التنافس في العمل التربوي .. وقفة تأمل

الرئيسية » بصائر تربوية » التنافس في العمل التربوي .. وقفة تأمل
المراقبة والملاحظة1

لا شك أن من أعظم الأعمال وأكثرها تأثيراً ونجاعة في عصرنا الحديث هو العمل التربوي في ميادينه المتعددة، وهنا أتكلم حصراً عن العمل التربوي في المساجد والهيئات الدعوية التربوية كمراكز التحفيظ وفرق الكشافة وغيرها ممن وجد الدعاة إليها سبيلاً.

ولا شك أن هذه الحقول أنشأت أجيالا وبنت ورعرعت في رياضها الكثير الكثير ممن نراهم اليوم على المنابر يخطبون، وممن هم في ميادين العلم والدعوة، عداك عن المجاهدين الذين تخرجوا وتربوا في مثل هذه المحاضن والتي من شأنها أن تبني إنسانا على قدر من الخلق والعلم والثقافة، عداك عن مهارات حياتية مكتسبة مثل التقديم والإلقاء ومهارات التواصل، وكذلك لها دور بارز على الفرد في بيته ومع أهله وجيرانه وحتى زملائه في الدراسة أو في العمل، ولقد كنا نرى ولا زلنا أن أبناء المساجد هم الأنموذج المحتذى في مدارسهم من حيث خلقهم وتميزهم الدراسي وحسن خلقهم بل وأضف إلى ذلك كله أنهم كانوا هم قيادات الطلاب في كل الشؤون في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم، لا أشك للحظة أن هذا كله نتاج "حلقة المسجد".

النتائج أعلاه تتفاوت بتفاوت المكان والزمان والظروف وكذلك المربي وهو مناط حديثنا اليوم، فلا ريب مطلقاً بأن المربي هو الركن الأهم والأساس في هذه المنظومة البسيطة كثيرة التعقيد، فالمربي ابتداء ما هو إلا نموذج للشخصية التي ينظر إليها المتربي لعله يصبح مثله، فالمربي شاء أو أبى هو قدوة لهذا المتربي، وقد يكون قدوة صالحة أو ربما أقل من ذلك.

ولما كان النظام والترتيب أساساً للنجاح في أي عمل؛ كان لا بد للدعاة من ترتيب صفوفهم تجاه هذه العملية التربوية وتوزيع مراحلها واختيار العاملين فيها وتبني المنهاج والمنهاج المرافق وتحديد أهدافه ورسم الخطط وتنفيذ الأنشطة المنهجية واللامنهجية ومناقشة التسلسل للعملية التربوية لكل متربٍ على حدة، ولكن لا بد لهذا كله من تنسيق وترتيب ومناقشة وحوار، فعمل بهذا الحجم يستحيل أن يقوم به فرد وحده دون مساعدة، يستحيل أن تقوم به مجموعة دون تنسيق، إذاً لعلا بعضهم على بعض واختلفوا واختصموا، ولسوف ترى حينها الخلاف بينهم حتى في النظرية التربوية، فلكل مذهبه فيها وله فيها توجه يختلف عن الآخرين، فإما أن يجتمعوا على كلمة وسط فيما بينهم، وإما أن يتنازعوا أمام الناس، وإما أن يبدأ كل مربٍّ منهم باتهام الآخرين بالتفريط أو الغلو أمام المتربين، وهذا كله بلا شك حظ نفس، وهو مدار حديثنا في هذا الموضوع.
لهذا سنتعرض لهذا الداء وأعراضه وأسبابه والحلول المقترحة له.

أولاً: مظاهر التنافس المذموم

"من مظاهر التنافس المذموم التركيز على إفشال بعض التربويين لغيرهم، من خلال إنقاص الإنجازات، وتضخيم العثرات والأخطاء"

