منذ مدة طويلة يشهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامات منظمة تمارسها جهات دينية يهودية مختلفة، تحت حراسة وحماية الحكومة الإسرائيلية. وقد كشفت العديد من التقارير ذات المصداقية العالية ودراسات مُحْكَمة عن دور متصاعد للحكومة الإسرائيلية في عمليات الاقتحام وفرض السيادة القسرية على المسجد الأقصى، مستثمرة مجموعة من الأوضاع المحلية والإقليمية لفرض هذه السيادة الزائفة.
من الأهمية بمكان أن نتنبّه إلى تصاعد الدور الإسرائيلي مقابل تراجع معيب للدور العربي والفلسطيني والإسلامي..
والاحتلال بكل مؤسساته -وهو يفرض السيادة- يملك تجربة غنية تشجعه على المضي قدما في هذه الخطوة. وأول هذه التجارب ما فعلته في ساحة البراق، وحسم الموضوع، حيث أضحت الساحة المكان المقدس لليهود بـ"أل التعريف"، واعترف العالم بما فيه دول عربية بسيادة الاحتلال على الحائط وساحته، وهذا الاعتراف جعلهم يتقدمون خطوة إلى الأمام في المسجد الإبراهيمي، حيث استغلت مذبحة عام 1993م، وفرضت التقسيم للمسجد ليتبقى للمصلين المسلمين غرفة صغيرة، وبين الحين والآخر يغلق هذا المصلى أمام المسلمين.. واليوم تتجه نحو المسجد الأقصى الشريف بالشراكة مع مؤسسات ومنظمات ولجان هدفها الأساس فرض الوجود اليهودي في المسجد الأقصى.
ما حدث أول من أمس في ساحات الأقصى المبارك؛ من اعتداء صارخ على المصلين، وطردهم من المسجد إلى خارجه، واستفرادهم ببعض الشبان المقدسيين الأبطال داخل الأقصى، وحرق بعض من سجاده بقنابلهم الحارقة، ليس تصعيدا بقدر ما هو خطوة أخرى نحو فرض السيادة وجعل الأمر الطبيعي في المسجد الأقصى هو الوجود اليهودي، وكمقدمة لإقناع الدول العربية والإسلامية بأن لليهود حقا في المسجد الأقصى، تماما كما فعلت في المسجد الإبراهيمي.
إن سياسة الصمت الفلسطيني والعربي والإسلامي تشجع الاحتلال على المضي في غيه ضاربا مستوحشا في تعامله مع المصلين والمرابطين في المسجد الأقصى المبارك.
والاحتلال يستعمل سياسة النفس الطويل في تحقيق أهدافه، ويملك من الأساليب والوسائل وأدوات التأثير ما يعينه على تحقيق هذه السياسات. واليوم يعتقد الاحتلال أنه على مرمى حجر من تحقيق سياساته، خاصة في ظل الواقع الذي آلت إليه القضية الفلسطينية والواقع المقدسي العام.
ليس هنا مقام الحديث عن سبل مواجهة هذه السياسات، لكن ثمة حقيقة، يجب أن تذوّب في نفوس المسلمين كافة، مفادها أن الأقصى ليس قضية فلسطينية بل هو قضية كل مسلم في الأرض، وأن تحرير المسجد واجب شرعي في عنق هؤلاء المسلمين، وأن بدايات التحرير أيا كانت، تبدأ من تحرير الإرادة؛ إرادة الذات والإرادة الجمعية؛ إذ مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. ومن مكملات الطريق معرفة طرائق عمل العدو وتفكيك أدوات عمله، والصبر المصحوب بقراءات دقيقة للواقع المفضي إلى نتائج محسومة، وإن كنا نؤمن في منظورنا القدري أن المسألة محسومة لصالحنا، لكنها عبادة المراغمة وسياسات المغالبة والمدافعة.