أثناء حرب غزة ظهر تضامنٌ كبير مع القضية الفلسطينية، وكانت الحدث الرئيس في مجالسنا وفي الإعلام المقروء والمُشَاهَد، وكثر الدعاء وحملات التبرع وغير ذلك من صور التضامن والدعم للأهل في فلسطين، وكان التأثر كبيراً من مشاهد الشهداء والدمار، ومشاهد العز والفخار، وبعد الانتصار بدأ النسيان يتسلل شيئاً فشيئاً للقضية الفلسطينية، وبدأ كثير من المسلمين يُرجعون القضية إلى المكان المعروف فوق الرفوف، وكأنه فيلم أو مسلسل اكتفى فيه الكثير بالمشاهدة والمتابعة دون التفاعل الحقيقي مع أحداثه، ثمّ انتهى هذا المسلسل المثير وانتهت أحداثه، ولعلنا ننتظر الحرب القادمة حتى نكمل الجزء الآخر منه، فهل واجبنا متابعة الأحداث فقط؟!! والتفاعل معها عند حدوث العدوان حصراً؟ وهل قضية فلسطين وتحرير الأقصى مهمة أهل فلسطين وحدهم؟ أم علينا واجبٌ نسيناه أو تناسيناه؟
إن الجهد المبذول لدعم قضية فلسطين وتحرير الأقصى- متواضع لحد عدم الذكر في كثير من جوانبها، فبينما نرى أهل غزة يتقدمون خطوات نحو تحرير الأرض والمقدسات، ويضحون بدمائهم وأبنائهم، وكل نفيس وغالٍ في سبيل ذلك؛ تقاعس كثيرٌ من المسلمين عن واجبهم الشرعي في ذلك، فما هو واجبنا تجاه قضية فلسطين؟ وما السبل المتاحة لدعم صمودهم والمشاركة في تحرير الأرض والإنسان؟
أولاً: الاعتقاد الجازم أن قضية المسجد الأقصى وفلسطين قضية دين وعقيدة ومبدأ، فهو قبلة المسلمين الأولى، وإليه أسري النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- ومنه عرج إلى السماء، وأن واجبي كمسلم يملي علي المشاركة في تحرير هذه الأرض، وعقد النية على ذلك، وبذل كل جهدٍ متاحٍ لدعمها حتى نصل لتحرير الأرض والمقدسات.
ثانياً: بذل ما استطعت من مال لدعم المجاهدين على أرض فلسطين، وتعزيز صمود أهالي الشهداء والأسرى والجرحى والمرابطين، وأن يكون هذا المال ثابتاً في حال السلم والحرب، ودعوة المجتمع للمساهمة في ذلك، والقيام بالحملات الجماعية لجمع الأموال والتبرعات.
ثالثاً: توعية المجتمع بأهمية قضية فلسطين، وواجبهم تجاه المسجد الأقصى الأسير، سواء أكان في المجالس أو على منابر الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمساهمة في إقامة النشاطات والمحاضرات التوعوية الداعمة لأهل فلسطين، والكتابة والنشر والتأليف،
ويدخل في توعية الناس بالقضية الفلسطينية، الاهتمام بصناعة المسلسلات والأفلام والوثائقيات، لما لها من أثر عظيم وانتشار سريع.
رابعاً: إعداد النفس وتربيتها وتزكيتها، وزيادة الإيمان، والتوبة من المعاصي والذنوب، والمساهمة في إصلاح المجتمع، وترويض النفس على الطاعة والعبادة والخلق الحسن، وعقد النية على الغزو والجهاد والمشاركة في فتح فلسطين.
خامساً: الدفاع عن أهل فلسطين والمقاومين في كل وقت وحين من تآمر المنافقين والمرجفين، ورد الشبهات والافتراءات عن حياض المجاهدين.
"إنّ ما يصنعه أهل غزة في سيبل تحرير فلسطين كبير وعظيم، ولكنّ هذا لا يسقط الواجب المطلوب منا نحو الأقصى وفلسطين"
سادساً: تربية النشء على الخلق والدين، من منطلق إعداد جيل النصر والتمكين، وغرس حب الأقصى في قلوبهم، وتدريسهم قضية فلسطين، وتكليفهم القيام بمهام ومشاريع لنصرة أهل فلسطين، وتعويدهم على بذل الوقت والمال ومقاومة اليهود المعتدين، وإعطاء النساء دورهن الريادي في تربية هذا الجيل، وتطوير قدراتهن ومهارتهن لذلك.
سابعاً: تعزيز دور كل فئات المجتمع صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، وشتى المهنيين أطباء وصناعيين ومزارعين ومهندسين وفنانين وإعلاميين ...، وكلٌ يخدم القضية حسب اختصاصه وقدرته، وتعزيز دور النقابات والهيئات.
ثامناً: مقاومة العدو الصهيوني وفضح أخلاق اليهود، وتعريف العالم بانتهاكات هذا المحتل، في شتى المحافل الدولية والإقليمية، ومقاطعة العدو اقتصادياً، وتجريده أخلاقياً، وتفتيت الحلف الدولي من حوله، وعزله دولياً، وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والمسيرات السلمية، خاصة من الجاليات العربية والفلسطينية في البلاد الداعمة والمسالمة ليهود.
وختاماً... إنّ تحرير الأقصى وفلسطين يحتاج لجهد وعمل دؤوب ومتواصل من قبل الأمة، فلا ينفع أن تمثّل الأمة فيه دور الجمهور المتابع فقط، بل عليها المشاركة فيه، إنّ ما يصنعه أهل غزة في سيبل تحرير فلسطين كبير وعظيم، ولكنّ هذا لا يسقط الواجب المطلوب منا نحو الأقصى وفلسطين، ولنحذَر من قول رب العالمين: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد : 38].
اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا.