حالة غير مسبوقة من عمليات التهويد يشهدها المسجد الأقصى في أيامنا هذه، في ظل صمت وتواطؤ دولي وإقليمي معيب، حيث يستغل الكيان الصهيوني توجه الأنظار إلى غزة، ليقوم بحملة تهويدية شرسة تستهدف تقسيم المسجد الأقصى على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل، حيث تتحكم قوات الاحتلال بالمسجد من حيث فتحه وإغلاقه والتحكم بأعداد المصلين فيه.
وبدا الأمر واضحاً في رمضان الماضي، حيث لم يتجاوز عدد المصلين الذين أدوا صلوات الجمعة الأربع وليلة القدر في المسجد الأقصى خلال الشهر الفضيل مئة ألف مصلٍ، في حين وصل إلى مليون ونصف مصلٍ العام السابق، الأمر الذي يدل بما لا يدع مجالاً للشك على نية اليهود للقيام بأعمال تهويدية جديدة فيه قد تؤدي إلى تقسيمه أو إلى ما هو أكبر من ذلك.
وإلى جانب ما سبق، فإن قطعان المستوطنين والذين بلغ عددهم المئات، و المدعومين بحماية قوات الاحتلال قد اقتحموا المسجد الأقصى ما يقارب الخمسة عشر مرة خلال رمضان المنصرم في سعي لتثبيت وجودهم، وجعل اقتحامهم له أمراً واقعاً.
تصريحات واضحة..
"المنع من دخول الأقصى لم يقتصر على فلسطينيي الضفة الغربية مهما كانت أعمارهم، بل امتد ليشمل فلسطينيي 48 ممن هم دون الخمسين، من حملة الهويات الزرقاء، والذين يحق لهم الصلاة في الأقصى بأي وقت ومهما كانت الفئة العمرية بحسب قانون دولة الاحتلال"
ليس ما يقوم به الاحتلال في القدس عموماً، من اعتقالات وتضييق على المقدسيين، ومصادرة للهويات المقدسية وحق الإقامة فيها، بأمر جديد داخل القدس. وكذلك الحال ليس منع المصلين المتكرر بذاك المفاجئ للمتابع لهذا الأمر، لكن المفاجأة تتمثل بالإجراءات التهويدية وحرمان المصلين من حقهم بأداء الصلاة بشكل أكثر وضوحاً وقمعاً.
ففي رمضان من كل عام كان الاحتلال يسمح للفلسطينيين من سكان الضفة الغربية ممن هم فوق الأربعين بدخول المسجد الأقصى أيام الجمع وليلة السابع والعشرين، إلا أنه لم يقتصر على منع فلسطيني الضفة مهما كانت أعمارهم، بل قام بمنع فلسطينيي الداخل 48 ممن هم دون الخمسين عاماً، علماً أن لهم الحق بدخول الأقصى –بحسب قانون دولة الاحتلال- في أي وقت، وبغض النظر عن الفئة العمرية.
إجراءات جاءت للتوافق مع تصريحات واقتراحات قادة الكيان الصهيوني، والتي تسعى لفرض الوجود اليهودي داخل المسجد الأقصى المبارك، فعلى سبيل المثال، فإن رئيس المفوضية اليهودية التي شكلها "الكنيست" الصهيوني لبحث موضوع الاقتحامات وما يعقبه من مواجهات "دافيد تسور"، دعا إلى ضرورة منع الشرطة الصهيونية لــ"مثيري الشغب" من الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى لحظة وجود المستوطنين، واقترح تجنب الاحتكاك بين اليهود والمسلمين لحظة الاقتحام، وذلك من خلال الفصل بين ساعة وجود اليهود والمسلمين.
بالإضافة إلى ذلك فإن أعضاء "الكنيست" لم يتوانوا عن إصدار التصريحات التي تصب في هذا الشأن، في دلالة واضحة على سياسة الاحتلال تجاه الأقصى في المرحلة المقبلة، وهو ما صدر عن عضو "الكنيست" "موشي فيجلين" والذي قاد عشرات الاقتحامات لباحات المسجد الاقصى، حيث طالب بضرورة وضع جدار يفصل بين المسلمين وبين مسار اليهود داخل المسجد الاقصى المبارك وذلك لحماية اليهود، مع منع المصلين المسلمين من الاقتراب من هذه المنطقة كما حدث في الحرم الابراهيمي الشريف، في حين دعت الصهيونية "ميري ريجف" إلى إغلاق المسجد الأقصى في وجه المصلين المسلمين إذا ما تبين أن فتحه يؤدي إلى زيادة "الاحتقان" في هذه المنطقة.
وتحقيقاً لما سبق، فإن قوات الاحتلال لم تتوان عن تنفيذ تلك التصريحات التي تصب في هذا الأمر، فقامت بفرض مواعيد لفتح أبواب القدس، رغم أنها في عهدة الأوقاف، ومنعت جميع الناس حتى النساء من دخول المسجد الأقصى في أوقات الصباح، حتى لا يعترض أي أحد على اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، في خطوة تمهد للتقسيم الزماني داخله.
تحذير من القادم
رغم كل ما يشهده المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي من صمت وتواطؤ تجاه كل ما يجري في فلسطين، سواء في غزة، أو القدس، أو حتى حملات الاعتقال والتضييق في الضفة الغربية، فإن الكثير من الشخصيات الفلسطينية ما زالت توجه النداءات الواحدة تلو الأخرى للتعريف بما يجري داخل الأقصى، وحتى يتحمل المجتمع مسؤوليته تجاه هذه القضية، خصوصاً في ظل دخول مسألة التقسيم الزماني للمسجد الأقصى بين اليهود المسلمين المرحلة العملية والتطبيق.
من جهتها دعت حركة حماس المملكة الأردنية، في بيان صدر عنها قبل أيام، إلى القيام بدورها وواجبها في حماية المقدسات الفلسطينية وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك من الاعتداءات الصهيونية والمخططات التهويدية، بوصفها صاحبة الوصاية الدينية عليه.
وأفادت حماس في بيانها بأنها تنظر بخطورة بالغة إلى الدعوات والتحرّكات الصهيونية الرامية إلى تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود، مشدّدة على أن الأقصى المبارك كان وسيبقى إسلامياً خالصاً ولن يقبل القسمة، ولن تفلح المحاولات الصهيونية في طمس هويته وتغيير معالمه.
يشار إلى أنه وفي خضم ما يجري في الأقصى من أحداث متسارعة، فإن قوات الاحتلال تقوم بإبعاد العديد من الشبان من دخول المسجد الأقصى، حيث تصدر بحقهم أوامر منع دخول المسجد الأقصى حتى يوم التاسع عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم، الأمر الذي يشير إلى النوايا المبيّتة لدى الاحتلال بإفراغ المسجد الأقصى من المسلمين في هذه الفترة، ومداهمته من قبل المتطرفين في مناسبات قادمة مثل ما يسمى بـ"عيد العرش"، و"فرحة التوراة" التي تنتهي في السابع عشر من تشرين أول/ أكتوبر القادم، ما يؤكد على المؤامرات التي يحيكها الاحتلال ضد المسجد الأقصى في الفترة القادمة.