هل عاد السامريّ بثوب جديد؟؟

الرئيسية » خواطر تربوية » هل عاد السامريّ بثوب جديد؟؟
إن علماء السلاطين يمثلون جزءاً من حالة الردة على كل مكتسبات الربيع العربي، وكل معاني الحرية والكرامة التي شعر بها الكثير من الناس
إن علماء السلاطين يمثلون جزءاً من حالة الردة على كل مكتسبات الربيع العربي، وكل معاني الحرية والكرامة التي شعر بها الكثير من الناس
إن علماء السلاطين يمثلون جزءاً من حالة الردة على كل مكتسبات الربيع العربي، وكل معاني الحرية والكرامة التي شعر بها الكثير من الناس

لم يكن ذلك المشهد غريباً، وذاك المعمم الأزهري صاحب درجة الأستاذية في الشريعة الإسلامية، يرتقي المنبر، ويثني على سفاح مصر خيراً، ويبشره بأنه نال رضا الله وجبريل والملائكة والناس أجمعين.

مشهد يضاف إلى كثير من المشاهد التي يرسمها بعض أصحاب اللحى والعمائم، بين من يعتبر ذاك الطاغية رسولاً أرسله الله لتخليص شعب مصر من "الشقاء والعناء"، وبين من يحرض على قتل المخالفين ويبشرهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يؤيدهم وينصرهم.

إن تلك المشاهد ترسم صورة كاملة للواقع المزري الذي يرسمه هؤلاء، صورة ترفع من إنسانية طواغيتهم، ليكونوا في مقام الأنبياء، حتى ينالوا منصباً أو جاهاً أو يحصلوا على رضى ذاك الطاغية وزبانيته.

 

شركٌ جديدٌ

إن الأمة اليوم باتت على أعتاب شركٍ جديد، هو شرك تقديس الحاكم وصاحب السلطة، ونسب كل خير وفضيلة له، ومدحه بما يخرجه عن صفته البشرية، وستر فضائحه وتبرير جرائمه، وإيجاب طاعته تحت ستار طاعة ولي الأمر، وحشد الخرافات والأساطير والتفسيرات الخاطئة التي تدعم مواقفهم وادعاءاتهم.

إن حال أولئك "المشايخ" الذين كشف الربيع العربي وثورات الشعوب عن مدى تخاذلهم وجبنهم في الوقوف مع الحق ضد الباطل، كحال السامري الذي دعا الناس إلى عبادة العجل، بعد أن ذاق طعم الحرية والتخلص من فرعون، ورأى كيف يتنزل النصر على الفئة المؤمنة إن هي توكلت على الله حق توكله.

"السامري أقنع بعض جهلة قومه بعبادة عجل لا يضر ولا ينفع، إلا أن العجل الذي ينسب له السامريون الجدد الفضائل والمدائح، يؤذي ويقتل، ويسلب المال وينهب، وينتهك المحارم ويفسد في الأرض"

إن السامري أقنع بعض جهلة قومه بعبادة عجل لا يضر ولا ينفع، يخرج صوتاً كلماً دخلت الريح إلى جوفه، وهو ذات الحال الذي يقوم به أشباه السامري في زماننا، إلا أن العجل الذي ينسبون له الفضائل والمدائح، يؤذي ويقتل، ويسلب المال وينهب، وينتهك المحارم ويفسد في الأرض، حتى أقنع ذلك بعض الجهال، فصاروا ينسبون لعجلهم صفات عديدة، صادق أمين، وحفيظ عليم، وغيرها من الصفات التي تدل على حالة من الشرك والضلال والتيه.

 

طبيعة معركتنا

إن السامريون الجدد، يمثلون جزءاً من حالة الردة على كل مكتسبات الربيع العربي، وكل معاني الحرية والكرامة التي شعر بها الكثير من الناس بعد أن أبعدوا جزءاً من طواغيتهم وسفاحيهم عن كراسي الحكم والسلطة، وهذا يعني أن هناك صراعاً أكبر من أن يحصر بمنصب سياسي أو بانقلاب عسكري، بل هو صراع ثقافة وفكر، فكر العبودية والاستبداد، وفكر الحرية والعزة والانتصار.

"ما يجري في واقعنا الحالي، يؤكد على أن الأمة تحتاج إلى نهضة فكرية وتربوية شاملة، بحيث تحصل على مناعة تحميها من السماع لسامريي زماننا، وعدم الاغترار بما يزينونه من القول والوصف"

إن ما يجري في واقعنا الحالي، يؤكد على أن الأمة تحتاج إلى نهضة فكرية وتربوية شاملة، بحيث تحصل على مناعة تحميها من السماع لسامريي زماننا، وعدم الاغترار بما يزينونه من القول والوصف. وهذا يكون ببيان موقف الإسلام من تقديس الأشخاص، وبيان حقيقة الطغاة وكشف عوراتهم، وفي الوقت نفسه زرع عقيدة التوحيد، والتوكل على الله وحده، وعدم اتخاذ شركاء من دونه بحيث يعبدونهم ويقدسونهم كما فعل المشركون من قبلهم.

إن رسالة المصلحين في الأرض تتمثل بقول ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم زعيم الفرس: "جئنا لنخرج الناس، من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد..". ولا يكون الإصلاح مثمراً إلا إذا أزال كل مظاهر العبودية للآخر، والتبعية له.

لذا فالمعركة اليوم هي ضد الاستبداد بكل أشكاله، السياسي، والديني، والاقتصادي وغيره، هي ضد ثقافة الاستبداد، والقبول بالعبودية، والتبعية للآخرين، وفي الوقت نفسه، هي ضد كل من يكون سبباً في إضعاف الأمة وإلحاق الهزيمة بها.

إن الشرك الذي يدعوا إليه السامريون الجدد أخطر بكثير من بعض أنواع الشرك التي تناولها أهل العلم وحذروا منها، لأن هذا الشرك هو طريق إيجاد فراعنة جدد، والذين سيشككون بكل ما هو ثابت وقطعي في ديننا وعقيدتنا.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" (رواه أحمد بسند صحيح).

وقال الغزالي رحمه الله: "واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء فإنّ شرّهم على الدين أعظم من شرّ الشياطين، إذ الشيطان بواسطتهم يتدرّج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …