خلال قراءتك لهذا المقال سيموت حوالي 160 شخصا حول العالم، في المقابل سيولد حوالي 450 شخصاً؛ وفي لحظة ما في يوم من الأيام كنت أنت من هؤلاء المواليد، وفي لحظة ما في يوم من الأيام ستكون (أنت) من هؤلاء الذين يموتون.
هكذا هي الحياة وهكذا هي تسير.
في البداية.. اقرأ بقلبك وعقلك معاً كي تعيش هذه الفلسفة: "فلسفة الحياة".
لو نظرت إلى ساعتك الآن لرأيت (عقرب الثواني) وهو يمر من خلالها؛ تأمل أن هذه الثانية التي تعبر لن تعود مرة أخرى، لا يمكن أن ترجع، لا يمكن أن تعود بكل ما فيها من لحظات فرح أو حزن، لا يمكن أن تعود بصحة أو بمرض، لا يمكن أن تعود على النحو الذي أنت عليه الآن، فاللحظات التي تمر لا تعود ليس فقط كزمن، وإنما كذكرى، كألم وشعور، كمواقف وكلمات، لا.. لا يمكن أن تعيدها، حتى النفس الذي تتنفسه لا يمكن أن يتكرر نفسه، تخيل أن أنفاسك معدودة عليك، وإنما هي رصيد وسينفد، فكل نفس ينقص من عمرك لحظة، أو كل لحظة تنقص من عمرك نفساً؛ فأنت لست تدري هل تتنفس لتعيش، أم تتنفس لتموت؟؟
تذكر معي شخصاً فقدته العام المنصرم، تذكر أجمل اللحظات التي قضيتها معه، تذكر كلمات قلتها له، وتذكر كلمات قالها لك، تذكر معه موقفاً تتمنى أن تعتذر له منه، حاول الآن أن تتصل به، حاول أن تكلمه، حاول أن تجالسه، حاول أن تدعوه للعشاء أو لرحلة أو لزيارة، عبثا تحاول؛ إنك لن تستطيع، لقد مرت تلك اللحظة، وليس لها أن تعود، وليس لك أن تعيدها.
إذا شئت أن تقرأ من كتاب هذه الحياة، فتوجه إلى مقابرها، ستجدها كتباً، قد خطت بشواهد قبورها، كأنها سطور رصفت تلقاء بعضها، كل سطر يعبر لك عن حقبة، يعبر لك عن مواقف، عن ذكريات، يعبر لك عن تجربة فريدة، كلها أصبحت الآن تحت التراب، كل قبر يوجد فيه كم هائل من المعلومات والمواقف والمشاعر والعلاقات الخاصة، تجارب نجحت وأخرى قد فشلت.
عد الآن معي الآن إلى هذه الآلة الضخمة التي تسمى "الحياة"، وامضِ إلى الطرقات، وانظر إلى البشر من حولك؛ هموم تسير أمامك على شكل بشر، أفكار متناثرة، كلهم يهرول في عجلة الحياة، فلا هو يصل ولا هو يرتاح، حتى تلقي به هذه العجلة خارج مسارها، لا تنس للحظة واحدة، أنت منهم الآن، ولست تدري متى تلقي بك عجلة الحياة خارجها، لتشكل نقطة من سطر من سطور هذا الكتاب أعني القبور، ومن بعدها ستنساك الحياة كما نسيت غيرك، وما هي إلا سنوات محدودة حتى تختفي معالم اسمك، آخر ما تبقى منك، عن شاهد قبرك، فتصبح كلمة غير واضحة المعالم بين كل هذه الكلمات.
والآن، عد بذاكرتك إلى والديك، ولو كانا أحياءً انظر إليهما وتأمل، كم من السنوات مرت عليهما، ولو سألتهما أخبراك أن الحياة كانت بالنسبة لهم كالتفاتة عين، مرت سريعة، إنها أيقونة الحياة "الثانية" أو "اللحظة" أو "النفس" الذي تتنفسه، هذا هو الزمن الذي يشعرون به الآن، كل ماضيهم لا يمكن أن يكون سوى لحظة حاضرهم، أي ما هم عليه الآن، كل عمرهم تلخص في لحظة، ولو تأملت "للحظة" في وجوههم لقرأت عمراً كاملا ملخصاً في "لحظة"؛ هذه هي الحياة.
هذا سيعيدك إلى نفسك، تأمل معي قبل عشرين سنة من الآن أين كنت، وكيف كنت، ما الذي كنت تطمح إليه، ولما وصلته وحققته هل فعلا كان يستحق أن تصرف لحظات عمرك في سبيل تحقيقه، إننا للآن لا نعرف هل حياتنا نسخرها لأهدافنا، أم أن أهدافنا نسخرها لحياتنا، هل نحيا لنصل للهدف، أم أننا نموت لنصل إليه؟
ربما في نظر البعض الأمر سيان ولا يختلف كثيراً، فكر للحظة ستجد الفرق، كي تعلم لأي شيء تحيا ولأي شيء تموت، ثم ارجع البصر كرتين وأعد التجربة لتتذكر قبل عشر سنين من الآن، وحاول دائما أن تتذكر كل اللحظات التي قضيتها خلال هذه السنوات، بالتأكيد لن تتذكر عشر معشار ما قضيت من هذه السنين، كمن ألّف كتابا، ثم بعد غياب عام كامل عنه؛ قلت له اكتب ما تتذكره من كتابك وربما سيتذكر أكثر مما تذكرته أنت من لحظات حياتك.
اقترب الآن أكثر وتأمل يومك منذ أن استيقظت إلى الآن ماذا فعلت؟ وهل يسرك ما فعلت؟ أنا لا أتكلم عن الحساب والآخرة ولكن أسأل هل أنت راض عن نفسك واستهلاكها للوقت، كم ساعة نمت الليلة، وفي أي ساعة قمت؟ ماذا أنجزت منذ أن اسيقظت؟ هل تصنف نفسك اليوم بين الأحياء أم بين الأموات المتحركين؟؟
الآن تأمل معي الأولاد الذين يولدون اليوم، ربما سيقضي الواحد منهم أربعين سنة حتى يبلغ مبلغك أنت اليوم، تأمل معي هذا الأربعين سنة التي سيقضيها من جديد، طفولة ومدارس وتعليم وكد وعمل ثم زواج فإنجاب، ياه.. إنها لحياة طويلة، هكذا ستقول، ولكن هذه هي عجلة الحياة، في اللحظة التي يدخل إليها شخص تلقي بآخر منها، كي يتبادلوا الأدوار، بتنا في حياتنا هذه أرقاما تعد وتحصى فقط فأنت اليوم واحد من بين أكثر من سبعة آلاف مليون شخص حول العالم، رقم من بين هذه الأرقام ليس أكثر.
قد يبدو للآن أن المقال غير واضح المعالم وما هو هدفه،
هذا هو الهدف..
نعم هذا هدف المقال، أن يدعك في حيرة في هذه الحياة، كي تعيد نفسك إلى نفسك، كي تفكر بطريقة مختلفة، لماذا أنا هنا؟ وما هو مطلوب مني، وتذكر أن ما هذه الحياة كلها "وفلسفتها" سوى مدخل من مدخلين إلى عالم آخر، فانظر كيف تعبر.