في الأردن؟

د. أبو فارس: لا شك أن ما يقام به من أنشطة مختلفة يأتي من باب إظهار التضامن واللحمة مع المجاهدين في غزة، والأصل بالمسلم أن يسر لأخيه المسلم، وأن يحزن لحزنه؛ مصداق ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، والحقيقة أن الشعب الأردني هو شعب مسلم وله جذور قوية وعلاقات تاريخية ووثيقة في فلسطين، بل إن شعوبهما شعب واحد، فلو عدنا لما قبل الانتداب والتقسيمات الاستعمارية الحالية لوجدنا أن شمال الأردن وشمال فلسطين كانتا تحت مسمى الأردن، وجنوب الأردن وجنوب فلسطين كانتا تحت مسمى فلسطين، ونحن مع كل الفعاليات المساندة لأهلنا سواء كانت بالكلمة أو المال والبذل والعطاء لمن ضحوا بالأرواح والأنفس.

بصائر: ماذا تقول للأصوات النشاز التي انطلقت لتجريم المقاومة في فلسطين وتمجيد العدوان الصهيوني على غزة؟

د. أبو فارس: أنا لا أجد غرابة فيما يصدر من أمثال هؤلاء المتصهينين، وكثير من الأحيان انتقد من يعول على حكام ومسؤولي الدول العربية ويظهر وكأنه مصدوم من صمتهم وخذلانهم للقضية الفلسطينية! كثير من الحكام العرب والأنظمة العربية هي حليف استراتيجي للكيان الصهيوني وللمعسكر اليهودي لأمريكا، ونكون نحن غافلون وبلهاء إن لم ندرك هذه الحقيقة.

إن المؤمن كيس فطن، والأصل أن يكون المسلم عبقرياً ولا يلدغ من الجحر مرتين، ولنستذكر في هذا السياق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "لا تقوم الساعة حتى ينقسم الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه"، وهذا ما نشاهده في أيامنا من بعض الدول التي أبدت استعدادها لتحمل المسؤولية المالية الكاملة للحرب الصهيونية على غزة! بل وأرسلت الجواسيس في زي وفد طبي من أجل الاستخبار لصالح اليهود!

بصائر: كيف تقرأ الالتفاف الشعبي الكبير حول المقاومة في غزة بالرغم من الجراح النازفة؟

د. أبو فارس: المسلم في غزة يفتخر بالنصر على الرغم من جراحاته، وهم يحرصون أيضا على إغاظة العدو، ولهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته أسوة حسنة حيث قال: رحم الله امرءاً أراهم اليوم منه جلداً، وذلك يوم عمرة الحديبية، وهذا الجلد مطلوب في مناجزات العدو، وخروج الغزيين والتفافهم حول خيار المقاومة فيه تخذيل للأعداء وإغاظة لهم، وأهل غزة أصحاب عقيدة قوية ويعلمون أن ما عند الله خير وأبقى وأنهم مأجورون على صبرهم وعلى ما يقدمونه في معركتهم مع يهود.

بصائر: كلمة توجهها لأهلنا الصامدين في قطاع غزة؟

" أبشركم بأن المرحلة الأخيرة هي مرحلة تحرير وليست مرحلة مقاومة، وعلى حماس أن تتجهز من الآن فصاعداً للهجوم لا للدفاع"

د. أبو فارس: أبشركم بأن المرحلة الأخيرة هي مرحلة تحرير وليست مرحلة مقاومة، وعلى حماس أن تتجهز من الآن فصاعداً للهجوم لا للدفاع، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بعد اليوم نغزوهم ولا يغزونا".

على المقاومة الآن أن تعد للحرب سلاح هجومي وتدريب قوي وتوسيع لقواعد الجيش الاسلامي، وعلى كل من هو قادر على التطوع على حمل السلاح من أهل فلسطين وغير أهل فلسطين أن يتجهز للمعركة الفاصلة التي أشار اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "تقاتلون اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا عبد الله يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فقتله". فالشاهد من الحديث أن هزيمة اليهود ستكون على أيدي المسلمين ولذلك لم يقل في الحديث "يا فلسطيني" وجيش التحرير سيشمل المسلمين الصادقين؛ وإني والله لمؤمن بأن حروب المقاومة قد انتهت، بالحروب الثلاثة التي مضت، والحرب الرابعة ينبغي أن تكون حرب تحرير القدس وحرب تحرير المسجد الأقصى وتحرير يافا وحيفا والفالوجة وغزة وكل شبر من أرض فلسطين، ويقولون متى هو؛ قل عسى أن يكون قريباً.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "السبيل" اليومية الأردنية في قسم الشؤون المحلية والتحقيقات. وكاتبة في مجلة "الفرقان" التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم / الأردن؛ في الشؤون الأسرية والتربوية. وتكتب بشكل متقطع في العديد من المجلات العربية منها؛ البيان؛ الفرقان الكويتي؛ وأجيال السعودية إلى جانب العديد من المواقع الإلكترونية.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …