يسخرون من مصطلح قوى الممانعة الذي تدعيه تلك القوى لنفسها، ولقد لحقت (الممانعة) بغيرها من المصطلحات التي تحولت إلى ما هو أقرب إلى الشتيمة من أي شيء آخر، فصارت الممانعة تهمة مثل العروبة، أو العروبية، والقومجية والناصرية وغيرها من التصنيفات التي باتت تذكر من قبيل التسفيه للرأي الآخر، وتحجيمه، ووصمه بالفشل، والخيانة، والعنصرية في أحيان كثيرة.
وكأن القومية ليست هي السطر الأول من سطور الهوية الإنسانية، أو، كأن القومية إساءة إلى الذات وليس حفظا لها من التمزق، والاحتراق والمحو!
يريدون أن نعيش مثل كومة سكراب، جمادات لا يمكن الاستفادة منها إلا عن طريق صهرها بالنار، وتدويرها من جديد. يريدون أن ننتمي للحكومات الموجودة فحسب!
إن ما حدث من بعض الكتاب من السعودية ومصر وبعض دول الخليج، إزاء ما حدث ويحدث في غزة هذه الأيام، لا يمكن وصفه بأقل من العـار الرهيب.
نعم إنه عارٌ رهيب جداً أن نجد بيننا من يرد على تهديدات (الشخص المقرف، اسما وكلاما وصورة) وزير الارهاب الصهيوني، للمقاومة الفلسطينية، بالقول "إن عليكم أن تستهدفوا حماس وليس الأطفال الأبرياء!"، إنه حديث كاتبة سعودية (سمر المقرن) في ثلاث صحف خليجية رسمية.
نعم، إنه عار تاريخي رهيب، أن يتحدث مثقف وأكاديمي عربي، سعودي، بارز، هو الأستاذ الجامعي (محمد علي المحمود)، الكاتب في جريدة الرياض، عن أن حماس جماعة إرهابية بامتياز، ثم يؤكد، من باب تبييض الوجه والراية، على أن إسرائيل متهمة بالقتل العمد!
بمعنى أن حماس، المقاومة الفلسطينية، متهمة بالإرهاب، أو بالأحرى، مدانة به، بينما إسرائيل متهمة بالقتل العمد!
ثم يطالب الكاتب نفسه في وقت لاحق، بمحاكمة حماس على غبائها السياسي، الذي نتج عنه استفزاز إسرائيل، ودفعها لقتل الأطفال، أفلا يجب أن يكون العار رهيبا ومفزعًا، حين تكون الإنسانية عمياء على هذا النحو! وحين تكون الأمثلة على هذه العقليات، والذهنيات، لا تحصى!! وحين تتحول أحاديث هذه الزمرة، إلى تيار مُعترف بخطابه، حيث يصفه الفريق الآخر، بـ الخطاب المتصهين !
إنها زمرة كارهة تعادي هؤلاء الناس الذين اكتشفناهم فجأة وعرفناهم بالأخونجية أرباب الإسلام السياسي!! (الذي يصورونه كأنه دخيل على المنطقة!!) فأخذت هذه الزمرة تكرههم وتكفر بهم ليس إلى درجة الفجور في الكراهية، والتخلي عن النزاهة في مواجهتهم، وليس أيضا إلى درجة اعتناق الاستبداد السياسي وتنزيهه، وخلع صفات الأمانة والقوة والفحولة أحيانا على رموزه الذين قضوا بدورهم على كافة أشكال الحضور الإنساني لأولئك المنافسين بقوة على أن يكونوا البديل للأنظمة العربية القديمة، بل إن كراهية هؤلاء الناس، الذين يصفونهم بأرباب الإسلام السياسي، قد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، حيث الوقوف الصريح في صف الغزاة الصهاينة الذين يحتلون الأرض ويستبيحون الدماء والأعراض، فهذه كراهية متطرفة وصلت إلى حالة أشد ظلاما من العمى، بمعنى انهم يكرهونهم كره العمى! أيا كانت دوافع هذه الكراهية، سواء كانت فكرية أو اجتماعية أو تماشيا وامتثالا للتوجّه الحكومي في دول المنطقة.
هي زمرة أعمتها الكراهية إذن، وإلا أين ستكمن البصيرة في دفاع (العربي) عن إرهاب صهيوني يناهز الـسبعين عاما من التقتيل والتهجير والاستباحة الكاملة للدم والأرض والهوية الفلسطينية!!!
أين هي البصيرة من وقوف العربي إلى جانب إسرائيل ضد نفسه! ضد عرب مثله يشاركهم المصير والدم الذكريات واللعنة!، بذريعة أنهم حماسويين وليسوا فلسطينيين!! اخونجية، وليسوا عربا، اسلاميون وليسوا بشرًا وليسوا شيئا غير ذلك البعبع الذي يحلم بعودة الخلافة الإسلامية!
كأن ثمة كابوسا قد هبط علينا فجأة اسمه الإسلام السياسي الخطير على مستقبل البشرية في العالم، والمنطقة العربية خصوصا!
حتى جاء من تفوق على الجميع في حفلة العار الرهيـب، والذي لم يسبق له أن حدث بهذه الوقاحة، والبذاءة، في تاريخنا من قبل، وهو صحفي مصري (غبي جدا)، اسمه (مصري الفقي)، ظهر في حوار تلفزيوني بثته فرنس24 وشاهده وتناقله ملايين الناس، وهو يدافع بكل حقارة، عن استهداف الإرهاب الصهيوني لمواقع مدنية لها خصوصيتها الإنسانية كالمستشفيات ومدارس الأطفال، فكان يقول إن الإرهابيين يستخدمون تلك المواقع في أغراض عسكرية وهذا يجعلها مواقع غير مدنية ويمكن استهدافها. فيما كانت ناشطة من إسرائيل في الحوار ذاته، تعترض عليه بلغة حادة وصارمة على تبريره هذا النوع من الإرهاب الصهيوني رغم أنها تنتمي إلى كيانه المحتل باسم دولة اسرائيل.
أخيرا، فإن هذا الصحفي الأخرق، ومن على شاكلته، سواء من ذكرتهم هنا كأمثلة، ومن لم أذكرهم لعدم اتساع المساحة، كلما أرادوا الانتقاص من المقاومة أو قوى الممانعة، قالوا لماذا لا تحاربون إسرائيل، ولماذا لا تتجهون نحوها بسلاحكم وكتائبكم؟
فإن هم فعلوا ذلك، كما في عام 2006 جنوب لبنان، وعام 2014 غزة/الشجاعية، قالوا إنهم إرهابيون، يبتزون إسرائيل على حساب الأطفال، متهورون سياسيا، حمقى، ومتآمرون!
وما أن يتوقف القتال، إلا وتبدأ شماتة ذوي القربى، الذين أعمتهم الكراهية، فقد تنتصر المقاومة في حرب مع العدو الصهيوني، ويعترف الصهاينة بالهزيمة رسميا، إلا أن الزمرة العمياء هذه لا تتوقف عن ضلالاتها من طعن في النوايا، تخوين، تشويه، وهناك من يسخر ويشتم، فقد استمرأت هذه الزمرة، ما تفعله من عـار رهيـب وصارت تتفنن في ممارسته، خصوصا مع تطور وسائل النشر، في موازاة حالة الانحطاط النوعي لأمة، لم تعد عربية أو إسلامية، بقدر ما هي شرق أوسطية، ممسوخة، وذاهبة -كما يبدو حتى الآن على الأقل-، الى المزيد من التفتت والتمزق والاحتراب والبغي، في حالة أو حقبة تاريخية لا يمكن وصفها بأقل من حقبة (العـار الرهيب)!.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- سودان موشن