اليأس والقنوط.. ماركة مسجلة لأصحاب العزائم الضعيفة

الرئيسية » بصائر تربوية » اليأس والقنوط.. ماركة مسجلة لأصحاب العزائم الضعيفة
اليأس26

حالة نفسية تعتري الإنسان، يشعر فيها بالإحباط والتشاؤوم والانهزام، ويحكم على نفسه ومحيطه بالفشل والخسران، فلا نجاح لهذه الأمّة ولا نصر يُذكَر، ولا أمل بالنهوض يُنتظَر، فيتولد من ذلك عزيمة ضعيفة وإرادةٌ لينة لا تقوى على مواجهة أدنى تحدٍ أو خطر، فمن اتصف بما سبق فقد وصل لحالة من "اليأس والقنوط"، فما مظاهر اليأس والقنوط؟ وما هي أسبابه؟ وكيف السبيلُ لعلاجِه؟

بعض مظاهر هذه الآفة:

"من مظاهر اليأس والإحباط: التقليل من ثمرة بعض الانتصارات الجزئية وبعض الإنجازات الجماعية في مجال العمل الإسلامي"

1. القعود عن أداء الواجبات والعمل للإسلام وخاصة الدعوة والتربية، لاعتقاده أنّه لا فائدة ولا نتيجة من العمل.

2. الكلام السلبي الدائم، والتثبيط من عزائم المسلمين، والتخويف من عواقب الأمور.

3. سيطرة الخوف والهواجس من المستقبل القادم.

4. الثقة الزائدة بالأدوات والوسائل وترك التوكل على الله، وقد يصل الأمر لإنكار بعض الغيبيات والمعجزات.

5. الاعتقاد بأنّ أعداء الأمة قادرون على أن يفعلوا كل شيء، وأنّ لا شاردة ولا واردة إلا وتمر من خلالهم، فلا يخرج شيء عن إرادتهم أوتخطيطهم.

6. التقليل من ثمرة بعض الانتصارات الجزئية وبعض الإنجازات الجماعية في مجال العمل الإسلامي.

7. تعليق النصر بقدوم بعض علامات الساعة كالمهدي ونزول عيسى عليه السلام.

أسباب وبواعث اليأس والقنوط:

"من أسباب اليأس والقنوط الجهل بالطريق الموصل للنصر، والغفلة عن السنن والنواميس الكونية في الإخفاق والنجاح"

لليأس والقنوط أسباب كثيرة وبواعث عديدة، لكنّ أغلبها يعود لما يلي:
أولاً: سوء الظن بالله تعالى، بأن الله لن ينصر أولياءه أو يؤيدهم، قال تعالى: {.. الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، [الفتح:6].
يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- "فمن ظن بالله بأنه لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده، ويؤيد حزبه ويعليهم، ويُظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليه، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يُديل الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبداً، فقد ظن بالله ظن السوْء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله، وصفاته ونعوته".

ثانياً: كثرة النكبات والنكسات والهزائم في واقع الأمة، وسيطرة العدو على المقدرات والثروات والقرار السياسي والاقتصادي.

ثالثاً: عدم الاستفادة من تجارب الأمة السابقة لقلة الإطلاع على التاريخ، وخاصة حالات نجاح الأمة، ويتبع ذلك عرض التاريخ بطريقة مشوهة ومجتزأة، وإقناع المسلمين بأن تاريخهم هزائم وذل وخنوع.

رابعاً: تعليق العمل بالنتائج مما يؤدي لليأس عند حدوث الفشل، مع أننا مطالبون بالوسيلة والتخطيط الجيد لا بالنتيجة.

خامساً: الجهل بالطريق الموصل للنصر، والغفلة عن السنن والنواميس الكونية في الإخفاق والنجاح، وقلة العلم بمآسي هذا الطريق وعوائقه، والحاجة للصبر والأمل.

سادساً: حالة الهزيمة والذل التي تربى عليها أجيال كثيرة من المسلمين، ثمّ ورَّثوها لأبنائهم جيلاً بعد جيل وسط سيطرة حالة من اليأس والقنوط عليهم.

سابعاً: النظر لجوانب النجاح عند الأعداء، دون النظر لفشلهم، وتعثرهم في علاقتهم مع الله، أو التفكك الموجود في مجتمعهم وانتشار الجريمة وقلة الأمن، والتفرقة العنصرية، إلى غير ذلك من جوانب الفشل والانحدار.

الوقاية من اليأس والقنوط وعلاجه:

"من وسائل علاج اليأس والقنوط تعزيز وتشجيع التجارب الناجحة في الأمة، وتعظيم عملهم ودعمهم بكل الطرق والوسائل، والدراسة الموضوعية لكافة التجارب الفاشلة ومعرفة أسباب فشلها وطرق تجنبها"

بعد ذكر مظاهر وأسباب اليأس والقنوط، نأتي للوقاية منه أو علاجه، باتباع ما يلي:
1- حسن الظن بالله تعالى والمعرفة الحقة له سبحانه: عن طريق العلم النافع بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلّم- فهو المؤيد لعباده الناصر لهم ما داموا آخذين بأسباب النصر والتمكين، فلا شك في ذلك ولا ريب، قال تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون} [الصافات: 173].

2- العلم أن اليأس والقنوط من صفات الكفار والمنافقين، قال تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].

3- دراسة قصص الأنبياء وسيرة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- وأخذ الدروس والعبر منها، فقد مر جميع الأنبياء بضيق وشدة وكرب، ثم نجَّاهم الله تعالى ونصرهم كما وعدهم.

4- مراجعة التاريخ الإسلامي وتنقيته مما علق به من تشويهٍ وشبهاتٍ، ودراسة حالات النهضة التي عاشتها الأمة، وكيف كانت تفيق من غفوتها، وتقوى من بعد ضعفها، خاصة الغزو المغولي والصليبي، بالإضافة لمواقف العز والرجولة التي عاشتها الأمة الإسلامية على يد قادتها العظام.

5- القراءة في أسباب النهضة، والنواميس والسنن الكونية في النصر والتمكين، والأخذ بها.

6- توطين النفس على الصبر، والنفس الطويل في العمل في ميادين الدعوة والتربية والجهاد، والأخذ بكافة الوسائل والأسباب وعدم انتظار النتيجة؛ فعندما تتوافر أسباب النصر والتمكين يأتي به الله إن شاء.

7- أخذ العبرة من العدو وما يتخذه من أسباب النجاح؛ بالإضافة إلى جوانب فشله في كافة النواحي والمجالات.

8- تعزيز وتشجيع التجارب الناجحة في الأمة، وتعظيم عملهم ودعمهم بكل الطرق والوسائل، والدراسة الموضوعية لكافة التجارب الفاشلة ومعرفة أسباب فشلها وطرق تجنبها.

ختاماً... إنّ ما تمر به الأمة في أيامنا، من تكالب العدو، وتراجع محاولات الإصلاح والهجوم عليها من الظلمة بعث اليأس والقنوط للناس من النصر والتمكين، مما دفع كثيراً منهم للقعود عن العمل والتربية والجهاد، وأصبح مع الجمهور القاعد المتفرج على ما تمر به الأمة من مآسي؛ دون محاولة تغيير.

إن ما يدفعنا للعمل هو الأمل بنصر الله تعالى، فمهما طال الزمن وكثرت المآسي والأحزان، فكن على ثقة بأنّ الله منجز وعده لعباده المؤمنين.
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، [الأنبياء:105].

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
تربوي وإداري بخبرة تزيد عن خمسة عشر عاماً، حاصل على درجة الماجستير في الفقه وأصوله من جامعة اليرموك في الأردن، مدرس علوم اسلامية وشرعية، بالإضافة للعمل في عدد من المراكز والهيئات التربوية والدعوية المتنوعة، مدرس علوم قرآن وخبرة في تدريس التلاوة والتجويد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …