مع حلول موسم أعياد الديانة النصرانية يغرق العالم بمظاهر الزينة والاحتفال بالمناسبة، حتى أن بعض المسلمين باتوا يعتبرون مواسم أعياد الديانات الأخرى جزءاً من طقوس معيشتهم تحت مسمى الجيرة والتعايش بغض النظر عما تحمل من مفاهيم تنافس العقيدة والكثير من الأحكام الشرعية.
و إقامة غير المسلم لشعائره تحت جناح الدول الإسلامية أمر لم يعارضه الإسلام الحنيف بالرغم من الشركيات والمحرمات الموجودة في هذه الأعياد، لكن هل يعني انفتاح الإسلام على الديانات الاخرى الانخراط في طقوسها التي تتنافى وقيم ومبادئ وعقيدة الدين تحت ذريعة الاحترام والتعايش؟
بعض المسلمين باتوا يعتبرون مواسم أعياد الديانات الأخرى جزءاً من طقوس معيشتهم تحت مسمى الجيرة والتعايش بغض النظر عما تحمل من مفاهيم تنافس العقيدة والكثير من الأحكام الشرعية.
راوية عبد العزيز تعيش في أمريكا حيت تجبرها ظروف الدراسة على الإقامة هناك، لها علاقات كثيرة مع أصدقاء مسلمين وعرب، تعرب لـ"بصائر" عن ألم شديد ينتابها كل عام مع قرب عيد الميلاد حيث تتلقى الكثير من الدعوات للمشاركة في التزيين والولائم التي ستقام بمناسبة قرب الأعياد المسيحية؛ وللأسف فإن هذه الدعوات تأتي من عائلات مسلمة تعيش هناك، حتى أن أطفالها باتوا يطالبون بالمشاركة في هذه المهرجانات مع أصدقائهم.
تتسائل راوية؛ لماذا كل هذا الاندماج في مجتمعات تفرض علينا الظروف أن نكون ضمنها؟ ألسنا سفراء لأمتنا الإسلامية هناك؟ كثيراً ما يأتي عيدي الفطر والأضحى ولا أجد أحدا يعيش الفرحة فيهما معنا، ولا حتى غير المسلمين الذين نشاركهم نحن في تفاصيلهم الحياتية والاجتماعية!
وتتعجب هبة عمرو من مئات الصور التي ملأت حساباتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأطفال يرتدون ثياب "بابا نويل"، والصور الملتقطة مع الزينة التي انتشرت في غالبية المجمعات التجارية والأماكن العامة، حيث تقول: أنا لست ضد احتفال أية طائفة بأعيادها لكنني أعتبر هذه الحالة من الانغماس في أعياد لها طابع عقدي لدى طوائف أخرى الأمر الذي يساعد على تقبل أفكار مغلوطة ومنحرفة في ديننا.
الاحتفال.. والثقة بالنفس

الدكتور أحمد الشحروري يشير في حديثه الخاص لـ"بصائر" إلى أن الاسلام أسس لغرس الثقة في نفس المسلم. إذ إن ما يعيب هذا الجيل قلة الثقة بالنفس، وكما بين ابن خلدون في مقدمته فإن الأمة المنهزمة تتأثر بالأمة المنتصرة، وهذا ما يحصل تماماً الآن حيث ينبهر المسلمون بما لدى الغرب من علوم وحضارة وثقافات وينظرون لأمتهم بسلبية أنها لا تمتلك قراراً سيادياً وتفتقر للحضارة التي كانت معلما لها قبل قرون، حتى تآكلت الثقة بالنفس واستشعر الشباب أنهم بحاجة للتقليد من أجل إرضاء النفس وإشعارها بالحضارة.
ويضيف الدكتور الشحروري بأن الأسلوب الأمثل للقضاء على هذه المشاعر أن نربي الجيل على عقيدته السليمة وغرس الثقة بالله وشريعته في النفوس وتعميم مفهوم وماذا تعني كلمة (الله ربي ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي والإسلام ديني).
ويوضح الدكتور الشحروري أن الله عز وجل أمرنا بقوله تعالى: {وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا} بالانفتاح على مدنية الشعوب وسلوكها الاجتماعي وتطورها الحياتي وليس الانفتاح الثقافي بمعنى الأخذ منها والتأثر بها لأن الثقافة تعني الموروث العقدي والموروث الفكري لكل أمة، فالثقافة الإسلامية مأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية والتاريخ الاسلامي واللغة العربية، وكذلك ثقافات الأمم الأخرى فهي مأخوذة من كتبهم السماوية المحرفة وأعرافهم الفكرية التي تخصهم، ومن هنا يأتي تحريم الأخذ بما يشير إلى عبادات الديانات الأخرى؛ إذ ليس المطلوب أن نشارك غيرنا من غير المسلمين في قدسية أعيادهم الدينية، لكن المطلوب منا أن نجاملهم في أفراحهم ونهنئهم في هذه الأعياد على الصعيد الاجتماعي فيجوز لك أن تزور جارك في بيته وتسلم عليه لكن من غير الجائز أن تذهب إلى كنيسته وتشاركه صلاته، فديننا لا يجيز لي أن أقلد لكنه أباح لي أن أهنئ، كما على المسلم أن يتجنب تناول الأطعمة التي يصنعونها في الأعياد بصفة دينية كالبيض الذي يسلقونه ويغيرون لونه، وأيضا الكعك الذي يضيفون عليه الخمر ويعترفون بذلك.

أما الدكتور أمجد قورشة فأوجز للمسلم ما يجب عليه فعله في مثل هذه المواسم وغيرها بكلمات جميلة حيث قدّم الشكر لكل معتز بهويته الاسلامية قائلاً:
أشكرك لأنك لا تحتفل بأعياد غيرك!
إنه واجب شرعي أن تبرهم وتحسن إليهم وتكرمهم جيراناً وأصحاباً حيث إن
إكرامهم وحسن جيرتهم أمر إنساني وشرعي لا خلاف عليه.
لكن الاحتفال بالأعياد الدينية أمر عقدي!
وتساءل د. قورشة: أرأيت أحدهم يوزع الحلوى في ذكرى ميلاد الحبيب المصطفى؟
هل رأيت أحدهم يسابقنا صبيحة الأضحى لذبح الأضحية وتوزيعها بحسب السنة؟
هل رأيت أحدهم يبتهج بقدوم رمضان فيضع الهلال الكهربائي على جدار بيته؟
لذا لا تخلط أخي بين البر وحسن الجيرة الإنساني والشرعي، وبين أن تكون تابعاً في سلوك عقدي ديني!
وختم بسورة الإخلاص التي تعزز معنى التوحيد الذي يجب على كل مسلم أن يحققه في سلوكه، قال تعالى: {قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفُواً أحد}.