القدس... فلسطين... جرح الأمة النازف، أهلها طائفة الحق الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، ولا ما أصابهم من البلاء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس".
كانت ساحات ومساطب المسجد الأقصى عادةً ما تعج في جميع أشهر السنة وفي شهر الكرم والصيام بشكل خاص بالقائمين والقاعدين والركع السجود، وتزيد الوتيرة في العشر الأواخر تحديداً، حيث يشد الكثيرون الرحال، ويقيمون الليل في تلك البقعة المقدسة... ولا يكاد هذا الحال يتغير في ليلٍ أو نهار، أما البلدة القديمة فتعج بالوافدين للمسجد الأقصى، الذين تحتفي بهم حاراتها وأسواقها، فتنشر لهم العطور والبخور، وتعرض لهم ما لذ وطاب من الأطعمة والبضائع من جميع الأشكال والألوان التي تتكدس على العربات والبسطات وأبواب المحلات، وتضيء لهم ممراتها ليلاً.
أما في هذا العام، فالوضع يختلف، المسجد الأقصى حزين يشكو إلى الله الوحدة والحصار والمؤامرات واجتماع جميع قوى الباطل لعزله وتهميشه تمهيداً لإزالته وإقامة الهيكل المزعوم مكانه (لا سمح الله). ففي شهر رمضان الماضي، أغلقت الحواجز والطرقات المؤدية إليه أمام المصلين... ومنعوا من الوصول إليه والسجود فيه... بينما فتحت أبوابه لليهود النجس فاقتحموه ودنسوه... والأدهى من ذلك أنهم قاموا في شهر أيار بتصوير فيديو غنائي راقص في باحاته يعد يهود العالم بإقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى...
حدث ذلك ولا زال يحدث بشكل شبه يومي أمام عدسات الكاميرات التي تصور وتنقل عبر الفضائيات ما يجري صوتاً وصورة... فهل تحرك العالم؟ هل تحرك العرب؟ هل تحرك المسلمون لنصرة مقدساتهم الممثلة في أقصاهم؟ لم أر شيئاً من هذا يحدث!
رأيت شبه إجماع عربي على قتال الدولة الإسلامية... بينما لم أسمع لو حديثا يجري على استحياء عن المسجد الأقصى وتهود القدس بين العرب... وكأن حماية المصالح اليهودية في الدرجة الأولى والمصالح الأمريكية في الدرجة الثانية والمصالح الغربية في الدرجة الثالثة هي الأهم على سلم أولويات العرب وأموال العرب ونفطهم.
أصبح الخطر الأكبر على العالم هي الدولة الإسلامية وليست دولة (إسرائيل) التي تقتل البشر والشجر والحجر وتنهب الخيرات وتسلب الأرض وتغتصب العرض وتذل الكرامة. يا للمفارقات العجيبة... العدو الذي يدنس المسجد الأقصى ويهدد وجوده أصبح صديقاً ومصالحه مصانة... والمسلم الضعيف؛ فقير، محاصر، مجوع مضطهد... بل ومقدساته منتهكة لا حرمة لها!.
وأذكركم بقول الله تعالى "إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم". يجب أن نبادر إلى التغيير... إن لم نتحرك نحن لحماية أقصانا وقدسنا وفلسطيننا... لن يعبأ أحد بنا... فليعمل كلٌ منا ما يستطيع وليقدم للأقصى أي شيء يقدر عليه مهما كان بسيطاً... من استطاع زيارته والصلاة فيه فليفعل، ومن استطاع أن يحكي للأطفال حوله عن المسجد الأقصى ليربط عقولهم وقلوبهم به... عساهم يكونون جنود الفتح الإسلامي الذي يفتحون القدس ويحررون الأقصى، فليفعل، ومن لم يمتلك إلا الدعاء فليفعل.
ما أريد قوله هو أن يقوم كلٌ منا بعمل شيء بشكل مستمر للمسجد الأقصى... وأذكركم بالحديث الذي دار بين ميمونة وبين رسول الله حين سألت مَيْمُونَة، فقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ : " هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَأَرْضُ الْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاةٍ "، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:" مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَأْتِيَهُ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ زَيْتًا كَانَ كَمَنْ قَدْ أَتَاهُ".
فليفكر كلٌ منا في الزيت الذي يهديه للمسجد الأقصى ، وبادروا إلى تحضير الزيت عسى زيتكم يسرج فيه فيضرب سياجاً حوله يدمي من يحاول مسه بسوء، فيحميه ويحفظه من دنس يهود ويحرره من أيديهم... وما ذلك على الله بعزيز.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- صحيفة فلسطين