يكثر الحديث عن أهمية التربية وضرورة الاعتناء بها وتكريس الجهود وتعبيد الطريق لرواد هذا الطريق كي يصلوا بمن معهم وبمتربيهم إلى المنشود والمأمول؛ لأجل تحقيق التغيير الذي تسعى إليه الحركة الإسلامية والوصول إلى أهدافها الكبرى في استئناف الحياة الإسلامية من جديد، فنتاج تربية الحركة هي "روح جديدة تسري في قلب هذه الامة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داوٍ يعلو مردداً دعوة رسول الله صلي الله عليه وسلم".
ومن هنا كان الاهتمام بالمربي والمعلم والمرشد الذي سيقود هذا الجيل وينهض به ويعمل على رفع سويته، فهو ينتصب قدوة أمامهم ولهم، ولذا كان لزاماً على المربي أن يعتني بنفسه ويوليها الاهتمام فلن يفيض الكأس حتى يمتلأ، ولن يترك لمسته الدعوية الحضارية ما لم يؤمن إيماناً حاراً بما يدعو وبما يطلب من متربيه وتلامذته، وستظل العملية التربوية داخل الحركة الإسلامية قاصرة غير مثمرة ما دامت غير قادرة على إنتاج مربين أكفاء ينقلون المتربين من التنظير إلى التطبيق.
فالمطلوب اليوم أن نكوّن المربي الذي سيقع على كاهله ثقل النهضة والتغيير، لذا لا بد من إيجاد مربٍ واعٍ جادٍ عاملٍ يحمل بين جنابته صدق العاطفة والرغبة، واندفاع الشلال الهادر للعمل الدوؤب، والتحرك الذي لا يتوقف، الذي يصاحب تلامذته مرشداً ومعلماً وناصحاً حتى إذا ما اشتد عودهم أعطاهم مكانه، لذلك لا بد أن يكون هذا المربي جاداً عاملاً غيوراً.
"لابد أن يعطى المربي الاهتمام الكافي، وأن يختار بعناية؛ لأن العمل في هذا المجال من أخطر التخصصات؛ إذ إنه يلامس الروح والفكر والجسد"
فلا يكفي أن يكون المنهاج جيداً ولا الأنشطة المصاحبة له قوية بقدر أن يكون المربي قدوة لمن حوله، شخصية متكاملة رزينة متزنة، ولقد قالوا لك أيها المربي: انتبه فإنه منظور إليك.. فلتنتبه ولترتقي بنفسك ولا ترضى لها أن تكون طرفاً مشلولاً لا حراك فيه وهو كلٌّ على مولاه.
لذلك كان المربي المكون الأول في هذه المؤسسة ولا بد أن يعطى الاهتمام الكافي، ولا بد أن يختار بعناية فائقة؛ لأن العمل في هذا المجال من أخطر التخصصات إذ إنه يلامس الروح والفكر لا الجسد، لأن إيلام الجسد هين في حين أن اضطراب الفكر رهيب، ولذا لا بد أن يكون المربي قد تخرج من مدرسة القدوة الحية، وأن لا نتنازل عن هذا الشرط لأنه سيختصر لنا المسافات، ويخفف الأعباء.
ومن العناصر الأساسية في معادلة صناعة المربي:
العمق الإيماني: وهي منَ الصفات المهمة والأساسية التي لا غنى للمربي عنها، وقد كنا نقصر في صلتنا بالله، فلا نرى قلوبًا مفتوحة لنا، ولا آذانًا صاغيةً، تَستَقْبِلُ بِحُبّ ما نقولُه وما نفعلُه، والعكس عندما كنا نحسن الصلة بالله، فكان الله - عز وجل - يُبارِكُ في القليل، فيستجيب الصغار لنا أسرعَ مِمَّا نتخيَّل، يُصَلُّون، ويُذَاكِرون، ويحفظون القرآن الكريم، ويظهَرُ مِنْهُم حُسن خلق أثناء اللعب، وأثناء الفسح.
إن الصلاة في جماعة، خاصة صلاةَ الفجر، والمداومة على ورد القرآن، وأذكار الصباح، وأذكار المساء، وكثرة الاستغفار، والبُعْد عن المحرَّمات والشُّبُهات، والتحلي بالورع، َفِيهَا جميعًا الخيرُ والبركة في هذا المجال، فإرضاءُ اللَّه غايةٌ، ما مِن أحد إلاَّ ويتمنَّاها ويسعى إليها؛ لِينالَ الجنَّة في الآخرة والسعادة في الدنيا، ومَن أسعد في الدنيا مِن رجل له أبناء صالحون، يحسن تربيتهم فينالُ مِنْهُم بِرًّا ودعوةً صالحةً، نسأل الله ألا يَحْرِمَنا من هذه النعمة العظيمة.
سعة الاطلاع والثقافة: يجب على المربِّي الاطلاعُ عامَّةً، وعلى الإصدارات في مجال الطفولة بشكل خاص؛ فالمسلم مثقَّف الفِكر، والمربِّي أَوْلَى بذلك؛ ليستطيع تعليم الصغار، وتغذيتهم أولاً بأول بالمعلومات الجديدة والمفيدة في التفسير، وفي الحديث، وفي الفقه، وفي السيرة، وفي العقيدة، وفي أخبار المسلمين، وفي الآداب والأخلاق، وفي المعلومات الإسلامية والعامة.. إلخ.
فالصغار يسألون في كل شيء، وفي أيّ شيء، فإن عجز المربي عن الإجابة، أو تَكرر تَهَرُّبُهُ منهم سقط من نظرهم، ولجؤوا لغيره؛ يسْتَقُونَ مِنْهُ معلوماتِهم، قد يكون التليفزيون، وقد يكون شخصًا سيئًا، أو كتابًا فاسدًا، أو غيرَهُ، وليعلم المربي بأن التوقف عن الاستزادة في العلم والتجربة والخبرة معناه أن يأتي يوم من الأيام يفقد فيه المربي ذلك الرصيد من التأثير والفاعلية.
يقول محمد قطب في (منهج التربية الإسلامية 2/43-44): "ينبغي أولاً أن يحس الشخص الذي يتلقى التربية أن مربيه أعلى منه، وأنه منه بالطبيعة في موقف الآخذ المتلقي لا في موقف الند، ولا في موقف أعلى من موقف المتربي".
انتبه إنه منظور إليك: على المربي أن يراقب تحركاته وسكناته فهو قدوة ينتصب أمام تلامذته، فلا تنس نفسك؛ وانتبه إنه منظور إليك، ومراقب أنت ممن حولك، وعلى الأخلاق فلتحافظ بل وارتقي بها، واسعى لكمال درجاتها من المرؤة والورع والفتوة.