كي لا تتكرر التجربة الفاشلة لمنظمة التحرير الفلسطينية..
يعتبر مفهوم التدقيق والرقابة من أكثر المفاهيم الإسلامية مظلومية من القائمين على المؤسسات الاقتصادية، فالجزء الأكبر منهم –وإن لم يصرح علنا بذلك- يعتبر التدقيق والرقابة عليه هي في حقيقتها طعن في أمانته ومسؤوليته وبرهان على عدم الثقة في قدرته على إدارة المؤسسة، وهذا ينعكس سلبا على طريقة تصرفه وأدائه مع الجهات الرقابية.
وتأتي هذه النظرة السلبية خلافا لما كان سائدا في العهود الإسلامية السابقة، وإذا ما نظرنا في تاريخنا الإسلامي، سوف نلاحظ أنه هناك اهتماما بالرقابة بصورة عامة والرقابة المالية بصورة خاصة، وأن الكثير من المفاهيم الحديثة للرقابة وأنواعها التي تعتمد الآن قد كانت موجودة أصلا في الدولة الإسلامية بدءا من عصر الرسالة مروراً بعصر الخلفاء الراشدين ومن ثم الأموية والعباسية.
من المفاهيم الحديثة والشاملة للرقابة المالية هو "أنها تمثل منهج علمي شامل يتطلب التكامل والاندماج بين المفاهيم القانونية والاقتصادية والمحاسبية والإدارية بهدف:
- التأكد من المحافظة على الأموال العامة.
- رفع كفاءة استخدام الأموال العامة.
- تحقيق الفعالية في النتائج المتوقعة.
على أن يقوم بهذه المهمة جهاز مستقل وشفاف ولا يخضع للسلطات التنفيذية.
والرقابة والتدقيق المالي أنواع عدة:
من حيث التوقيت:
- رقابة مالية سابقة: وهي التي تسبق عمليات الصرف حيث يتحتم على المسؤول عن المؤسسة الحصول على الإذن المسبق لصرف أي مبالغ مالية منعا وتلافيا لوقوع حالات الخطأ والغش ويطلق عليها "الرقابة المانعة".
- رقابة مالية لاحقة: وهي تدقيق مراجعة الدفاتر المحاسبية والمستندات المالية.
ومن حيث الجهة:
- رقابة مالية خارجية: وهي الرقابة المالية التي تتم من جهات خارجية تقع خارج الهيكل التنظيمي للمؤسسة بحيث تتمتع بصلاحية الرقابة والتدقيق من الجهات العليا، وهذه الرقابة ضرورية جدا لأنها مستقلة عن مراكز القوى التي تتحرك داخل المؤسسة.
- رقابة مالية داخلية: وهي الرقابة الابتدائية التي تتم من جهة داخل المؤسسة وتتولى التحقيق اليومي من صحة المعلومات المحاسبية للمؤسسة وتحافظ على ممتلكاتها من الضياع والسرقة.
إن المتتبع للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والخيرية التابعة للحركات الإسلامية يلاحظ غياب مفهوم الرقابة بشكله الشامل، وإن وجدت بعض أدوات الرقابة فهي أدوات تجميلية لذر الرماد في العيون. غياب الرقابة سيؤدي بالضرورة إلى انحراف المؤسسات عن مسارها الصحيح بشكل تدريجي وبطيء لا يمكن ملاحظته أو ادراكه إلا بعد فوات الأوان.
فهل نجد أذن صاغية تقوم بتشكيل جهازا فاعلا للرقابة الداخلية تكون مهمته مراقبة الأعمال اليومية للمؤسسات الاقتصادية والتعاقد مع مؤسسة تدقيق خارجية مستقلة وشفافة موثوقة تكون مهمتها القيام بأعمال الرقابة الشاملة.. إن تأخرت الحركات الإسلامية بذلك فإنه سيأتي يوما لن يكون هناك أي مؤسسة اقتصادية ذات قيمة.. وستتحول إلى مشاريع شخصية تهدف إلى إثراء القائمين عليها.