كيف تكون قسامياً ؟!

الرئيسية » خواطر تربوية » كيف تكون قسامياً ؟!
4418-3

كلنا تابع المشاهد المتتالية من الحرب على غزة، وكلنا كان مندهشاً من عجائب القسام، ليس من عجائبهم وقدراتهم القتالية، بل من صبرهم وثباتهم ويقينهم وحسن معتقدهم بالله عز وجل، وهذا الأمر لم يأت من فراغ، وكلنا كنا نتمنى أن نقف معهم ليلة واحدة أو نرابط معهم في سبيل الله، بل وبعضنا لم يكن النوم ليحل ضيفا على عينه وهو يقلب رأسه على وسادته ويرسم مخططات من حفر أنفاق إلى إطلاق صواريخ وطائرات وكأنه مجاهد من مجاهدي القسام في غزة.

والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هل خطابنا هنا هو خطاب عاطفي مبني على فكرة {يا ليتني كنت معهم فأفوزَ فوزا عظيماً}، أو هو خطاب علمي وصادق؟ أي هل لو أنني في هذه اللحظة انتقلت للعيش في غزة هل سأكون واقفاً معهم حقيقة؟؟

هذا السؤال الذي سيجيب عنه هو قلبك بالتحديد، قلبك لا محالة هو الذي يستودع هذا السر الدفين فيه.

ولكن دعونا ننظر بعدسة مكبرة بعض الشيء لحال المجاهدين المرابطين هناك كي نجمع بين الإعداد والاستعداد وبين التوكل والاعتماد على رب العباد.
للقتال دوافع عديدة وقد وضحها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عندما سئل: "الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" (متفق عليه).

إذن فهناك من يقاتل رياء ومنهم من يقاتل ليقال عنه شجاع ومنهم من يقاتل لعقيدة حب الوطن ومنهم من يقاتل فقط للخلاص من العدو ومنهم من يقاتل لرفع اسم لواءه أو حزبه أو جماعته بعيداً كل البعد عن الهدف الأسمى ألا وهو في سبيل الله.

حتى تكون مجاهدا حقيقياً عليك أن تسير على ما سار عليه المجاهدون الأولون، حيث الجهاد بالدرجة الأولى هو الرباط وليس القتال فقط، أي أنك تستطيع تحمل ضنك العيش، وطول السهر، وقلة الزاد، ووقوع الأذى على أولادك وزوجتك وجميع أهل بيتك، أن تستطيع الصبر حتى لو اعتقلوا والدتك أو والدك وعذبوهم، أو حتى لو اعتدوا على أي فرد من أفراد أسرتك.

أن تكون مجاهداً يعني أن تكون ثابتاً راسخاً إذا اعتقلوك وعذبوك أو حبسوك أو نفوك، ومن عنده خبرة في أساليب التحقيق الصهيوني بالذات يعلم كم أنهم أسقطوا من الناس نفسياً ليجدوا أنفسهم يعترفون ويقرون بكل شيء دون إدراك لخطورة ذلك، والسبب أنهم لم يعودوا يتحملوا ما يتعرضون له.
إذن فالجهاد ليس رمياً بالبندقية أو حفراً لنفق أو حتى تنفيذ عملية استشهادية فقط، الجهاد صبر ومصابرة ورباط {يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران:200].

"الجهاد هو الإعداد الكامل، وكل فرد منا لابد وأن يتمرس على جهاد نفسه حتى يصل إلى مرتبة جهاد العدو وحمل السلاح"

وهذا لا يعني أننا نقلل من أهمية دفع العدو ومقاتلته، بل على العكس فالجهاد هو الإعداد الكامل، ولكننا نبني الأساس الصحيح لهذا الجهاد المنتظر، وكل واحد منا يجب عليه أن يتمرس على جهاد نفسه حتى يصل إلى مرتبة جهاد العدو، وكل واحد فينا يجب أن يكون مستعداً الاستعداد الحقيقي قبل حمل السلاح ومواجهة العدو، لأن تعلم حمل السلاح واستخدامه هو من أبسط خطوات إعداد النفس الجهادية.

لذلك لا بد لنا من العودة إلى السيرة النبوية لنقتبس منها مرحلة بناء الله عز وجل لجيل النصر والثبات جيل الصحابة الذي سماه سيد قطب بالجيل القرآني الفريد.

