عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه يفتنون الناس، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا، وكذا فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت" قال الأعمش: أراه قال: "فيلتزمه" (رواه مسلم).
منذ فجر الإنسانية، ومنذ بداية الخلق، ومن بدايات أبو البشر جميعاً، كان الأنس بالزوجة، وهذا مما خلقه الله، ولم يتعلمه الإنسان بالخبرة أو التجريب والممارسة، فالله كما خلق آدم؛ خلق له حواء، أي أن الله أكمل خلق الإنسان بزوجه الثاني أو بشقه الآخر، فالإنسان لم يخلق وحده صنفاً واحداً، ولم يخلق الله آدم وحيدا بعيدا عن حواء ليتعرفا ومن ثم ينشئا حياتهما تجريباً واختباراً، وإنما خلقها منه، من جسده، قِبل قلبه لتكون جزءا قريبا منه بل جزءا لا يتجزأ عنه، فهي درعه وحصنه في مواجهة الشدائد والأزمات، وهي ستره ومكان عفته، وإليها يؤوب ويرجع، وهي أم ولده، ويكفينا من ذلك قول الله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} واللباس هو الشيء الوحيد الذي لا يفارق الإنسان لا في نوم ولا في صحو حتى الموت.
ولما كان الزواج مكان الاستقرار ومكان الهدوء بل هو مكان المودة والرحمة كانت الأسرة هي أقوى الحصون في مواجهة الشيطان، وكان الشيطان أشد حرصا على تفتيت هذا الحصن المتين، لأن فساد الأسرة يعني فساد المجتمع، وإذا أردت أن ترى تماسك المجتمع فانظر إلى تماسك أسره، فهي اللبنة الأولى في هذا البناء العظيم.
وفي يومنا هذا بات ذلك الهدم في ذلك البناء واضحا للعيان، مقروءاً بالأرقام، تتداوله الألسنة وتتناقله الأخبار، وانتشرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ظاهرة الطلاق، ظاهرة الخراب والدمار، ولم يعِ مجتمعنا بعدُ أن الشيطان يزيد النار احتراقاً، ويصب عليها الزيت كي يشعل أوارها في كل بيت وفي كل أسرة، وفي لمحة سريعة نرى مدى خطورة هذه الظاهرة وبالأرقام.
ففي جولة سريعة بين الأرقام نصل إلى نتائج مرعبة، وكما تقول المواقع الالكترونية الاجتماعية ومواقع الأحوال الشخصية المتخصصة فإن هناك كارثة تهدد مجتمعاتنا:
"فها هي دراسة مصرية من مركز المعلومات بمجلس الوزراء المصري عن العام 2012 تؤكد أن 40% من حالات الزواج انتهت بالطلاق كان نصفها خلال السنة الأولى من الزواج وأن 70 %من هذه الحالات من نوعية الزواج الأول وأن معظم الشريحة العمرية لهذه الحالات لم تتجاوز الثلاثين عاماً"
"تعتبر ماليزيا من أقل دول العالم في نسب الطلاق، بمعدل أقل من 8%، وذلك بعد عقد من إحداث معاهدة الزواج، ووجوب إصدار "رخصة زواج" قبل عقد القران، بالإضافة إلى الفحوص الطبية، وباقي الوثائق المطلوبة"
وفي دراسة ثانية: "ارتفعت حالات الطلاق في السعودية إلى أكثر من 30 ألف حالة خلال العام 2012، لتبلغ 82 حالة في اليوم، و3.4 حالة طلاق في الساعة الواحدة، وهو نفس معدل 2011، بينما كان إجمالي حالات الطلاق في 2011، نحو 29.8 ألف حالة.
وأظهرت دراسة لـ "وحدة التقارير الاقتصادية" أن معدل حالات الطلاق في 2012، أعلى من نظيره في عام 2010، الذي بلغت حالات الطلاق خلاله نحو 75 حالة طلاق يوميا، بمعدل 3.1 حالة في الساعة، بإجمالي 27.2 الف حالة".
أما في الأردن: "أشارت احصائية أصدرتها دائرة قاضي القضاة إلى أن نحو 79.4 بالمئة من حالات الطلاق المسجلة لديها من زواج عام 2012 وقعت قبل الدخول.
وبينت الاحصائية أن عدد عقود الزواج المسجلة في عام 2012 قد بلـغـت 70400 حالة زواج، الى جانب 4800 حالة طلاق سجلتها المحاكم الشرعية، 3810 منها كان قبل الدخول؛ ما يعني أن 80 بالمئة من حالات الطلاق تمت قبل اشهار الزفاف والانتقال إلى بيت الزوجية".
وفي جولة سريعة على الإحصائيات والأرقام عبر عالمنا العربي والإسلامي تجد أن النسبة مرتفعة وقريبة مما ذكر إلا في بعض الحالات القليلة والتي اتخذت تدابير وقائية مثل التجربة الماليزية وننقل هنا هذه الفقرة القيمة من موقع (هسبرس): "تبنت الحكومة الماليزية، إبان فترة رئيس الوزراء مهاتير محمد، سياسة حازمة للحيلولة دون تفاقم مشكلة الطلاق في صفوف الماليزيّين، إذ مرّ المجتمع الماليزي، الذي لا يزيد تعداد ساكنيه عن 28 مليون نسمة، من معاناة التفكك الأسري، حيث بلغت نسبة الطلاق ذروتها في تسعينيات القرن الماضي ووصلت إلى حدّ 32%، أي أن ضمن 100 زيجة هناك 32 تفشل، ما حدا بالحكومة إلى إحداث "رخصة الزواج"، التي بموجبها يلتزم كل طرف يرغب في الزواج من الجنسين بأن يخضعوا إلى دورات تدريبية متخصصة، داخل معاهد خاصة، يحصلون بعدها على رخصة تسمح لهم بعقد القران.
بعد عقد من إحداث معاهد الزواج، وإلزامية الحصول على الرخصة، أصبحت ماليزيا من أقل دول العالم في نسب الطلاق، بمعدل أقل من 8%، فيما صارت ملفات عقد القران لا تخلو من وثيقة "رخصة الزواج" إضافة إلى الفحوص الطبية وإلى جانب باقي الوثائق التعريفية المتعارف عليها".
ومن خلال المراجعة لأبرز حالات الطلاق في مجتمعاتنا فإن أبرز الأسباب المفضية إلى انتهاء العلاقة الزوجية تتوزع في عدة نقاط وجوانب:
أولا: جوانب مشتركة بين الزوجين
1. عدم فهم طبيعة الزواج ورسالته وأهمية بناء الأسرة، واقتصار الزواج على مفهوم واحد كالعاطفة والحب عند المرأة والجنس –أحياناً- عند الرجل.
2. غياب الحوار العلمي في حل المشكلات والخلافات، فمما لا شك فيه أن الخلاف حتمي خاصة أن كلا منهما جاء من بيئة وتربية وعقلية مختلفة.
3. عدم فهم كل من الطرفين لطبيعة الآخر، فمما لا شك فيه هناك فروق جلية بين المرأة والرجل وطريقة تفكيرهما وتقييمهما للأمور.
"يعتبر الانترنت من الأسباب الرئيسة للطلاق في وقتنا، حيث ينشغل كل من الزوجين عن الآخر، فلا يهتم به، ويجلس الساعات الطوال على الانترنت مع التقصير في الواجبات المطلوبة منه"
4. تدخل الأهل في الشؤون الزوجية والخاصة منها مما يوجد الحواجز بين الطرفين.
5. عدم التعامل مع المشاكل الجنسية بالشكل الصحيح؛ خاصة أنه ما من مشكلة إلا ولها حل إلا في القليل النادر، ولعل أهم أبرز عوامل هذه المشكلة هي قلة الثقافة الجنسية خاصة عند المرأة، فما أن ترى من زوجها تقصيراً معينا حتى تهرع إلى أهلها والذين بدورهم يضخمون هذه المشكلة لحد تنتهي معه الحياة بالانفصال.
6. كثرة الوساوس والغيرة الزائدة من الطرفين، فمصيبة الرجل في "شكه" الزائد بزوجته، ومصيبة المرأة في "غيرتها" الزائدة عن حدها الطبيعي.
7. ومما خرج إلينا جديداً وبات سبباً رئيسا لحالات متعددة للطلاق "الانترنت"، الذي بات شغل الزوجين فلا يهتم بالآخر ويجلس الساعات الطوال عليه مع التقصير أحيانا في الواجبات المطلوبة منه أو تركه وحيداً بينما يقوم الطرف الآخر بتصفح الانترنت من خلال الهاتف أو الحاسوب.
ثانياً: جوانب مدمرة من قبل المرأة:
1. لعل أسوأ الصفات التي قد تخرج المرأة حتى عن أنوثتها هي العناد، واعتبارها نفسها ندا للرجل، ومقاومتها لفكرة قوامته وطاعته، والتي تشعر الرجل أحيانا بأنه بات بلا قيمة عند زوجته ولا كلمة له؛ وأنها من حيث لا تدري أصبحت "مترجلة".
2. إهمال المرأة في نفسها وعدم اهتمامها بزوجها من التزين والتطيب والنظافة الشخصية، بل أحيانا تقصيرها في نظافة بيتها، وكذلك عدم السؤال عن زوجها إذا غاب، وعدم استقباله إذا عاد، وعدم توديعه إن خرج.
3. التفات المرأة للرجال وكثرة الحديث عنهم أمام زوجها، والتواصل معهم أحيانا دون علم زوجها خاصة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
4. اهتمامها بشكل خاص برغباتها بعيدا عن زوجها أو دون النظر إلى ظروفه خاصة المادية.
5. سوء الخلق وإطالة لسانها على زوجها، خاصة أمام الآخرين.
ثالثاً: جوانب مدمرة من قبل الرجل:
1. البخل الشديد، والذي تشعر المرأة من خلاله بعدوانية زوجها إذا احتاجت أمراً وطلبته منه.
2. الضرب والشتم والإهانة.
3. كثرة غياب الزوج عن البيت؛ خاصة إذا كان دون سبب وجيه أو خارج إطار عمله، فإن هذا يطفئ شعل الحب في قلب المرأة خاصة في فترة الزواج الأولى.
4. عدم الاهتمام والسؤال عن الزوجة ومتابعة تقلبات مزاجها.
وأخيراً، إن التجربة الماليزية آنفة الذكر تعتبر تجربة رائدة في تقليص نسب الطلاق، معتمدين على زيادة الوعي، وإيجاد مفهوم الاختيار الصحيح لكل من الطرفين وإيجاد المنهجية العلمية في التعامل مع المشكلات، ومما لا شك فيه هذا دور الحكومات، ولكن لا تخلو بعض البلدان من تجارب حية وعملية من خلال بعض الجمعيات والمبادرات الأهلية.