وجّه العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رسالة إلى أبناء الشعب المصري بعد صدور حكم براءة طاغية مصر وفرعونها محمد حسني مبارك، وخصَّ في هذه الرّسالة كلّ فئات الشعب المصري وتياراته، واتجاهاته، وأيديولوجياته، شبابه وشيوخه، رجاله ونسائه، عماله ومثقفيه، مسلميه ومسيحييه.
وقال فيها الشيخ: "يا أبناء مصر المخلصين.. هذه أيام فاصلة في تاريخ مصر الحديث.. أيام عصيبة، تحمل في طياتها شدائد ومحنا، يُفتن فيها الناس عن دينهم الحق، وقيمهم الأصيلة، وقناعاتهم الراسخة، هذه أيام تمحيص وابتلاء، {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:37]".
وأضاف: "إنَّها أيام عمل للحق، وكفاح في سبيله، وعضّ عليه بالنواجذ يا أبناء مصر المخلصين: هذه أيام صبر على المحن، التي لا يقوى عليها إلا الصادقون المخلصون، ولا يرفع راية الحق فيها إلا المتجردون.. يا أبناء مصر المخلصين.. إنكم لا تتألمون وحدكم.. {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون}[ النساء:104]".
ووصف القرضاوي الحكم ببراءة مبارك بأنّه: "جدَّد الأحزان، واستهان بالدماء الزكية التي سالت منذ 25 يناير 2011م، حتى اليوم، والدماء الأخرى التي سالت قبل ذلك بثلاثين عاماً"... "هذا الحكم الذي نطق به قاض ظالم، معلنا براءة طاغية مصر وفرعونها، الذي أهلك الحرث والنسل، وأفقر البلاد، وأذل العباد، وأمر بالباطل، ونهى عن الحق، وكان عونا لأعداء الأمة على أبنائها، ومثّل -بشهادة الصهاينة الحليف والصديق والكنز الاستراتيجي لهم".
وخصّ في رسالته الثوار بالقول: "لن تضيع ثورتكم الطاهرة، ودماء شهدائكم الزكية، لن تضيع أنات المعذبين، وجراحات المصابين، وصرخات الحرائر، وصيحات المقيدين.. الصراع قائم، والأيام دول، والدهر قُلَّب، وعلينا أن نستفيد من أخطائنا، ونتعلم من تجاربنا، ونحذر من عدونا، ولا نلدغ من جحر مرتين!! مضيفاً: أنَّ ما يحدث في مصر اليوم ما هو إلاَّ "معركة كرّ وفر، ربحتم جولة، وربحوا أخرى، والعاقبة للمتقين، والنصر للصابرين المصابرين المرابطين".
ولشباب الثورة قال العلاّمة القرضاوي: "لا يفرقكم عن إخوانكم، إلا كائد لكم، ولا يشغلكم بمعارك جانبية، وأحقاد أيديولوجية ومصالح فئوية، ومرارات تاريخية، إلا عدو لثورتكم، يا شباب الثورة.. يا حبات قلوبنا.. يا عدة المستقبل: عدو ثورتكم، حاقد على جيلكم، حانق على إنجازكم، الذي كاد يوشك على الاكتمال، بجلدكم وصبركم ووحدتكم، يا شباب الثورة: تسامحوا فيما بينكم، وترفعوا عن الصغائر، فأنتم المستقبل، وأولى بالمستقبل ألا يرث ضغائن الماضي وإحنه، أو ينغمس في بحار الكراهية، يا شباب الثورة: الحق معكم ما دمتم مستمسكين به، متعاونين عليه، والنصر لكم ما دمتم متبعين لسننه، فاستعينوا بالله، وأحكموا أمركم، ولا يضركم من خالفكم".
وأكَّد القرضاوي "أنَّ دماء المصريين جميعاً، دماء واحدة. لا فرق عندنا بين دماء التحرير، ومحمد محمود، والعباسية، وماسبيرو، ودماء رابعة العدوية، والنهضة لا فرق عندنا -أيضا- بين دماء الحرس الجمهوري، وجامع الفتح بالقاهرة، وجامع القائد إبراهيم بالإسكندرية، وسائر ميادين الثورة في المحافظات.. دماء المصريين جميعا، دماء واحدة.. ولا فرق فيها بين دم مسلم، ودم مسيحي، فكلّها دماء أريقت، وكلّها أرواح أزهقت".