لماذا يصرون على أن غزة هزمت؟!

الرئيسية » بصائر الفكر » لماذا يصرون على أن غزة هزمت؟!
hamas201614

دأب المحللون العسكريون والسياسيون على أن يخلصوا بنتيجة لكل حرب أو معركة تحدث معهم، بحيث يصنفون الأطراف إلى قسمين؛ قسم انتصر وقسم انهزم، ولكل مذهبه في تحديد المنتصر من الخاسر. بيد أنهم يتفقون على النقاط العامة والكبيرة، فمثلاً أحد أهم محددات النصر والهزيمة هو تحقيق أهداف المعركة، فمتى ما أعلنت جهة ما أهدافاً لمعركتها فمعيار انتصارها أو هزيمتها هو تحقيق هذه الأهداف.

فمثلاً أعلنت أمريكا بداية القرن الحالي أهدافاً لها معلنة بحربها على أفغانستان وهي اعتقال أسامه بن لادن والقضاء على تنظيم القاعدة؛ وفشلت أمريكا في تحقيق كلا الهدفين مما جعل كثيراً من المحللين يعتبر دخول الأمريكان إلى أفغانستان دخولاً خاسراً والخروج دون تحقيق النتائج والأهداف؛ علماً بأنهم يقرون بأن الخسائر البشرية والمادية كانت فادحة للطرف الأفغاني.

لذا معرفة عدد القتلى أو الخسائر المادية ليست هي معياراً محددأ للنصر من الهزيمة، إنما هي تكاليف حرب، فمثلاً لو دخلت دولتان معركة وكان عدد قتلى إحداهما أضعاف الدولة الأخرى، إلا أن الدولة الثانية والتي هي ذات الخسائر البشرية الأصغر قامت بالاستسلام، فلن يجرؤ أحد على اعتبار الدولة ذات القتلى الأكثر مهزومة بأي حال، فالنتيجة لا تحتسب بالخسائر المادية أو البشرية مطلقاً.

وفي الحرب الأخيرة على غزة، معركة العصف المأكول، رأينا انشقاق العربان إلى قسمين، قسم يقول بانتصار غزة وقسم آخر يقول بهزيمة ساحقة وخسائر مادية وبشرية فادحة؛ والرد على هذا الموضوع وهذه الادعاءات سهل ويسير، وأي عاقل يستطيع تمييز المنتصر من المهزوم، عداك عن اعتراف ثلة من محللي السياسة العسكرية الصهيونية بأن الحرب كانت خسارة كبيرة للجيش الصهيوني على أعتاب غزة؛ ومما يسهل علينا القول بأنه كان انتصاراً بيناً واضحاً هو أن المقاومة التي استطاعت فرض منطقها في مفاوضات القاهرة مع العدو الصهيوني، الأمر الذي انتهى إلى رفع الحصار بشكل أولي، في مقابل عدم تسليم المقاومة أسلحتها؛ مما يدلل بشكل واضح أن اليهود هم أول من رفع الراية البيضاء، وأن المقاومة لم ترفع تلك الراية مطلقاً.

ولكن السؤال الأهم: لماذا يحاول كثير من العرب إشاعة وإثبات أن غزة لم تنتصر؟ وأنها باءت بشر هزيمة؟ وأن المقاومة قادت غزة إلى المجهول وإلى الهاوية والهلاك؟ ولماذا يحاول البعض ممن لم يستطع إنكار الانتصار أن ينسب الانتصار لأطراف أخرى مثل المفاوض المصري أو حتى سلطة رام الله؟ لماذا كل هذا الدفع باتجاه أن لا تكون المقاومة هي المنتصرة؟؟

في الحقيقة هناك عدة أسباب تجعل من هذه الشخصيات والتي بات ولاؤها معروفاً تدفعهم للقول بوجوب عدم انتصار المقاومة، حتى وإن انتصرت فمن المهم بخس هذا الانتصار وتقزيمه مهما كانت الدلائل والبراهين التي يقدمونها.

"انتصار المقاومة يعني زيادة شعبية مشروعها وإثبات أن حق الشعب الفلسطيني لا يسترد إلا بالقوة وليس بالمفاوضات العبثية التي لم تجلب للقضية سوى زيادة الاستيطان والتهويد والأسرى"

1. إن انتصار المقاومة المحاصرة في غزة يعني بالتالي إحراجاً كبيراً لتلك الجيوش القابعة في الظلام، والتي تحارب شعوبها فقط، ولهذا أوجدت وسُلّحت، فما لم تستطع جيوش العرب المشارِكة في حرب اليهود في القرن الماضي تحقيقَه حققته المقاومة وبأضعاف المتوقع منها، بل إن المقاومة صمدت في حروبها أكثر مما صمدت آلة الجيوش العربية مجتمعة ضد رابع أقوى قوة في العالم.

2. إن انتصار المقاومة يعني زيادة شعبية مشروعها وإثبات أن حق الشعب الفلسطيني لا يسترد إلا بالقوة والمقاومة وليس بالمفاوضات العبثية التي لم تجلب للقضية سوى زيادة الاستيطان والتهويد والأسرى، عداك عن التراجع السياسي الرئيس لموقع القضية حول العالم.

3. انتصار المقاومة وبالذات في غزة ممثلة بحركة المقاومة الإسلامية، حماس المسؤولة فعلياً عن القطاع منذ عدة سنوات، يعني بالتالي تقدم المشروع الإسلامي المعتدل المجاهد، وإيجاد بديل حقيقي ومعقول لاتجاهات التطرف الدينية المحيطة بنا، طبعاً هذا التقدم يتمثل بالشقين السياسي والعسكري، فحماس استطاعت أن تقدم نموذجاً واضحاً وصافياً خاليا من الشوائب والمصالح الشخصية بعدما قدمت دماء قادتها وأبناءهم ونساءهم وبيوتهم كما حصل مع عديد من القيادات في حرب العصف المأكول.

4. انتصار المشروع الإسلامي السياسي سيدفع الشعوب في المنطقة بالذات للتعلق بهذه النماذج، مما سيدفع به للمطالبة بتكرار مثل هذه التجربة في بلدانهم أو على الأقل التوجه لصندوق الانتخابات لاختيار أصحاب التوجه الإسلامي بديلا عن الأنظمة المتخاذلة والفاسدة التي لم تجلب لبلدانها سوى الخراب والفقر والتجويع وزيادة الجريمة وقمع الحريات جميعاً.

5. إن انتصار المقاومة يعني بالضرورة إحياء روح الجهاد في سبيل الله خاصة في دول الجوار المحيطة بفلسطين، مما يشكل ضغطاً على حكومات وقعت معاهدات سلام فيما سبق مع الكيان الغاصب.

6. إن انتصار المقاومة أحرج آلة الإعلام المتصهينة، خاصة في سلطة الانقلاب في مصر، من حيث وجوب فتح معبر رفح وبشكل دائم، والذي ظل مغلقاً طيلة العدوان على غزة، ولم يمر منه إلا بضعة الجرحى من الفلسطينيين للعلاج في الخارج لذر الرماد في العيون، في محاولة بائسة من نظام الانقلاب في مصر لإفساح المجال للعدو الصهيوني للإستفراد بالمقاومة الفلسطينية والقضاء عليها، وإعطاء كيان الاحتلال الغطاء السياسي ليدمر غزة وشعبها دون حساب أو عقاب، عدا عن قولهم بأن حماس تقود غزة إلى الهاوية، فمن مصلحتهم إقناع الناس بأن غزة هزمت شر هزيمة لتبرير مواقفهم المتواطئة مع الصهيونية.

وأخيرا غزة انتصرت تحت ضوء الشمس وفي رابعة النهار، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو متآمر، وستبقى غزة تلك الشوكة في حلق المتصهينين قبل اليهود، وإن المشروع الإسلامي لن ينحسر بعد اليوم فهو باقٍ بل وممتد أيضاً.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …