حياة الصحابة.. عِبَر أخلاقية ودروس تربوية وجهادية

الرئيسية » بصائر تربوية » حياة الصحابة.. عِبَر أخلاقية ودروس تربوية وجهادية
الصحابة

شاءت إرادة الله عز وجل وحكمته البالغة، أن تختزل فترة البعثة النبوية، مختلف الأمور والمسائل التي يمكن أن تُعرَض على الأمة إلى يوم أن يرثَ الله تعالى الأرض ومَن عليها؛ تيسيرًا على الأمة، وإقامة للحجَّة عليها، إلا فيما شاء الله عز وجل أن يسكت عنه، لحكمة أيضًا لا يعلمها إلا هو، فقد تكون اختبارًا أو ابتلاءً أو أمر آخر أراده الله تبارك وتعالى.

وتعددت الأوعية التي تضمنت تعاليم الإسلام الحنيف، وكيف يمكن للمسلم، فردًا وجماعةً، بعد ذلك حتى بقرون طويلة، أن يتعامل مع مختلف المواقف التي يمر بها، وكيف يحكم في القضايا التي يتعرض لها.

وعلى رأس هذه الأوعية بطبيعة الحال، القرآن الكريم، وسُنة الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، والتي تشمل في جانب منها سيرته العطرة، يأتي بعد ذلك حياة الصحابة الكِرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وفي حقيقة الأمر؛ فإن هناك عددًا من الأمور المرتبطة بهذه المسألة، والمتمثلة بقيمة وأهمية دور الصحابة الكرام "رَضِيَ اللهُ عَنْهم" في التاريخ الإسلامي، وحتى في مستقبل هذا الدين.

فالصحابة قضية أخطر بكثير من مجرد مجموعة من الأشخاص أحاطوا بالنبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؛ حيث هم كانوا أحد أهم أعمدة الأساس التي أرسى بها رب العزة سبحانه، دعائم هذا الدين.

ودليلنا في ذلك من القرآن الكريم، فيقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)} [سُورة "الأنفال"]، فالآية تعتبر المؤمنين صنو النصر الإلهي للرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

"الصحابة الكرام هم صفوة المؤمنين، والله اصطنعهم لنفسه لتمام الرسالة، واستكمال ما بدأه الرسول عليه السلام، في الخروج بنور الله تعالى ودينه من حدود شبه الجزيرة العربية، إلى العالم بأسره"

والصحابة الكِرام هم صفوة المؤمنين، والآية تشير إلى أن الله تعالى اصطنعهم لنفسه لتمام الرسالة، واستكمال ما بدأه الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، في الخروج بنور الله تعالى ودينه من حدود شبه جزيرة العرب، إلى العالم بأسره.

وفي الجوانب العملية لذلك؛ فإن الصحابة كانوا هم أركان دولة النبوة، فكان منهم السفراء، أمثال مصعب بن عمير، وقادة الرأي وأهل الحل والعقد، مثل أبي بكر وعمر وعلي وعثمان، "رَضِيَ اللهُ عَنْهم"، ومنهم قادة الجيوش والعبقريات العسكرية وأركان الحرب، مثل خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح وجعفر بن عبد المطلب.

تأسست الدولة الإسلامية- إذًا- على يد هؤلاء، وبالمقارنة مع أحوال العرب قبل البعثة المحمدية، وما تم من إنجازات بعد هجرة الرسول الكريم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، على المستوى السياسي والمجتمعي، خلال سنوات البعثة، وعامَيْ خلافة أبي بكر الصديق "رَضِيَ اللهُ عَنْه"، كان هو الأساس الذي قام بعد ذلك عمر بن الخطاب والخلفاء من بعده، بإقامة دولة الخلافة الإسلامية مترامية الأطراف التي سادت العالم القديم لأكثر من ألف عام، واستوعبت ألوان طيف ديني وقومي لم تفعله أية دولة أو إمبراطورية من قبلها أو بعدها، في إدراك كامل لمفاهيم دولة المواطنة والحكم الرشيد الحديثة.

"للصحابة دور شديد الأهمية يتمثل بحفظهم للأحاديث النبوية، فهم رواة السنة النبوية، التي تمثل مصدراً من مصادر التشريع"

الصحابة، باعتبارهم عدول ثقات، أيضًا لهم دور شديد الأهمية ممتد بدوره عبر التاريخ، وهو حفظ السُّنَّة النبوية الشريفة، فهم بجانب أنهم حفظة الوحي، ومدوِّنيه؛ فهم أيضًا رواه الحديث النبوي، والسُّنَّة هي شطر هذا الدين، بما في ذلك العبادات والأركان الأساسية للإسلام، مثل أركان الصلاة ومناسك الحج.

هذه اللمحة الخاطفة حول قيمة الصحابة التاريخية، وحجم الدور الذي لعبوه في التأسيس والترسيخ لهذا الدين، وهو الدور الذي اصطنعه الله عز وجل على عينه؛ تقود إلى ضرورة مهمة يجب على كل مسلم أن يدركها ويطبقها في حياته، وأن تكون نصب عين أولي الأمر في هذه الأمة، وهم يعملون على استعادة خيريتها، وتحقيق حلم إقامة دولة الخلافة الإسلامية مرة أخرى.

إنها القدوة الحسنة، والتي تدعمها حقيقة أن الصحابة الكرام "رَضِيَ اللهُ عَنْهم"، ما تركوا مجالاً إلا وطرقوه، فمنهم من قاد الجيوش، ومنهم من علم الناس دينهم، وعمل داعيةً، ومنهم من كان سفيرًا، ومنهم من كان قاضيًا.

وبالتالي؛ فإنه أي مسلم يجد نفسه في موقف ما، اجتماعي أو مهني أو سياسي، أو أيًّا كان؛ سوف يجد لدى الصحابة صنوه؛ فيعلم ما عليه فعله في حينه، حتى في أمور الحياة الدنيا، مثل التجارة، نجد لدينا صهيب الرومي، ولدينا عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وغيرهم.

إلا أن أهم الدروس التي يجب علينا الانتباه لها في هذه الفترة الحساسة التي يمر بها المشروع الإسلامي، هي الدروس الأخلاقية والجوانب الجهادية في حياة هذه الزمرة من البشر.

فالمشروع الإسلامي والأمة برمتها تمر في هذه الآونة بأحد أهم وأصعب امتحاناتها؛ حيث الفتن الداخلية والمؤامرات الخارجية، تحاول تقسيم ما بقي من الأمة، بعد أن قامت بتفتيت دولة الخلافة الإسلامية بالفعل، ويراق في سبيل ذلك دماء مئات الآلاف من المسلمين، وتضيع الأوطان، وتُهدر المقدرات.

"هناك ضرورة من جانب دعاتنا وقادتنا الحركيين في هذه المرحلة، لدراسة أساليب التربية النبوية التي أسست لهذا الجيل الذي صنع التاريخ، وأسس لقواعد سوف يستمر تأثيرها حتى نهاية الزمان"

لنرَ كيف تصرف صهيب وعمر وعثمان، وغيرهم وهم يهاجرون تاركين وراءهم أموالهم ودنياهم، وكيف تصرف جليبيب وهو لم يزل بعد في أول عهده بالزواج، عندما ترك عروسه، ودنياه الجديدة، لأجل الجهاد في سبيل الله تعالى؛ فكان أن استُشهد؛ فغسَّلته الملائكة، ولنرَ كيف كان أسامة بن زيد قائدًا لجيش المسلمين الذي حارب الإمبراطورية الرومانية-!!- وهو لم يزل بعد في التاسعة عشرة من عمره.

إن هناك ضرورة من جانب دعاتنا وقادتنا الحركيين في هذه المرحلة، لدراسة أساليب التربية النبوية التي أسست لهذا الجيل الذي صنع التاريخ، وأسس لقواعد سوف يستمر تأثيرها حتى نهاية الزمان.

والمعجزة الأكبر، أن هذا الجيل لم يستمر لأكثر من قرن هجري واحد، فعن عبد الله بن عمر "رَضِيَ اللهُ عَنْهما"، قال: بعد أن صلَّى بنا رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" صلاة العشاء، قال لنا: "أتعلمون هذه الليلة؟ لن يبقى أحد ممن هو على الأرض الآن بعد مائة عام من هذه الليلة" (وكان ذلك في العام العاشر الهجري) [أخرجه البُخاري].

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الصحابة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    "باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …