استطاعت المقاومة في قطاع غزة تحقيق الانتصار على مدى 51 يوم –عمر معركة العصف المأكول- وذلك بمقاومتها وصمودها، واستطاعت أن تؤلم "إسرائيل" أيما إيلام، وذلك حينما فرضت التوازن في أدوات الرعب بعد أن وضعت 5 مليون صهيوني تحت مرمى صواريخها.
وبالرغم من بشاعة منظر الدمار والهدم والخراب فضلاً عن عدد الشهداء والجرحى الذين سقطوا، تمكنت المقاومة من حصد العديد من النقاط التي تعينها على مواصلة التقدم في سبيل تحرير أراضي فلسطين، فهي بعد كل حرب تخرج أقوى من التي قبلها وتطور نفسها سريعاً وتعيد بناء ما فقدته بسبب الحرب وما زاد عن ذلك، فضلا عن تماسك وصلابة المجتمع الذي يحتوي هذه المقاومة بكل صوره من شموخ وإباء وصبر.
فما الذي انتزعته المقاومة من الكيان الصهيوني في ظل إنجازها وتحقيقها للنصر؟ وكيف استطاعت المقاومة تطوير مدى صواريخها وأدائها العسكري على الرغم من الحصار المفروض على القطاع لما يقارب من ثماني سنوات؟ وما هو مستقبل العمل العسكري المقاوم في قطاع غزة؟ وكيف تنظر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" للوضع في الضفة الغربية خاصة بعد اغتيال جيش الاحتلال القائدين القساميين مروان القواسمي وعامر أبو عيشة؟
هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها القيادي البارز في حركة “حماس” الأستاذ مشير المصري في حواره الخاص لموقع “بصائر”، فإلى نصّ الحوار:
بصائر: على مدى 51 يوماً من الحرب والدمار الكل خرج ليقول غزة انتصرت. بهذا الصدد كيف تقيّمون أداءكم في التصدّي للعدوّ خلال معركة العصف المأكول؟ وما الذي ساعدكم على تحقيق ذلك الانتصار وهزيمة ما يسمى بـ"الجيش الذي لا يقهر"؟
"معركة العصف المأكول هي المعركة الأطول في تاريخ العرب، والأشرس في طبيعة الصراع العربي الصهيوني على مدار التاريخ"
المصري: معركة العصف المأكول هي المعركة الأطول في تاريخ العرب، وهي المعركة الأشرس في طبيعة الصراع العربي الصهيوني على مدار التاريخ، ولا شك أن غزة استطاعت أن تحقق هذا الانتصار بصمود شعبها، وبسالة مقاومتها، وعنصر المفاجأة الذي رسخته في هذه المعركة، ومواجهة العدو براً وبحراً وجواً، وإفشال كل أهداف العدو، حيث لم يستطع أن يوقف إطلاق الصواريخ، ولا أن يدمر ترسانة المقاومة العسكرية، ولا استراتيجية الأنفاق، فضلاً عن قدرة المقاومة على تحقيق معظم مطالب الشعب، ونحن في طريق تحقيق بقية المطالب بإذن الله عز وجل.
بصائر: وعدتم بالانتصار كمقاومة ونجحتم في ذلك، ما الذي انتزعتموه من دولة الاحتلال بهذا الانجاز؟
"استطاعت المقاومة أن تفرض معادلة جديدة، تتمثل بأن عهد الحروب الصهيونية الخاطفة والسريعة و عهد النكبات والنكسات والهزائم لشعبنا ولّى دون رجعة، وأن المقاومة اليوم تفرض التوازن في أدوات الرعب"
المصري: أولاً- أن هذه المعركة فرضت علينا، والمقاومة استطاعت أن ترد كيد الاحتلال وأن تفشل أهدافه وهذا بحد ذاته هو انتصار.
الأمر الثاني- هو مطالب الشعب الفلسطيني التي تحققت في معظمها، وأعتقد أن الأيام القليلة القادمة كفيلة بترجمة هذه المطالب على أرض الواقع من خلال فتح المعابر وإدخال مواد الإعمار إلى غزة.
والأمر الثالث- هو أن المقاومة استطاعت أن تفرض معادلة جديدة، بأن عهد الحروب الصهيونية الخاطفة والسريعة ولّى دون رجعة، وأن عهد النكبات والنكسات والهزائم لشعبنا ولّى دون رجعة، وأن المقاومة اليوم تفرض التوازن في أدوات الرعب، حيث استطاعت أن تضع 5 مليون صهيوني تحت مرمى صواريخها، وأن تجعل غزة عصية على الانكسار وأكبر من الذوبان، وأن تفرض على العدو أن يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على أي حماقة ضد شعبنا في غزة.
بصائر: غزة محاصرة بحراً وجواً وبراً، كيف تغلبتم على الحصار وطورتم مدى صواريخكم وأداءكم العسكري؟
"لا شك أن الحصار شكل منطلق إبداع للمقاومة الفلسطينية وليس تكبيلاً أو تضييقاً عليها"
المصري: لاشك أن الحصار شكل منطلق إبداع للمقاومة الفلسطينية وليس تكبيلاً أو تضييقاً عليها، وهذا ما ترجمته كتائب القسام من خلال إثبات قدرتها على صناعة ترسانة عسكرية بصناعة فلسطينية غزاوية قسامية بامتياز بفضل الله عز وجل، وهذا دلل على أن كل محاولات العدو الصهيوني للحيلولة دون إدخال السلاح إلى غزة والمقاومة، وأن كل محاولات العدو الصهيوني لتدمير الترسانة العسكرية، أو مراهناته على نفاذ المخزون الاستراتيجي للمقاومة من الصورايخ وغيرها كلها محاولات تكسرت على صخرة الصناعة القسامية، إذ إن العقول المبدعة والمصنعة هي عقول غزاوية بامتياز وهذا كفيل بأن يرمم أي خطوة فقدتها المقاومة إبان هذه المعركة، فرغم الحصار استطاعت أن تطور من ترسانتها العسكرية بفضل الله عز وجل.
بصائر: ما هو مستقبل العمل العسكري المقاوم في غزة، من وجهة نظركم؟ وهل وسائلكم ستختلف في أيّ مواجهةٍ قادمة؟
" المقاومة اليوم تجد الاحتضان من أبناء شعبها وهي أكثر ثقة اليوم بخياراتهم وأكثر مضياً في التضحيات، وأكثر استعداداً لمواجهة العدو الصهيوني في ميدان المعركة في المرات القادمة"
المصري: أنا أعتقد أن المستقبل الوحيد للصراع مع العدو الصهيوني لتحقيق الانتصار والتحرير هو للمقاومة، و الرهان الأساسي اليوم ثبت للمقاومة التي استطاعت أن تترجم شعاراتها إلى أقوال هناك في الميدان من خلال تحقيق الانتصار، واستطاعت أن تغير قوانين اللعبة وتغير حسابات الاحتلال، وأن تفرض معادلات جديدة، بينما الخيارات الأخرى شكلت الحد الأدنى من التطلعات بالنسبة للشعب الفلسطيني وخاصة من خيارات المفاوضات والتنسيق الأمني والاعتقالات وغير ذلك.
فالمقاومة اليوم التي تجد الاحتضان من أبناء شعبها والقدرة على فرض معادلة "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" هي أكثر ثقة اليوم بخياراتهم وأكثر مضياً في التضحيات، وأكثر استعداداً لمواجهة العدو الصهيوني في ميدان المعركة في المرات القادمة بإذن الله عز وجل.
بصائر: الاحتلال الصهيوني عادته أن يتملص من الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة، وكلنا شاهد كيف أعاد اعتقال أسرى صفقة وفاء الأحرار، وإزالة المنطقة العازلة، وتقليص مساحة الصيد البحري، مما يعني أن إنجازات المقاومة في حرب حجارة السجيل أنهاها العدو وأعدمها مع الزمن، فما هي الضمانات في هذا الاتفاق الذي سيبرم لاحقاً معه عبر الوسيط المصري؟؟ وهل لديكم أوراق ضغط؟
المصري: أنا اعتقد أولا- أن الضمانات هي ضمانات دولية مصرية بهذا الاتفاق.
وثانيا- الضمانات هي أوراق القوة التي تملكها المقاومة وما زالت في جعبتها.
وثالثا- هي المقاومة ذاتها، وسلاح المقاومة هو الضامن، وأن أي تراجع من قبل العدو الصهيوني لن يكون من طرف واحد بمعني أن التزام المقاومة مرتبط بالتزام العدو الصهيوني وأن أي خرق من قبل العدو الصهيوني يعني أن المقاومة في حل من هذا الاتفاق وأن العدو لا يمكن أن يعيش أي أمن أو أمان ما لم يعيشه الشعب الفلسطيني واقعاً في حياته.
بصائر: مع كلّ هذه الانتهاكات من قِبل السلطة بحقّ عناصركم ومشروعكم المقاوم، والتعاون العلني مع الاحتلال كيف تنظرون للوضع في الضفة خاصة بعد اغتيال القائدين مروان القواسمي وعامر أبو عيشة؟ وهل ما زلتم تعولون على حكومة الوحدة؟
" الرهان الآن يعتمد على تطوير المقاومة في الضفة الغربية، والمعركة القادمة والحاسمة منطلقها سيكون من الضفة"
المصري: الرهان الآن يعتمد على تطوير المقاومة في الضفة الغربية، وأن المعركة القادمة والحاسمة منطلقها سيكون من الضفة، ورغم كل محاولات الاستئصال والاجتثاث من قبل قوات الاحتلال وأجهزة السلطة هناك، عبر التنسيق الأمني، والاعتقالات، والقتل والاغتيال، إلا أن المقاومة أثبتت نجاعتها بأنها أكبر من محاولات الاستئصال.
واغتيال الشهيدين القساميين المطاردين مروان القواسمي وعامر أبو عيشة هو خطوة ودلالة ضمن دلالات كثيرة على أن المقاومة في طريقها إلى التصعيد والعنفوان في الضفة الغربية بإذن الله عز وجل.
الأمر الثاني، فيما يتعلق بحكومة الوفاق الوطني، نحن ما زلنا نؤكد على ضرورة أن تكون حكومة الوفاق هي حكومة وحدة وليس انقسام، وحكومة شعب وليست حزب، وحكومة وطن وليست حكومة منطقة جغرافية، وبالتالي حكومة الوفاق مطالبة بتحمل مسئولياتها كاملة بين غزة والضفة الغربية دون تمييز أو تلاعب وفق ما نص الاتفاق على ذلك، وحوارات القاهرة أكدت على هذا الجانب.
وأعتقد أن حكومة الوفاق ما زالت أمام امتحان حقيقي لتثبت مدى جديتها في تحمل مسؤولياتها وإلا أعتقد أن بقاء الحكومة بهذا الشكل، لا يلزم الشعب الفلسطيني بها، ولا بد من البحث عن حكومة أخرى بمواصفات أخرى ترتقي إلى المسئولية الوطنية.
بصائر: بعد أكثر من خمسين يوماً من المواجهات الدامية في معركة العصف المأكول التي تكللت بالصمود والانتصار، ما هي رسالتكم لأمتكم العربية والإسلامية؟
" رسالتنا أن الأمة عليها أن تراهن على خيار المقاومة، وتستطيع أن تراهن على "حماس"، وأن تدرك أن كل محاولات كسر إرادة الأمة بددتها غزة من خلال رد الاعتبار لها، على مدار 51 يوماً"
المصري: رسالتنا أن الأمة عليها أن تراهن على خيار المقاومة، وتستطيع أن تراهن على "حماس"، وأن تدرك أن كل محاولات كسر إرادة الأمة بددتها غزة من خلال رد الاعتبار لها، على مدار 51 يوماً، والتي أرادها الله أن تكون بعدد الواحد والخمسين دولة عربية وإسلامية لترد الاعتبار إلى جيوشها، ولتقول أن غزة تلك البقعة الجغرافية الصغيرة والعدد السكاني القليل، غزة المحاصرة والمجروحة، استطاعت أن تقف في وجه أقوى قوة في المنطقة وأن ترد اعتبار الأمة وأن تقول بأننا اليوم على أعتاب مشروع التحرير.
"حماس" تصنع هذا الانتصار بفضل الله عز وجل، عهد أمتنا بنا ألا نقيل وأن لا نستقيل، وأن نبقى على طريق الجهاد، وأن لا نلقي البندقية حتى نحرر بيت المقدس بإذن الله، وعهدنا في أمتنا أن يبقى خيار الدعم والإسناد والنصرة لغزة، و لمقاومتنا، ولقضيتنا العادلة، حتى يكون الملتقى في باحات المسجد الأقصى وهو محرر أبيّ وما ذلك على الله بعزيز.