في كثير من الأحيان نجهد النفس بحثاً عن علامة تجارية مميـزة أو ماركة عالمية مشهورة، نبحث عنها لنمتلكها ونتباهى بها في بيوتنا، في لباسنا، في حياتنا.
إن البحث عن تلك الماركات دلالة نفسية على تفضيل الجودة، والمواصفات الممتازة، رغم ما يتطلب ذلك من نفقات وتبعات وجهود مضنية في سبيل ذلك، وهذا الذي نريد ونحن نتحدث اليوم عن مساجدنا، ومحاضننا التربوية، نسعى لكي نصنع علامة مميزة، ومواصفات خاصة، برواد المساجد وأهلها.
الحلقات التربوية ذروة العمل المسجدي وهي الحلقة الأهم في سلسلة البناء الدعوي، وبناء المتربي المنشود اليوم، ليكون قائد الغد، فالحلقات التربوية تؤدي دوراً هاماً ورئيسياً في بناء شخصية المتربي وصياغتها، بل هي الأكثر تأثيراً وصاحبة البصمة المميزة التي تنطبع في نفسه، ولكنها وفي ذات الوقت تواجه تحديات كبيرة في ظل المتغيرات المتسارعة في وسائل الاتصال والتوسع الكبير في أدوات التكنولوجيا، مما يزيد من فاتورة العبء، وزيادة في تكاليف الإنتاج والعطاء.
ولأهميتها وللمحافظة على دورها ومسارها بشكل صحيح، ولكي لا تتيه البوصلة في ظل ما يجري من أحداث وظروف، لا بد من العاملين في الحقل التربوي من قراءة الواقع قراءة حقيقية واقعية متوازنة، من خلال معرفة المعطيات وتحديد العقبات والصعوبات، ووضع الاستراتيجيات للمضي قدماً في تطوير هذه البيئات الحاضنة، مستثمرين نقطتين أساسيتين، يمثل وجودهما رافعة مهمة في دفع عجلة التطوير التي عنها نتحدث وهما:
1. الدافع الذاتي لدى المربي لتحقيق الأفضل والسعي نحو التطوير، وهو خصب ومتوفر إذا ما حُفز ووجد أرضية لذلك.
2. إدراك العاملين في هذه المحاضن بأهمية التطوير والارتقاء.
ولعل الناقد والمطلع على العمل المسجدي والحلقات التربوية كجزء منه، من حيث مخرجاتها وآليات العمل فيها يستطيع أن يرى ويبصر ما يلي، وهي المساهمة في عصف ذهني قد يضيف عليه المربون لأجل نهضة حقيقة نراها جميعاً بل ونساهم فيها، فقد نلاحظ غياب الرؤية التربوية الواضحة، والاعتماد على ما يستطيع أن يقدمه المربي فقط لا غير، بالإضافة إلى ضعف تأهيل المربي، بل وعزوف البعض الآخر عن العمل، مما يدفع بقبول أي مستوى حتى وإن كان دون المطلوب.
وبالإضافة إلى ما سبق، العمل بطريقة التجريب أو بتسمية آخرى طريقة المحاولة والخطأ وهذه لا تصلح وخصوصاً إذا ما اتفقنا على الخبرات المتراكمة والموروثة في هذا المجال.
وللخروج من هذه المشاكل ولنظرة مستقبلية أكثر وضوحاً وإشراقا لا بد من:
1- بناء رؤية تربوية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار التطور والتحسن المطلوب للمتربي في مختلف مراحله طيلة بقائه في المحضن التربوي.
2- تطوير المناهج وإدخال المناهج العملية التي تتناسب مع الفئات العمرية المختلفة في المحاضن التربوية، والتأكد من العمل على هذه المناهج من قبل المربين.
3- البناء الجيد لشخصية المربي، فلا نقبل بالمربي ذي الشخصية الساذجة مثلاً، ونحتاج إلى تطوير كفاءته التربوية بالإعداد وتصحيح مساره المعرفي والثقافي، والاكتشاف المبكر لعناصر مبدعة متقنة نرعاها ونكن معها.
4- التدريب المستمر والحرص على أن يمتلك المربي كل الأدوات والمعارف المطلوبة لكي نعينه على تأدية المطلوب على أحسن وجه، والتدريب ليس بديلاً عن الإعداد بل هو مكمل له.
5- المحافظة على التربية الشمولية فلا يطغى جانب على آخر، ونبحر بعمق في التخصص. فالعالم اليوم يحترم ويقدر التخصص وأهله حتى في أدق المواضيع وأصغرها، والدعوة اليوم بحاجة إلى الفرد البارع في منظومة الجماعة الرائدة.
يبقى القول بأن كل محاولات التغيير الإسلامية بدأت بفرد، ثم توسعت عن طريق التأثير التربوي عبر المحاضن التربوية بأشكالها المختلفة، فانطلاقتنا اليوم تربوية محضة، وما نراه من انتصار اليوم هناك في غزة ما هو إلا نصر كان على أيدي دفعة من دفعات المحاضن التربوية وحلقات المساجد، فلا بد من وقفة جادة والتفاتة نصوب فيها أوضاعنا.