ينشغل النّاس بالبحث عن فهمٍ عميقٍ لمشكلاتهم، ويجهدون للوصول إلى مراداتهم، ولعلّ وضع الأمّة تقدماً وتراجعاً من أهم ما يأخذ مكاناً من اهتمامات المخلصين، الذين يرقبون حالها ويعملون دوماً لرفعة شأنها، ويرومون التّمكين لدين الله تعالى. وتالياً أربع حقائق هامّة على طريق النصر والتغيير لا بد معرفتها وتوضيحها لأبناء الحركة الإسلامية، وهي:
- منظومة السّببيّة: فالمسببات والنتائج والثمرات هي مخرجات، لها ثلاثة مدخلات بشريّة وهي تمثّل عناصر منظومة السّببيّة والتي ينبغي أن تتظافر جميعها وهي: تحقق الأسباب وتوفر الشّروط وانتفاء الموانع؛ وعليه فإنّ العلاقة طردية بين السبب والمسبب، وقد أشار القرآن الكريم لذلك في أكثر من موضع؛ كقوله تعالى: (( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيّام الخالية)) الحاقة: 24، وكقوله تعالى: ((ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً)) الطلاق:2. فأحياناً قد يحقق الإنسان الأسباب لكنه لا يصل لمراده وذلك لوجود مانع أو فقدان شرط؛ لذا فإنّ منظومة السّببيّة (السبب، الشرط، المانع، المسبب) متكاملة مترابطة، ولتوضيح هذه المنظومة سأضرب مثلاً، فلو أراد أحدنا أن يزرع زرعاً، فإنّ السبب سيكون البذرة، فلا زرع من غير بذار، لكن البذار ليست كافية وحدها، فلا بدّ من توفّر شروط الزراعة كصلاح التّربة ووجود الهواء وتعاهد النبتة بالماء، ولن ينجح الزرع إذ كانت هناك موانع كالحشرات الضّارة. وكلّما قويت المركّبات في الجانب الأيمن من المعادلة أدناه كان الناتج قويّاً.
"أحياناً قد يحقق الإنسان الأسباب لكنه لا يصل لمراده وذلك لوجود مانع أو فقدان شرط؛ لذا فإنّ منظومة السّببيّة (السبب، الشرط، المانع، المسبب) متكاملة مترابطة"
- لا يترك العمل من أجل القدر: وهذه بدهيّة شرعيّة، وحقيقة عمليّة تعرف من سيرة الرّسول عليه السّلام، وصريح الأدلة تبيّن أنّ المسلم المكلّف مطالبٌ بدوام العمل الصّالح حتى يلقى الله تعالى، يدلل على هذا قوله تعالى: ((واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين)) الحجر: 99، ولقوله عليه السّلام في حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – في بقيع الغرقد ((.. واعملوا فكلّ ميسّر، أمّا أهل السّعادة ....))، ولطلبه عليه السلام في حديث الفسيلة المشهور أن تزرع ولو قامت القيامة. والأعجب أن يترك العمل حين انتشار الفساد ومجابهة الدعوة وانحسار نشاطها؛ مع أنّ هذا في الحقيقة أوان التّفاعل وزمن دوام البذل والشّغل.
- النّصر حتميّ للمؤمنين: وما أكثر الأدلة الصّريحة على ذلك، كقوله تعالى: ((ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنّهم لهم المنصورون وإنّ جندنا لهم الغالبون)) الصّافات: 171، وكقوله عزّ وجلّ: ((وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين)) الرّوم: 47، وقوله أيضاً: (( كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قويّ عزيز)) المجادلة: 21، وكقوله تعالى: ((إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)) غافر: 51.
- الأسباب نوعين: مقدور وغير مقدور: والمسلم مطالب بالأسباب المقدورة الواقعة ضمن الاستطاعة البشريّة، وعليه أن يجهد في معرفتها والبحث عنها، والقيام بها على وجه الإتقان والإحسان، والله عدل رحمن رحيم لا يطالب إلا بالممكن، وقد قال تعالى: ((فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا)) التّغابن: 16.