مع كل هذا التضييق، والملاحقة والتنسيق الأمنيين، وبعد كل إجراءات ومشاريع إحكام الحصار وضيق العيش على المواطنين وعمليات تصفية المقاومين الأبطال.
في خضم الصراع العربي - العربي، واستعار الثورة المضادة لحركة الشعوب وربيعها، وإدارة ظهر كثير من العرب الرسميين بخاصة لفلسطين والقدس والأقصى، واعتبار هؤلاء بأن المقاومة للاحتلال، أصبحت من ملامح ربيع العرب، وإرادة الشعوب في النهوض والتحرر من تحالف الاستبداد والفساد، الذي ينبغي التصدي له ووأده، والموقف من العدوان على غزة خير شاهد على ذلك، كل ذلك لم يعجز أبناء فلسطين الأوفياء في إبداع وسائل في المقاومة، والتعبير عن وافر من الكرامة، ومخزون من دوافع التضحية والفداء، واستعداد عالٍ للاستجابة لنداء الأقصى والمقدسات.
وإذا كان الاحتلال في بؤسه وأخطاره وتدميره للحياة الإنسانية الكريمة، وقتل الأجيال، لا يختلف كثيراً عن تحالف الاستبداد والفساد والتخلف الذي تعاني منه الشعوب العربية -مع بعض التباينات-، فمن الطبيعي أيضاً أن تستمر هذه الشعوب في مقاومتها وإبداعها في التغيير والإصلاح، وحماية ما تبقى من إنجازات الربيع العربي، الذي يراد تحميله كل آثام الفوضى، والدماء وفشل دول أو دويلات سايكس - بيكو.
فمن القدس إلى صنعاء والقاهرة وطرابلس الغرب، وحلب وما حولها، حركة شعوب ومقاومة أصيلة للاحتلال أو للاستبداد والفساد.
إنها دلائل قاطعة على عمق التغيير في وعي الشعوب وقناعتها ووجدانها، وعمق إيمانها بقدراتها على المبادرة والإبداع والتجديد، ويؤكد ما كرره عدد من المفكرين والمثقفين والعلماء من الذين ما زالوا يقفون على أرجلهم وترتفع هاماتهم في الأعلى، ولم ينكسوا على رؤوسهم، بأن ما حصل من انفجار شعبي في عام 2011م إنما هو دورة أو موجة، ستتبعها دورات، وتليها موجات لتطال الواقع العربي كله.
إن استدامة الحراك الشعبي وإصراره على النجاح واستماتته في الدفاع عن حقوقه في الحرية والعدالة والكرامة والنهضة، يؤكد أيضاً تحوله من حركة شبابية عفوية، إلى عمل منظم واع وعميق، رغم محاولات تزييف الحقائق التي قادها إعلام الثورة المضادة، بأن لا فعل أو إسهام مؤثر لجماعات أو تنظيمات أو أحزاب في موجة الربيع الأولى، في محاولة مضللة ومكشوفة لعزل التيارات الإسلامية المنظمة بخاصة وحصارها. وإن استمرار ثورات الشعوب وحراكها يرسخ قواعد العمل المنظم من جهة، وتآكل قدرات القوى المضادة من جهة ثانية، كلما طال أمد المواجهات والمقاومة أو الرفض وحراك التغيير، كما يراكم الاحتقان والكراهية لدى الجماهير ويعمق الرغبة لديها ويوسعها في التصدي للاستبداد والقمع الحكومي، أو بمعنى آخر يدعّم عوامل الثورة ويغذيها.
وإذا كان فكر الثورة المضادة وإعلامها يسعى لتشويه صورة حركة الشعوب لتسهيل مشاريع إجهاض هذه الحركة، فإن الحقيقة والواقع واحتمالات تطوراته، تجلي إرادة الشعوب الصلبة وجهادها لتحقيق التغيير والإصلاح الحقيقي، والتعلم من الأخطاء، واكتساب خبرة أفضل وإنجاز مشاريع التحرر التي تؤمن بها.
ولتوفير كثير من الطاقات، واختصار الزمن، ولإبعاد شبح الفتن والفشل الذريع والحيلولة دون انفجار شلالات الدم وكوارث الخراب والانغلاق المدمر والأفكار الشاذة، لا بد من الاصطلاح مع الشعوب والتوافق معها على خطة إصلاح تحقيقي وعميق ومقنع، والشقي من وعظ بنفسه.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- صحيفة السبيل الأردنية