احتضنت مدينة كوالالمبور الماليزية لمدَّة أربعة أيام بدءاً من يوم الثلاثاء 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري فعاليات المؤتمر الأول لمنتدى "كوالالمبور للفكر والحضارة"، وذلك بحضور العديد من العلماء والمفكرين وقيادات حركات إسلامية من مختلف أنحاء العالم، وناقشوا موضوع "الدولة المدنية.. رؤية إسلامية".
وقد تم انتخاب د.مهاتير محمد رئيساً للمنتدى، فيما انتخب السيد علي عثمان طه، النائب السابق للرئيس السوداني، والداعية محمد حسن الددو، عضو مجلس الأمناء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وياسين اقطاي، نائب رئيس حزب العدالة التركي، نواباً للرئيس، كما انتخب د. زكي بني ارشيد، الأمين العام السابق لحزب "جبهة العمل الإسلامي" في الأردن، أميناً عاماً للمنتدى.
وتداول المشاركون في المنتدى الدولة المدنية من منظور الرؤية الإسلامية لمبادئ الحرية والعدل والشورى والكرامة الإنسانية، والتي تعد القيم الكبرى المؤطرة لنظام الحكم في الإسلام.
وقد زاوجت مقاربة قضايا المؤتمر بين زاوية النظر العلمي الرصين المستمد من أصول ديننا الحنيف، ومراعات إشكالات الواقع الذي تتنزل فيه هذه الأفكار والرؤى، وعكست الأوراق المقدمة والمداخلات تنوّعاً كبيراً واختلافاً حيوياً وجدلاً مبدعاً، واستفزازاً فكرياً مشجعاً على البحث عن أجوبة أصيلة لاشكالات وتحديات المرحلة.
مهاتير: "بناء الدولة" القضية الأهم
قال رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد: إنَّ النقاش حول المفهوم يكتسب أهمية خاصة بعد ما أفرزته تجارب دول الربيع العربي. ورأى مهاتير أنَّ "بناء الدولة" تعد القضية الأهم التي تواجه المسلمين حالياً، خاصة في تلك الدول التي أطاحت شعوبها بأنظمة شمولية دكتاتورية.
طه: الأمم لا يمكن أن تنهض مجزأة
بدوره، اعتبر علي عثمان طه نائب الرئيس السوداني السَّابق أنَّ الدولة المدنية "ليست ضد الدولة الدينية، وإنما دولة تؤمن بالحرية المنضبطة بالشرع، وعلى الحركات الإسلامية وهي تجري مراجعاتها أن تبحث في تقديم دولة ذات قبول لدى المجتمع".
ويرى طه أنَّ تجربة الدولة القُطرية "أثبتت أن الأمم لا يمكن أن تنهض مجزأة"، مشددا على الحاجة إلى "اجتهادات جماعية لحشد قدرات الأمة وطاقاتها لأن الشعارات الجامعة والعريضة التي تم تبنيها خلال عقود سابقة مثل (الإسلام هو الحل) لم تحقق العدالة الاجتماعية ولم تخلق برنامجا للعدالة الاجتماعية لأنها تعاملت ببساطة مع قضايا المجتمع".
بني ارشيد: ضرورة وجود مؤسسة تقوم بإسناد فكري وسياسي
أمَّا الأمين العام للمنتدى د. زكي بني ارشيد، فقال: إنَّ فكرة المنتدى "جاءت نتيجة شعور بضرورة وجود مؤسسة تقوم بإسناد فكري وسياسي للحركات الإسلامية".
ومن مهامها -كما يقول بني ارشيد- "القيام بمراجعات عميقة وجذرية للموروث الفكري والفقهي في الإسلام، خاصة في ظل بروز أو نشوء حركات وأشكال ومؤسسات تقوم بممارسات تتناقض مع تعاليم الدين الإسلامي والمقاصد الكلية للشريعة".
الددو: حسم قضايا الخلاف بالنص أو بالتوافق
من جانبه، دعا نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ محمد الحسن الددو إلى "حسم قضايا الخلاف إمَّا بالنص الشرعي وإمَّا بالتوافق، وترك الأمور غير المحسومة شرعاً أو عقلاً لأنَّه لا فائدة منها".
ويرى الددو في قضية فلسطين "راية موحدة وجامعة لجميع الأمة في ظل غياب الخلافة باعتبارها محل إجماع جميع المسلمين وقضيتهم الأولى".
البيان الختامي ..
خلص المشاركون في المؤتمر إلى توجهات كبرى يرون أنها تمثّل أساساً ومنطلقاً لتحقيق أهداف المنتدى وتطلعات الأمَّة في المرحلة الحالية، كان من أبرزها:
- التأكيد على سعة ومرونة وثراء الرؤية الإسلامية في مجال الحكم القائمة على إقامة القسط بين الناس وبسط الشورى وتحقيق الرفاه والرخاء للأمة وإقامة علاقات إنسانية ودولية عادلة.
- الاعتراف بتنوع أنماط الحكم المؤسسة على الرؤية الإسلامية تبعاً للسياقات الزمانية والمكانية والحضارية المنتجة لكل تجربة، وهي ميزة إيجابية تتيح تعدداً في الخيارات.
- التشديد على ضرورة إنخراط علماء ومفكري الأمَّة في جهد علمي وفكري جدي لتحرير الفقه السياسي من شوائب الاستبداد ومنطق تسويغ الظلم.
- دراسة تجارب الحكم في البلدان الإسلامية المختلفة بما يسمح بتحديد نقاط الانجاز، ومكامن الاخفاق، أملاً في إنارة طريق الأمة للعودة إلى دينها.
كما أوصى المشاركون بنشر أعمال المنتدى باللغات العالمية والإسلامية، وتعميم الجلسات المصورة تلفزيونيا عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتشجيع الاعمال البحثية الرائدة في مجال الفكر السياسي الإسلامي، وفي النماذج الاقتصادية والاجتماعية، والحرص على مشاركة المرأة بفعالية في هيئات وبرامج المنتدى.