في عالمنا العربي والإسلامي الذي يموج بالأصفار على مختلف المستويات وكافة الأصعدة، وحيث اللاشيء الذي اعتدناه، حيث اللاتأثير واللاقيمة، يبقى للأمل فينا بقية جذوة يوقظها في نفوسنا أولئك الذين يختلفون عنا وعن محيط غلافهم الممتد من سواحل موريتانيا إلى أدنى بقعة في الشرق منها، أولئك هم أصحاب المشاريع الحقيقية والإرادة القوية والعزيمة المتقدة، أولئك الذين أعادوا للمعاني تعريفها، حتى غدا "صفرهم" ذو قيمة وتأثير.
"من مسافة صفر" هي خطوات الوصول والقرب، نقترب حتى نصبح على أحلامنا وقد غدت حقائق.
سرّ الصفر
ومن خصائص الصفر أنه ذو طاقة عديمة القيمة في ذاتها قوية التأثير إذا أضيفت إلى غيرها، أي أن الصفر في ذاته يعني "لا شيء" وإنه عديم التأثير، بينما هو في الحقيقة طاقة عظيمة التأثير إذا أضيف لغيره من الأعداد، فمعه يصبح الواحد عشرة، والعشرة مئة وهكذا، فالصفر خال من القيمة، لذلك فهو يعتبر (لا شيء)، أو (عدم)، حين يكون وحيداً. لكنه يعني الكثير حين يتواجد إلى جانب أرقام أخرى. إذن فالأرقام بأجمعها تعتمد على سرّ الصفر ويستحيل على الأعداد الاستمرار دون الصفر!
مرة أخرى نقول إن الصفر هو اللاوعي، لكن كل رقم يضاف إليه الصفر، أو يتواجد إلى جانبه، يكتسب درجة وعي أسمى!. هكذا في الجبر أما في الحياة فالصفر يعني البداية والوصول إلى الهدف، يعني المباغتة والهجوم، يعني الإصرار والتحدي، يعني أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
صفر المقاومة
"صفر المقاومة هو الذي أحيا في نفوس الأحرار في العالم معنى الحرية والكرامة والعزة، بعد أن تبددت أو كادت مع اصفرار أوراق الربيع العربي، فكان صفر المقاومة هو الانتصار وكان الأسر والإثخان"
لذلك كان صفر المقاومة في غزة الصمود، هو كل شيء، هو الصفر الذي أحيا في نفوس الأحرار في العالم معنى الحرية والعزة والكرامة بعد أن تبددت أو كادت مع اصفرار أوراق الربيع العربي، فكان صفر المقاومة هو الانتصار وكان الأسر وكان الإثخان في العدو الغاصب، صفرٌ جعل منهم أناس مختلفون في كل شيء مختلفون لأنهم أرادوا ذلك، مختلفون لأنهم قدر الله ومشيئته، مختلفون تماماً حتى الصفر عندهم بقيمة وأية قيمة؟!، قيمته تضاهي أصفاراً تصرف في شهوات الدنيا ورغباتها.
العقلية الريادية
صفر المقاومة هو صفر العقلية الريادية التي تتميز به النفوس القيادية، عقلية تصدقها الهمة العالية، والروح المتوثبة، التي تحوّل الأماني والأحلام إلى أفكار وخطط وبرامج، وتجعلها حية تمشي على أرض الواقع، عقلية تنبهت واستعدت فكانت.
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فأربا بنفسك أن ترعى مع الهمل
عقلية تقوم على "التفكير الحر، والقياس، والاستقراء، والتحليل، والتعليل"، وتقف ثابتة ثبات الجبال الرواسي على أرض الإيمان الصلبة بجذور اليقين والثقة والتوكل.
ولعل ما تتميز به هذه العقلية ما يلي:
أ) العالمية "الأستاذية":
فصاحب هذه العقلية يتجاوز حدود المكان ولا يحصر تفكيره في تلك الحدود الضيقة بل ينطلق رحبا منفتح الآفاق، يلتقط كل إشارة وفكرة وحركة ليصنع منها ممراً نحو عالميته ليسود في العالم كله، مرددا شعر اقبال مترنماً:
كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا
ب) الذاتية:
وهي تلك العقلية تملك زمام المبادرة والإيجابية، تصاحبها همة عالية ونفس طموح، تدفعك للعمل والإصرار على متابعة المشوار والوصول إلى الهدف الذي وقعت عليه عيناك، فلا سلبية ولا تذمر ولا شكوى، بل عمل وتطوير وصنع للأحداث، والتحرك بالفعل لا العيش على ردة الفعل.
ج) الإبداع:
وهي الخصيصة الثالثة التي تتميز بها هذه العقلية الريادية الفذة التي عملت واجتهدت، فصنعت وطورت، عقلية تعمل بآفاق منفتحة، تفكر وتكتشف وتبتكر، فتراها دائما في ميدان العمل الصامت بلا استعراض مزيف فتبدع فيه، والإبداع هو: "إنشاء الجديد، واختراع غير المسبوق، وصناعة ما لا مثال له سواء"، كما يعرفه علماء مصطلحات القرآن.
اشتباك من مسافة صفر
وإليك بعض الإشارات نلتقطها معا من مسافة الصفر ذلك، لنواصل العمل والبناء، نعرف من خلالها دورنا فنضيف لبنة إلى الصرح ليكون نقطة التقائنا معهم، في نقطة الصفر وقد أدى كل منا دوره ولم يكن ممن عاش على الهامش مشوشا لا مؤثرا، وهذه هي:-
- عدم الرضا بالواقع مع القدرة على تحقيق ما هو أفضل.
- عدم تعطيل العقل، والقبول بالتبعية.
- لا للمستحيل عندنا، بل نحاول ونحاول وسنستطيع بإذن الله.
- كن روحاً إيجابية تسري بين الناس وسراج تفاؤل وأمل إذا أظلمت الدروب.
- أن تخلي بينك وبين أعدائك، فلا معارك جانبية ولا استنزاف للطاقات.
- اقترب من حلمك أكثر وارسم حياتك بريشتك وألوانك التي تحب.
لربما لا يتسع الحديث هنا للإشارات وعندك التتمة..
ولا بد أن ندرك أن هذه العقلية الريادية القيادية ومعاني صفر المقاومة الذي يعني كل شيء، لا يتأتى ولا يتحقق إلا ببناء الإنسان بناءً إيمانياً تربوياً معرفياً حركياً، يرتقي به بشمولية وتكامل، من خلال منهج دعوي وسطي معتدل متناغم متناسق، فكن أنت البداية وكن أنت شرارة التطوير والبناء.