وابتداء لا بد من عقيدة صحيحة صافية لا تشوبها الشوائب، لأن الذي سيجاهد يجب عليه أن يجاهد عن عقيدة لا أن يجاهد لمبادئ وضعها بعض الكفار مثل الماركسية الشيوعية وغيرها.

ولننتقل إلى مرحلة مكة الأولى وأوائل التكليف الذي أمر الله به عباده آنذاك، وإن أول ما فرض على المسلمين يومها كان قيام الليل، فسورة المزمل ثالث ما نزل من القرآن الكريم على الراجح تأمر بالعبادة الشديدة والثقيلة {يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا} وبالتالي فإن قيام الليل يحمل في طياته تواصلاً من نوع عجيب وفيه مظهر من مظاهر الإخلاص ما يصعب على النفس عمله رياء، ففي أستار الليل يكون قيام المؤمن بينه وبين ربه، ويناجي الله عز وجل بكتابه الكريم، وهو جمع بين الصلاة وبين تلاوة القرآن، وإن الأقدام التي لا تصطف في قيام الليل، لن تستطيع الاصطفاف في ساحة المعركة.

أما ما سبق هذه العبادة أي قيام الليل الذي ظل المسلمون ملزمون بها لمدة عام كامل؛ هو ما نزل بداية سورة القلم قوله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم}، الخلق الحسن هو أساس تعامل المجاهد، وهو سيرته العطرة، الخلق الحسن من صدق بالوعد ووفاء للعهد ورحمة بالكبير والمرأة والصغير، الخلق الحسن حيث لا انتقاماً شخصياً، الخلق الحسن حيث لا كذب ولا ادعاء وعفو عند المقدرة، فيتشبع المؤمن أخلاقه ليطبقها حقيقة عند القتال فيرحم الضعيف والكبير والمرأة والصغير وكان لنا في صلاح الدين الأيوبي عند فتح بيت المقدس نموذجاً هائلاً من حسن التعامل مع الأسرى وكذلك من غادروا المدينة المقدسة.

" حتى تكون قساميا عليك أن تحمل هم أمتك وتدعوهم إلى الله الدعوة الحقيقية، دعوة الحريص المشفق عليهم لا دعوة تسقط بها الفريضة وتبتغي بها السمعة أو الشهرة أو غير ذلك"

وبعد ذلك حتى تكون قساميا عليك أن تحمل هم أمتك وتدعوهم إلى الله الدعوة الحقيقية، دعوة الحريص المشفق عليهم لا دعوة تسقط بها الفريضة وتبتغي بها السمعة أو الشهرة أو غير ذلك.
حتى تكون قساميا عليك أن تكون لين الجانب مع إخوانك المسلمين، في كلامك وتصرفاتك، فالمجاهد قلبه لين منكسر إلى الله، وليس فظاً غليظ القلب، عليك أن تمسك لسانك عن الغيبة والنميمة ولمز الناس والسخرية منهم جاداً أو مازحاً.

حتى تكون قساميا عليك دائماً بذكر الله، ليلا ونهاراً، حتى تدخل في وعد الله عز وجل {عبادا لنا}، لن تستطيع ان تكون "لله" دون ذكره على الدوام.

حتى تكون قسامياً يجب عليك أن تكون من أولياء الله الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الشريف، يجب عليك أن تتقرب إلى الله بالفرائض، ويجب عليك الإكثار من النوافل حتى تدخل في هذه الزمرة، لن تكون قريباً من الله كما الأولياء دون السنن الرواتب وتلاوة القرآن والبكاء خشية من الله وصيام عرفة والست من شوال والثلاثة من كل شهر أو الاثنين والخميس وتتطوع بالصدقات.

حتى تكون قسامياً عليك أن تربي نفسك أولاً، عليك أن تنميها في طاعة الله وبما يرضي الله، وهذا كله كفيل بأن تكون ثابتاً أمام العدو، مقاتلاً شرساً، لأنك لحظتها ستكون متواصلاً مع الله، ومن تواصل مع الله أيقن أن الله لن يتركه وأيقن أنها إحدى الحسنيين إما نصر وإما شهادة.
وإنك لا تدري لعل معركة التحرير تكون قريبة، فهل أنت جاهز لتقف مع المجاهدين!!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …