بعد الإبداع العسكري الذي أظهرته ميدانياً كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في معركة العصف المأكول، لا تزال الكتائب تواصل إبداعها الإعلامي عبر البيانات والخطابات التي تنبىء بمفاجآت تربك حسابات العدو الصهيوني على الصعيد السياسي والعسكري والأمني، ومن آخر هذه المفاجآت القسّامية، ما قاله مسؤول في كتائب الشهيد عزّ الدين القسَّام في بيان مكتوب، مساء أمس الإثنين: "إنَّها تشترط لـ"الكشف عن مصير الجنود الإسرائيليين الذين وقعوا في أسرها (خلال الحرب الإسرائيلية)، تسليمها كشفاً بأسماء العملاء المخابرين مع إسرائيل في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزَّة".
وكانت كتائب القسَّام كشفت في 20 من الشهر الماضي أنَّها تمكّنت من أسر الجندي الصهيوني شاؤول أرون خلال عملية مركّبة نفذتها شرق غزة، والتي قتل فيها 14 جنديًا وأصيب أكثر من 50 بينهم قائد لواء جولاني.
وللوهلة الأولى بعد قراءة البيان يلوح في الأفق مدى الترابط الزمني بين هذا البيان وبين المفاوضات الدائرة في القاهرة حول التهدئة ووقف إطلاق النار وما وصلت إليه بعد التعنّت الصهيوني وتراخي الوسيط في لعب دور المحتضن لمطالب المقاومة والشعب الفلسطيني.
كما يتبادر إلى الذهن مدى واقعية هكذا مطالب في توقيتها الزمني خصوصاً وأنَّ المفاوضات لم تسفر عن أيّ تقدّم يمكن أن تحرز منه المقاومة انتصاراً سياسياً يضاف إلى رصيد الانتصار العسكري الباهر الذي تحقّق على الأرض.
ومن هنا تبرز أهمية هذا الخطاب من خلال الفحوى والأبعاد، ولاشك أنَّ كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام تدرك جيّداً أهمية التوقيت في بثّ هذا الخطاب، كما تدرك جدوى هذه المطالب، فكشف حقيقة عملاء الاحتلال في غزَّة والضفة مقابل كشف عدد الجنود الأسرى يحمل في طيّاته أبعاداً تحمل دلالات في التوقيت والمطالب بحدّ ذاتها.
وقد تباينت رؤى بعض الكتّاب والمحلّلين والمراقبين حول فحوى هذه المطالب القسّامية وأبعادها السياسية والأمنية والعسكرية أو حتى النفسية، وفي هذه الأسطر نرصد بعضاً من هذه الآراء والقراءات حول أهم وأبرز ما جاء في خطاب كتائب القسّام الموجّه بالدرجة الأولى لقادة جيش الاحتلال.
يصف الدكتور عدنان أبو عامر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمَّة بغزّة خطاب القسّام بـ"المفاجاة الأمنية من العيار الثقيل" لكنّه يؤكّد أنَّ "العبرة ليس في محاذير متوقعة يخشاها الناس، ومأخوذ حسابها، كالتضليل والمعلومات المغلوطة.. المفاجأة في الطلب بحدّ ذاته".
وتساءل الدكتور أبو عامر: "هل طرحت صفقة تبادل من راس كوم في مفاوضات القاهرة؟".
وكتب ساري عرابي يقول: "أعتقد أنَّ هدف القسَّام من مطالبة العدو بأسماء العملاء في الضفة والقطاع، كثمن للكشف عن مصير الجنود المأسورين، هو المناكفة والسخرية من العدو وإظهار الاسترخاء والتعنت، وإشغال جبهة العدو الداخلية من جديد بقضية جنوده المأسورين".
ويوضح الكاتب والصحفي عرابي أنَّ من بين الآثار التي يمكن أن يوقعه هكذا إعلان على العملاء، دخولهم في حالة هوس تسقط بعضهم في الأخطاء وتدفع بعضهم للمصارحة والتوبة.
ويضيف: "وهذا هو التعقيب الوحيد الممكن على هكذا طلب.. وإلاَّ فإنَّه لا يمكن الثقة أبدًا بما يقدّمه الاحتلال على فرض تعاطيه مع هكذا طلب تعجيزي".
بينما ترى لمى خاطر الكاتبة الفلسطينية على الرّغم من فوائد هذا التصريح، كما ترى هي، إلاَّ أنَّ فيه إشكالية تتعلّق بكونه يفرض قضية الجنود على المفاوضات الحالية ولا يؤجلّها كما كانت النيّة سابقاً. لكنّها تستدرك، وتقول: "يبدو أنه من الصعب جداً مناقشة تصريح قسّامي هذه الأيام".
ويتفق الكاتب عرابي مع الكاتبة خاطر فيما ذهبت إليه من حيث تزامنُ هذه المطالب وكشفها في المفاوضات الجارية بالقاهرة، بقوله: "وتبقى وجاهة إثارة قضية الجنود المأسورين في ظل مفاوضات تتعلق بمطالب أكثر اتصالاً بالمعركة الراهنة وهذه اللحظة؛ خاضعة للنقاش".
وبين عمق وصدقية هذه التحليلات والقراءات حول خطاب القسّام المزدوج للاحتلال وعملائه، يبقى السرّ في الفحوى والأبعاد لدى صانعي الانتصار رجال القسّام، ولعلّ الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن المزيد من المفاجآت القسّامية من حيث المضمون والفحوى، ومن حيث الأبعاد والدلالات.