إنّ من أعظم مداخل الشيطان على الإنسان إعجابه بنفسه، فيدخل نفْسَه فرحٌ أو سرورٌ بما يصدر عنها من أقوالٍ أو أفعالٍ دون تعدٍ أو تجاوز على الآخرين، ولكن الأمر قد لا يتوقف عند هذا الحد، فإذا تَبع الإعجابُ بالنفس احتقارٌ للآخرين أو تعدٍ عليهِم أصبح غروراً، وهو مرضٌ قلبيٌ قد يُصاب به بعض أفراد المجتمع، وله أعراض ومظاهر منها ما يلي:
- المغرور يعتبر نفسه أفضل من محيطه، وخاصةً أقرانه، ويرى غيره أدنى منه منزلةً وفضلاً، فلا يحب أن يتقدمّ عليه أحد، فهو يعتبر نفسه أفضل من يقود أو يتصدر، وأحسن من يتكلم ويعمل، فيعتبر رأيه أفضل الآراء، ويقدح عن ذهنه أجمل الأفكار وأرقاها، ولا يحب أن يَسمع رأياً غير رأيه، فرأيه الراجح بلا نقاش أو جدال.
- تزكية نفسه والثناء عليها ورفع قيمتها، فالمغرور كثير الكلام عن نفسه ورجاحة عقله، ويتباها بإنجازاته ويعظم أقوالهُ وأفعاله.
- لا يعترف المغرور بأخطائه وعثراته، فهو مصيب في كل ما يقول ويفعل، ويكره النقد ويستعصي على النصيحة، ويرفض الإذعان للحق أوالسماع له.
- الفرح بسماع عيوب الآخرين لا سيما أقرانه، بالإضافة لاستحقار وتسفيه أعمالهم وإيذائهم بجوارحه ولسانه.
- قد يظهر على المغرور علامات مثل التشدق في القول، أو التمثيل في بعض نظراته أوسكناته وحركاته.
أسباب الغرور:
"من أسباب الغرور: المبالغة في التوقير والاحترام من الأفراد المحيطين بالشخص، فيَرَى جُمُوعَ المصفقين لهُ والمهرولين وراءَهُ"
أولاً: التربية الأسرية على التعالي على الناس أو الترفع عنهم، ويعمق ذلك إذا رافقه تَعصّبُ الفرد لأصله ونسبه وعرقه.
ثانياً: الصدارة للعمل قبل النضج وكمال التربية لظروف العمل أونقص العاملين.
ثالثاً: من الأمور الخطيرة التي قد تسبب الغرور المدح غير التربوي، فعنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا... [متفق عليه].
وقد بوّب النووي -رحمه الله تعالى- هذا الحديث تحت باب: كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه بلا كراهة لمن أُمن ذلك في حقه؛ وذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته.
رابعاً: المبالغة في التوقير والاحترام من الأفراد المحيطين بالشخص، فيَرَى جُمُوعَ المصفقين لهُ والمهرولين وراءَهُ، بالإضافة للمبالغة في الانقياد والطاعة؛ فلا تُرَدُ له كلمة ولا يُنَاقَشُ ولا يُنقد ولا يُنكر عليه شيء.
خامساً: ومن أسباب الغرور أيضاً غرور العلم أو الطاعة، فيدخل قلبه غرور بسبب تأدية بعض الطاعات والعبادات، أو حفظ كتاب الله تعالى، أو بعض المتون العلمية.
علاج الغرور:
"خطورة الغرور الكُبرى تكمن في فتح باب التكبر، وهو باب شر عظيم قد يصل فيه الفرد المسلم لرفض الحق، واحتقار الناس"
أولاً: على الفرد أن يتعهد نفسه بالتواضع للناس؛ ونسبة الفضل لله تعالى في كل أقواله وأفعاله، وعليه الاعتراف بأن هناك مجموعة من الناس أكثر منه منزلة وفضلاً ولو في بعض الجوانب، وأن ينظر إلى الناس بمنظار المستفيد من علمهم المقتدي بأخلاقهم.
ثانياً: ترك تزكية النفس ومدحها، وعدم الرضا عن حاله وأعماله، واتهام النفس بالتقصير، والتعهد بمحاسبتها، فقد قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [سورة النجم:32]، وهذا دأب العلماء والفضلاء، فكان الربيع بن خيثم يبكي حتى يبل لحيته ويقول: "أدركنا أقواماً كنا في جنبهم لصوصاً"، وكان الشافعي يقول:
أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة.
ثالثاً: التأخر عن تصدر المناصب والظهور حتى يتحقق النضج وكمال التربية، خوفاً من العجب ثمّ الغرور، فمن الحكمة العطائية: "ادفن وجودك فى أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه"، وقد علق الشيخ محمد الغزالي على الحكمة قوله: "هذه الكلمة أفضل توجيه لمن يريدون الظهور على عجل، ومن يتوهمون أن نصيبا قليلا من المعرفة والخبرة كاف فى الترشيح لقيادة الجماهير، والصدارة بين الناس...فليصنع المرء نفسه أولا فى عزلة وفى صمت وفى تؤدة، كالشجرة التى يختفى أصلها فى ظلمة التراب أمدا تتكون فيه التكون الصحيح، ثم تبدأ تشق طريقها إلى الهواء والضوء".
رابعاً:سماع النصيحة من الآخرين وتقبل النقد البناء بصدر رحب، حتى يقف الفرد على العيوب أولاً بأول، فيعالج المرض في بدايته.
خامساً: مراعاة الآداب المعتبرة عند مدح الأفراد، مع الاعتدال في الثناء والاحترام والانقياد للآخرين، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلَانًا، إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا" [رواه البخاري ومسلم].
وختاماً.. إنَّ الغرور من الأخلاق الذميمة التي يجب على المسلم الحذر من الوقوع فيها؛ لما لها من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، وخطورة الغرور الكُبرى تكمن في فتح باب التكبر، وهو باب شر عظيم قد يصل فيه الفرد المسلم لرفض الحق، واحتقار الناس، والمغرور ممقوتٌ يتجنّبه القريب والبعيد، لما يظهر منه من صفات يكرهها صاحب الذوق السليم، فلنراقب لحظات قلوبنا وخواطر نفوسنا، ولنتسلح بشكر الله على نعمه، ولنتواضع للبشر، فمن تواضع لله رفع الله قدره.