الحديث مع فضيلة الداعية الإسلامي الشيخ طايس الجميلي حديٌث ماتع ذون شجون، وهو يأسرك بابتسامته، ويملأ قلبك بالبشرى وهو يحدّثك عن واقع الأمَّة، ويبعث في نفسك الطمأنينة وهو يضع أمامك مكامن الخلل والداء وسبل المواجهة والدواء، ويزيدك وثوقاً بالنصر وأنساً بوعد الله وهو يربط كلامه بالقرآن الكريم والسنة النبوية.
(بصائر) زارت الشيخ طايس الجميلي في مكتبه، وحملت إليه جملة من التساؤلات حول واقع الأمَّة الإسلامية، ومكامن الخلل، ومعوّقات ومبشرات ريادتها، وسبل مواجهة العدوان المتربّص بها، وكان لنا معه - حفظه الله - وقفة مع إبداعات المقاومة الفلسطينية في غزَّة، وواجب الأمَّة في دعمها ونصرتها.
الواقع والمبشّرات
قال الداعية الجميلي: إنَّ الأحداث الواقعة اليوم في أمتنا يجملها القرآن الكريم في آية واحدة، وهي قوله تعالى:{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. مؤكّداً أنَّ الذي يقرأ الفترات التي مرّت منذ سقوط الخلافة العثمانية واستبدالها بالنظم العلمانية وتركها للمبادىء الرّبانية وراء ظهورها بدأت مرحلة الهبوط والتدحرج والنزول حتّى وصلت إلى الحضيض.
ويوضح أنَّه لا بدَّ من الرّبط بين الأزمات التي مرّت في تاريخ الأمَّة الإسلامية منذ الحروب الصليبية والتتار ودول الطوائف والمماليك المتناحرة في الأندلس وبروز الفاطميين والباطنيين في شمال إفريقيا، لندرك أنَّ هذه كانت مقدمات لما آلت إليه أحوال الأمَّة في تلك الفترات، والأمَّة بما تملكه من تراث حضاري وحضور سياسي وموقع جغرافي بقيت ساحة صراع حضارات توّجت بما آل وضعه اليوم.
وأمام هذه الصورة القاتمة، يشدَّد الداعية الجميلي أنَّ المبشرّات - ولله الحمد – ما أكثرها، وليعود بنا إلى تاريخ الأمَّة وماضيها فيقول: "ولو عدنا إلى ما حاق بالأمَّة من مآزق ومصائب على يد المغول والتتار والصليبيين والباطنيين، مَنْ وَقَفَ على حالها في تلك الفترة أيقن أنَّها لن تُبعث، أمَّا وإنَّ الصراع وفق مقاييس البشر فقد يكون الاستنتاج صحيحاً. أمَّا وإنَّ الصراع بين البشر وإرادة ربّ البشر، فسيُوقن بأنَّ الغالبة هي إرادة ربِّ البشر. ووفق هذا المعيار خرجت الأمَّة من تلك المحن لتكمل دورها من جديد في قيادة العالم؛ هذه واحدة . والثانية أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم قال: ((لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).
ويضيف:"نحن جميعاً نقرّ بأنَّنا وصلنا إلى دَرْكٍ غير مسبوق، ولكنّنا نوقن بأنَّ الله ناصرُ دينِه وعبادِه بقدر ما يستجيبون لأمره ونهيه".
مكامنُ الخلل ومحنٌ
يؤكّد الداعية الجميلي أنَّ من مكامن الخلل في الأمَّة الإسلامية هو فقدانها للمرجعية الموحّدة التي ترفع الرّاية وتجمع شملها تحت هذه الرّاية. ويضيف: "والغريب في الأمر أنَّ أصحاب القرار في دولنا العربية والإسلامية لم يعتبروا بما فعلته دول العالم من الأقطاب والمحاور؛ كالاتحاد الأوروبي والمواثيق المختلفة والولايات المتحدة؛ كلها تحت علم واحد، وتنطق بلسان واحد، وبقينا نحن المسلمين مشتتين مبعثرين لا يجمعنا جامع ولا تضمّنا راية".
ويشدَّد في حديثه لـمجلة بصائر على أنَّ المحنة التي يتعرّض لها المسلمون في العالم عامّة، وفي بعض البلدان خاصة لا شك أنَّها محنة كبرى، وهي جزء من محاور الصراع التي تجتاح المنطقة العربية والإسلامية. ويستدرك بالقول: "أمَّا الأمل فهو قريب بإذن الله . أمَّا وكيف ؟ فنعود إلى قوله تعالى:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، فنحتاج إلى الإيمان الصَّادق والتقوى الخالصة والعودة الصَّادقة إلى الله عزّ وجل، ولعلنا أن نكون من القريبين من رحمة الله تعالى".
سبل مواجهة العدوان
يوضّح الشيخ الجميلي أنَّ من أهم السبل لمواجهة العدوان المتربّص بالأمَّة هو دراسة بواعث ودوافع هذا العدوان، وكيف خطّطوا له أصحابه، وكيف درسوا مواطن الضعف في أمتنا، وكيف أدركوا مكامن القوّة في كياناتنا، فاستهدفوا مكامن القوّة في الفرد والمجتمع.
ويورد في حديثه قصة " وليام غلادستون"رئيس الوزراء البريطاني الأسبق رفع المصحف في مجلس العموم البريطاني وقال لهم: ( لن يقرّ لكم قرار ولن يهدأ لكم بال ما دام هذا القرآن في أيدي المسلمين).
ويوضح أنهم "زاحموا الثقافة القرآنية بمختلف وسائل اللّهو والصدّ عن سبيل الله، وسلّطوا علينا أبواق التضليل والتنعيق والتشويش، فبدل أن يصبح المسلم ليبدأ يومه بالاستماع إلى آيات الله سبحانه، أصبح يستمع للإعلام الرّخيص التافه الذي يصدّه عن نهج القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة".
ويركّز في حديثه عن سبل مواجهة العدوان على المعرفة بوسائل الكثيرة ويخص القراءة بالذكر، فيقول: "نحن أمَّة (اقرأ) لكنَّنا لا نقرأ، وأعني بالقراءة هنا قراءة خطط الأعداء؛ إذ لا يمكن أن نتصدّى لعدوانهم ما لم نعرف أساليبهم لنواجهها بأساليب مكافئة لأساليبهم، وما أيسر هذا الأمر إذا أردنا وجه الله فيما نسعى إليه، فالفردّ معنيٌّ بإصلاحه نفسه ومن تحت ولايته، والمجتمع معنيٌّ بإصلاح بعضه، والمنظمات معنيّة بقيادة الأنشطة البنّاءة في حياة النّاس".
غزّة صمود شعب وإبداع مقاومة
يقول الداعية الجميلي: "إنَّ ما صنعته المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزّة له أكبرُ دليلٍ على أنَّ الإرادة الحرّة المدعومة الإيمان الصادق بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والاعتزاز بهذا الإيمان وتنزيله واقعاً على الأرض، وهذا بالضبط ما فعلته المقاومة بتربية أبنائها على حب الشهادة وحب الموت وتفضيله على الحياة، وهو الأمر الذي يبرز في شعارهم (وإنَّه لجهاد نصرٌ أو استشهاد)".
ويضيف: " فقد رأينا فيما عُرض علينا من أساليب تربية جيل النصر الذي صنع هذه المعجزات، كيف يتربّى، كيف يواضب على الطاعات من صلاة وصيام، وكيف يتدرّب على الصبر"..." وقد شاهد العالم تلك المناظر التي تثلج الصدر، لرجال المقاومة وهو يؤدّون الصلاة في عمق البحر قبل الانطلاق لأداء مهامهم الجهادية ..".
وتساءل سؤال الواثق بالنصر: "هؤلاء أليسوا جديرين بأن ينالوا النصر ؟!" .. إنَّهم يدافعون عن أرضهم وعن شرف الأمَّة، والله إنَّا لنحتقر أنفسنا ونعتبر أنَّنا أموات أمامهم.
ويوضح أنَّ هذا لا يعفينا من مسؤولية نصرتهم والتضامن معهم ودعمهم، وبذل المستطاع من المال والمقال والرّأي والبيان لتوضيح حقيقة ما يجري على الساحة الفلسطينية، ومع ذلك كلّه فنحن على ثقة ويقين بالنصر المبين.
وفي المقابل، يشدِّد على أنَّ التاريخ سيذكر المتواطئين والعملاء الذي خانوا أمّتهم واسطفوا إلى جانب المعتدي الغاشم في الوقت الذي تقف دول العالم مستنكرة ما يجري في غزّة، وبنو جلدتنا يموّلون ويناصرون ويساعدون ويتآمرون على فلسطين والأمَّة.
وَظُلْمُ ذوي القربى أشــدّ مرارة على النَّفس من وقع الحُسام المهنّد
كلمة للقرّاء
وفي ختام اللّقاء وجه فضيلة الشيخ طايس الجميلي كلمة لقرّاء موقع ومجلة بصائر فقال: "أشكركم على هذا اللقاء، وأتمنى من القرّاء الأعزاء ضرورة المتابعة لموقع ومجلة (بصائر)، فإنَّ ما نراه من هذه الوسائل والمواقع من الإعلام الهادف والمعنيّ بالتربية الإيمانية والرّؤية الواضحة وحمل هموم الأمّة ونقل التجارب المفيدة ليعدُّ ثروة وكنزاً للمتابعين والباحثين عن الحقيقة في زمن اختلط في الغثّ بالسمين".