1. كثرة الخلاف على المسؤولية والإمارة.
2. لمز العاملين ببعضهم أمام المتربين بطريقة أو بأخرى، وأسوأ اللمز وأكثره انتشاراً هو ما يتعلق باللمز في حركات الوجه والشفتين إذا ما تم طرح اسم عامل آخر معه أمامه بتصرف أو بقول مقللا من أهمية ما يقول ومشككا بصحته.
3. كثرة الغيبة لبعضهم البعض، وإذا رأيت نفسك تسعد عند سماع أحدهم يغتاب أخاك أمامك فاعلم أنك مريض بهذا المرض.
4. كثرة الاحتداد في الحوار خلال اللقاءات بين العاملين وارتفاع الصوت خلال النقاش.
5. تعقيب المربين على كلام بعضهم والإضافة عليه ودون ضرورة أحيانا أمام المتربين.
6. مهاجمة العاملين بعضهم بعضاً خلال اللقاءات وبشكل حاد أحياناً.
7. التركيز على إفشال بعضهم البعض من خلال إنقاص الإنجازات وتضخيم الأخطاء والعثرات، حتى إنهم ينقدون المتربين لأتفه الأسباب نكاية ببعضهم داخل الاجتماع.
8. توجيه الاتهامات ونشر أي فضيحة دون بينة.
9. حفر كل أخ لأخيه كي يسقطه تربوياً ومن ثم إخراجه من حقل العمل التربوي.
10. تتبع عورات بعضهم البعض.

ثانياً: أسباب التنافس المذموم

"من أسباب التنافس المذموم، التغطية على التقصير، عبر استخدام الهجوم كوسيلة للدفاع، فيهاجم العاملين منتقداً لهم، ومنتقصاً من عملهم، مما يجعله في موضع آمن من النقد"

1. غياب القيادة الحازمة.
2. تقارب العاملين في السن مما يخلق جواً عاما من الندية.
3. البون الواسع بين العاملين في الدرجة العلمية والثقافة والعلم الشرعي.
4. دخول الهوى وحظ النفس في نفوس العاملين.
5. قلة النضج الدعوي، وعدم النظر إلى كبريات الأمور، والاهتمام بالتفاصيل وسفاسف الأمور.
6. التشدد والتعنت عند بعض العاملين، وهذا من أخطر الأسباب، إذ سرعان ما يتهم غيره بأنه متساهل ومفرط.
7. التكبر والنظر للآخرين بانتقاص وتقليل.
8. أحيانا يكون التقصير هو دافع قوي، إذ يتبع المقصر أسلوب "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فيهاجم العاملين منتقدا ومنتقصا عملهم وتصغير نتائجها مما يجعله في موقع آمن عن النقد.
9. غيرة العاملين وحسدهم بعضهم لبعض، خاصة في حال وجود واحد متميز منهم.
10. وجود بعض الأمراض التربوية لدى البعض قد يكون أحيانا سببا من هذه الأسباب كتعلق المربي بالمتربي، وحرصه أن يكون المتربي خاصا له فقط؛ أي الانتقال من مرحلة التعلق إلى مرحلة التملك.

ثالثاً: حلول مقترحة

"وجود المرجعية الواضحة للعمل، والرقابة على مجريات العمل التربوي، من أبرز الحلول المقترحة لمشكلة التنافس المذموم داخل الصف الدعوي"

1. إقصاء العاملين غير المؤهلين تربوياً وإيمانياً بالحد الأدنى.
2. وجود مرجعية للعمل تكون ذات قبول وإجماع من العاملين، ويفضل أن تكون أكبر سناً، لكن دون وجود فرق في الأجيال.
3. تعميق مفاهيم الأخوة بين العاملين، ولعل النشاطات الخاصة باللجان العاملة تساعد في زيادة الروابط الأخوية.
4. الاطلاع الكامل على تفاصيل العمل وأوضاع المتربين بشفافية تامة بين جميع العاملين.
5. التدوير في العمل التربوي بين الفينة والأخرى، واستبدال الأدوار وكذلك المجموعات التربوية.
6. تواجد العاملين جميعاً في كل الفعاليات والأنشطة والصلوات في المسجد.
7. خضوع العاملين لدورات توعوية تربوياً وإدارياً.
8. الفصل التام بين العلاقات الشخصية والعمل.
9. إيجاد الجو الإيماني بين العاملين سواء أكان خلال الاجتماع أو على المستوى الفردي، والإكثار من الدعاء لبعضهم البعض في ظهر الغيب، وحفظ الأخ غيبة أخيه.
10. ضرورة وجود الرقابة على العمل التربوي وعن قرب.

هذه بعضها، وقد يكون غيرها، تحدده ظروف المكان والعمل، لكن لا بد للعاملين من التنبه جيداً لأن العمل أولا وأخيراً فقط لله، وليس لحظوظ النفس أو للمصالح الشخصية، فليتق الله ولا يتبع نفسه هواها.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • المربي
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …