إنّ الحقدَ الدفين لبعضِ أعداءِ الإسلام دَفعَهم للمكرِ بهِ؛ مِن خلالِ محاولةِ الطّعن في أحكامه وتشريعاته، فلما لم يجدوا مثلباً أو مطعناً في هذه الأحكام، ألبسوه بعض الخرافاتِ والأوهام، ومن أخطر ما طعنوا فيه كتاب الله تعالى والسنة النبوية، وساعدهم على ذلك جهلُ بعض المسلمين أو اتخاذ بعضهم منهجاً علمياً خاطئاً في التعامل مع النصوص الشرعية، حتى أقنعوا كثيراً من المسلمين أن الدين الإسلامي دينُ خرافة، وأن التمسك به تخلف ورجعية، ولا تَقَدُّم ولا نهضة إلا بالتخلي عن الإسلام وأحكامه، كما فعل الأوروبيون مع الكنيسة في العصور الوسطى.
ومن هذه المظاهر التي أضرت بالإسلام وجوهره ما يأتي:
أولاً: نقل القصص والروايات المكذوبة من غير تثبت
مما ابتلي به المسلمون في عصرنا الحاضر؛ أنهم يصدقون كل ما يسمعون من غير تثبّت ولا دليل دامغٍ على صحةِ ما يُقال، وبسبب ذلك انتشرت قصص وأباطيل كثيرة على لسان كثيرٍ من المسلمين، ومن ذلك: "وصيّة الرسول في منام الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول الكريم"، حيث نقلت هذه القصة منذ أكثر من عشرين عاماً، ومع أنه ثبت كذبها إلا أنها ما زالت تنقل حتى وقتنا الحاضر. أو "كظهور الدجّال في البلد الفلاني"، أو قصة سماع الأذان "من أرمستونغ الذي أسلم بعد أن سمع صوت الأذان في القاهرة عندها تذكّر أنه سمع ذلك الصوت على سطح القمر" وبان كذب ذلك بعد إنكار أرمستونغ للقصة.
وعلاج هذا النوع من الخرافات، بالمنهج الصحيح في التثبت والتبيّن من المعلومات، فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين}، [سورة الحجرات:6].
وعن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" (رواه مسلم)، ويقول الحسن البصري: "المؤمن وقاف حتى يتبيّن"، وعلم الجرح والتعديل في الحديث النبوي كان هدفه التثبت والتبين من حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وبالإضافة للتبيّن أنْ لا تخالف القصة أحكام الشريعة الإسلامية.
ثانياً: صور بعض الظواهر الطبيعية أو المظاهر التي يظن من خلالها إعجاز متوهم:

فلا نحتاج في ديننا لبعض الصور التي قد يُظنَُ من خلالها أنها تدل على معنى إعجازي مثل: صورة الصاعقة التي تضرب برج الساعة في مكة، ويظهر فيها خريطة تشبه خريطة فلسطين. أو لفظ الجلالة في خلية نحل أو في الغيوم، أو على سيقان الشجر أو بعض الثمر. أو اسم النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- على يد غلام. أو حجر على هيئة رجل ساجد وغير ذلك.
وهذا الكلام ساقط علما وشرعا ولا قيمة له، ويشْعِرُ غير المسلمين بأن ديننا عبارة عن مجموعة من الخرافات، وقد ثبت أن أعداء الإسلام صنعوا كثيراً من هذه الصور طعناً في الإسلام والمسلمين.
ومحاربة هذه الخرافة بمنهج التثبت وإعمال العقل في هذه الصور، فلا قيمة لهذه الأمور، إنما هي ترهات وخرافات وأساطير.
ثالثاً: الاستدلال الخاطئ بالقرآن أو السنة، لإثبات أعجاز علمي، أو سبق طبي أو توقع تاريخي
ففي مجال الإعجاز العلمي تقع أخطاء فادحة من بعض الباحثين، فقد يتوارد للبعض معلومة علمية في مجال ما، ثم يبني عليها إعجازاً علمياً، ثم يتبين بعد ذلك خطأ قوله، فيرجع على الإسلام بالتُّهمة والرمّي بالخرافة، والبعض يستدل على الإعجاز العلمي بأحاديث ضعيفة وهذا منهجٌ خاطئٌ أيضاً.
والمعلوم أنّ للإعجاز العلمي شرطان أساسيان، أولهما: ثبوت الحقيقة العلمية، وثانيهما: قطعية ثبوت النص المُستدل به على الإعجاز.
يقول سيد قطب: "ليس لنا أن نتلمس للنصوص القرآنية مصداقاً من النظريات التي تسمى «العلمية» حتى ولو كان ظاهر النص يتفق مع النظرية وينطبق. فالنظريات «العلمية» قابلة دائماً للانقلاب رأساً على عقب،... ومن ثم لا يحمل القرآن عليها ولا تحمل هي على القرآن، فلها طريق غير طريق القرآن، ومجال غير مجال القرآن".
وأما في مجال الإعجاز الطبي، فيتلقف بعض المتحمسين للإسلام أي إشارة طبية في القرآن، ثم يبنون عليها كماً هائلاً من الأمراض التي يمكن علاجها، كالعلاج بالماء البارد والزنجبيل وغيرها، وكل ذلك يخالف المنهج العلمي في البحث والتثبت.
"ومما يخالف منهج الإسلام، الاستدلال بالقرآن الكريم على التنبؤ بأحداث ستقع في المستقبل، فلا يعلم الغيب إلا الله"
ومما يخالف منهج الإسلام أيضاً، الاستدلال بالقرآن الكريم على تنبؤ أحداثٍ ستقع في المستقبل، وهذا من الخرافة التي سقط فيها بعض الكتّاب، والقاعدة تقول: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى.
فالقرآن الكريم ليس كتاباً في العلوم التجريبية أو كتاب فيزياء، أو أحياء، أو كيمياء، أو تاريخ، بل هو كتاب هداية وتشريع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وختاماً.. إنّ الإسلام دين الواقعية، لا دين الأساطير والخرافة والأوهام، ولقد أضرَ كثيرٌ من المسلمين الإسلام من حيثُ أرادوا نفعه، ولا حاجة لإثبات عقيدتنا بكل تلك الخرافات، ففي كتاب الله تعالى وسنته من الصحيح الثابت ما يغنينا، فلنفتح عقولنا وأذهاننا ولندقق ولنتثبت من كل ما يكتب عن ديننا أو نسمع.
لقراءة الجزء الأول من المقال.. اضغط هنا