داء “الهجرة” في غزة .. حلم للنجاح يقود إلى الموت

الرئيسية » بصائر من واقعنا » داء “الهجرة” في غزة .. حلم للنجاح يقود إلى الموت
أبرز ما يدفع الشباب إلى الهجرة هو سوء الوضع الاقتصادي، والبطالة الفاحشة، وقلة الدخل أو انعدامه عند البعض، وعدم وجود فرص عمل، بالإضافة إلى الحصار المفروض على قطاع غزة
أبرز ما يدفع الشباب إلى الهجرة هو سوء الوضع الاقتصادي، والبطالة الفاحشة، وقلة الدخل أو انعدامه عند البعض، وعدم وجود فرص عمل، بالإضافة إلى الحصار المفروض على قطاع غزة
أبرز ما يدفع الشباب إلى الهجرة هو سوء الوضع الاقتصادي، والبطالة الفاحشة، وقلة الدخل أو انعدامه عند البعض، وعدم وجود فرص عمل، بالإضافة إلى الحصار المفروض على قطاع غزة

محمد الرنتيسي شاب غزي في العشرينات من العمر، وهو أحد المهاجرين على متن ما تعرف بــ"قوارب الموت"، أنهى دراسته الجامعية، وكان على قناعة بأنه لابد من الحصول على وظيفة. فعمل مع صديق عمره "ساجد حماد" على إنشاء الشركة الخاصة بهما وهي شركة "سجايا الإعلامية"، لكن خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة "حرب العصف المأكول" قُصف "الحلم" بعد أن كان "محمد" وصديقه يخططان لتوسيعها وتطويرها، إلا أن الاحتلال دمر أحلامهما بقصف مقر الشركة.

أنت إسلامي.. إذن ممنوع من السفر

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بات محمد بلا وظيفة، ولا عمل، وممنوع من السفر بالطرق الرسمية، حيث كان محمد في وقت سابق قد توجه بطلب رسمي لسفارة ألمانيا للدراسة هناك، وحصل على القبول من جامعة ألمانية للدراسة فيها، وشرع بتعلم اللغة الألمانية لمدة عام كامل إلى أن أصبح يجيدها، وبعد أن أنهى كل تلك الاستعدادات، جاء الرفض من السفارة في "تل أبيب" لسفره والسبب؟؟ انتماؤه للحركة الإسلامية!

الطموح أكبر من "قوارب الموت"

لم يقبل "محمد" وصديقه أن يجلسا عاجزين بجانب ركام شركتهم ينتظرون المساعدات، ولم يكن أمامهما أي خيارات أخرى سوى البحث عن طريقة تمكنهما من استعادة ما فقداه، فعقدا عزمهما على تحقيق حلمهما بالدراسات العليا بالخارج ليستلهما أملاً جديداً في إعادة بناء شركتهم بعد عودتهما، لكن وبسبب الحصار الخانق وإغلاق المعابر والرفض للسفر بالطرق الشرعية اختارا الطريقة الوحيدة البديلة المتاحة أمامهما في ظل "وعودات وردية"، وكان خيارهم هو شقّ طريق الهجرة عبر ما تعرف بــ"قوارب الموت "عن طريق البحر للوصول إلى تركيا.

و"قوارب الموت"، هي تسميات متداولة لمراكب صغيرة بدائية الصنع في الغالب تحمل المهاجرين غير الشرعيين عبر البحار، عمرها عشرات السنين مهترئة يستخدمها مهربون جشعون مرتبطون بشبكات إجرامية منظمة.

"محمد" وصديقه في عداد المفقودين

لكن كانت الفاجعة بتعرض القارب الذي كان يقل محمد وصديقه لهجوم من قبل "مجموعة من المصريين عددهم 6 أشخاص قاموا بصدم المركب بعد أن رفض المهاجرون الانتقال إلى مركب آخر مهترئ، فقاموا بقلبه وتناثر الركاب من نساء وأطفال ورجال وشباب في مياه البحر" بحسب روايات الناجين.
ويقول يوسف الرنتيسي –شقيق محمد- : "في البداية كان الجميع على قيد الحياة لأنهم يرتدون سترات النجاة، فتشبثوا ببعضهم وبدأت أصوات الأدعية وقراءة القران تسمع من جميع الأرجاء، وباتوا تلك الليلة وهم عائمين على سطح الماء ليبزغ الفجر على فاجعة غرق الأطفال والنساء نتيجة الإرهاق وارتفاع الأمواج وملوحة المياه".
وبات محمد وصديقه في النهاية من ضمن المفقودين بعد غرق مركبٍ أقلّهم مع مئات آخرين في عرض البحر وانقطع بهم الاتصال ولا أحد يعلم مصيرهم إلى الآن.

دوافع الهجرة

"د. ماهر السوسي: إذا كان السفر ليس بنية ترك الوطن ولا بنية الإقامة المؤبدة في بلاد غير المسلمين فلا مانع من ذلك"

الدكتور ماهر السوسي أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة، قال في حديثٍ لــ"بصائر": "إن أبرز ما يدفع الشباب إلى الهجرة هو سوء الوضع الاقتصادي، والبطالة الفاحشة، وقلة الدخل أو انعدامه عند البعض، وعدم وجود فرص عمل، بالإضافة إلى الحصار المفروض على قطاع غزة والذي يحد من حركة الشباب وخصوصا الذين يحبون السفر أو الذين يريدون أن يكملوا تحصيلهم العلمي في الخارج".

وتابع: "كما أن الحروب المتكررة التي يتعرض لها قطاع غزة بين الفترة والأخرى خصوصا السبع سنوات الأخيرة التي شهدت ثلاثة حروب متوالية، كل ذلك يشجع الشباب على الهجرة نظرا لعدم وجود الاستقرار والأمن".

وأردف قائلاً: "قد تسوء العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والأزواج، أو بين الآباء وأبنائهم والعكس فيفضلون ترك البلاد والهجرة إلى أماكن أخرى حيث يظنون أنهم قد يجدوا متنفسا فيها".

لا مانع من الهجرة

وأشار السوسي إلى أن الإنسان ليس ممنوعاً من الهجرة من أجل تحصيل مصالح له، مشدداً على أن الكثير من الآيات التي وردت في القرآن الكريم حثت على السعي في الأرض والتفتيش في مناكبها عن الرزق والتعليم والعمل وعن كل شيء فيه مصلحة للإنسان، مستدلاً بقوله تعالى {قل سيروا في الأرض...}، وقوله تعالى {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها} أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات.

وقال السوسي: "لا مانع في الإسلام من أن يسافر الإنسان، حيث كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا بعد انتشار الإسلام في بلاد كثيرة غير مكة والمدينة حيث نشؤوا فيهما، وعلى ذلك إذا كان السفر ليس بنية ترك الوطن ولا بنية الإقامة المؤبدة في بلاد غير المسلمين فلا مانع من ذلك".

وأضاف أن السفر مباح لهدف، ولم يقل أحد من علماء المسلمين بالمنع من السفر حتى إذا كان للترفيه أو السياحة في الأرض.

وأكد السوسي أن السفر الممنوع هو الذي يكون بنية الإقامة في بلاد غير المسلمين وعدم الرجوع إلى بلاده هذا هو السفر الذي منعه الإسلام لأن فيه فتنة في الدين وضياع وتفريغ أرض بلاد المسلمين وتركها.

د. السوسي: "ينبغي على الشباب أن يعلموا أنهم مكلفون بحماية هذه الأرض شرعا، وأن من يحرس هذه الأرض ضمن له الرسول عليه السلام الجنة، وأن الأزمات والحروب التي يمر بها الناس هي ابتلاء، والابتلاء هو سنة في هذا الكون"

وحث السوسي الشباب على الرباط وعدم الهجرة، مستشهدا بالحديث الشريف: "عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله".

وأضاف أنه ينبغي على الشباب أن يعلموا أنهم مكلفون بحماية هذه الأرض شرعاً، وأن من يحرس هذه الأرض ضمن له الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة، وأن الأزمات والحروب التي يمر بها الناس هي ابتلاء، والابتلاء هو سنة في هذا الكون وأن الله إذا كتب لأحد أن يبتلى سيبتلى في أي أرض، مشيرا إلى أن القضية ليست متعلقة بغزة أو ببقعة ما من بقاع الأرض بل الأمر يتعلق بالإنسان نفسه".

كيف يمكن توعية الشباب؟

وأشار السوسي إلى أن توعية الشباب بخطر الهجرة تحتاج إلى جهد كبير وينبغي لهذا الجهد أن يصدر عن فئات متعددة أولها وسائل الإعلام فلها الأثر الخطير في نفوس الناس، وتقوم بدور كبير في التثقيف والتوعية، وعلى ذلك ينبغي أن تتناول وسائل الإعلام خطر الهجرة وأضرار تفريغ البلاد وإقامة الشباب في بلاد الكفر، وماذا يعود عليهم في الدنيا والآخرة وأن تبين أن الإنسان لا قيمة له إلا ببلده ووطنه.

كما أن الجهات الرسمية مكلفة بذلك بما تملكه من مؤسسات لها علاقة بالمجتمع كالمدارس والجامعات، ينبغي أن يكون لها دور في نشر الوعي والثقافة في حب الوطن والالتصاق بالأرض، إضافة إلى المؤسسات المدنية والنوادي لما لها من دور في هذا المجال بالإضافة إلى الأسرة حيث ينبغي أن تقوم بكل ما فيه ربط ما بين الإنسان وبين الأرض التي نشأ عليها، أيضا العلماء والواعظين وأئمة المساجد ومنابر الجمعة هذا كله له أهمية في هذا الأمر.

رسالة للشباب

د. أحمد الرنتيسي: "هجرة الشباب تمثل شيخوخة للمجتمع بشكل مبكر وفقدانه لطاقاته العقلية والإمكانات الشابة خاصة وأن وضع غزة يحتاج للرجال ليحفظوا أرضهم من العدو الصهيوني"

وفي سياق متصل، قال الدكتور أحمد الرنتيسي أستاذ الخدمة الإجتماعية في الجامعة الإسلامية بغزة لـ"بصائر": "إن مشكلة هجرة الشباب هي مشكلة قديمة حديثة ولها عدة أسباب قد تكون نتيجة الضغوط النفسية التي يتعرض لها الشباب في قطاع غزة المحاصر من قبل الاحتلال الصهيوني منذ ما يقارب من ثماني سنوات، موضحاً أن الشباب لديهم أحلام وطموحات يريدون تحقيقها وقد يكون هذا الحلم هو الحصول على فرصة عمل يؤمن خلالها الشاب مستقبله ويعيش في حياة كريمة مستقرة.

وأكد الرنتيسي أن هجرة الشباب تؤثر بشكل كبير جدا على المجتمع الغزي خاصة أننا نتكلم عن طاقات شابة وعقول نيرة تمثل عماد ومستقبل هذه الأمة، مبيناً أنه إذا هجرت الطاقات الشابة التي تسافر لأماكن تلقى الاحترام والقبول والتحفيز والدعم، سيمثل ذلك شيخوخة المجتمع بشكل مبكر وفقدانه لطاقاته العقلية والإمكانات الشابة خاصة وأن وضع غزة يحتاج للرجال ليحفظوا أرضهم من العدو الصهيوني.

من يتحمل المسؤولية؟؟

ولفت الرنتيسي إلى أن المهاجر ذاته هو من يتحمل مسؤولية هجرته بالإضافة إلى أسرته؛ لأن هناك الكثير من الشباب عندما هاجروا استشاروا أهلهم فأعطوهم القبول.

بالإضافة إلى أصحاب القرار والجهات الحكومية في قطاع غزة؛ لأنهم المسؤولون عن توفير فرص عمل واحتضان وتشغيل الشباب في المشاريع سواء كان تشغيلاً مؤقتاً أو دائماً، وفتح الآفاق أمام الشباب للتطوير والاختراع والابتكار.

احذروا الأيادي الخفية

الرنتيسي: "الاحتلال الصهيوني معني بهجرة الشباب وهناك عبارة مشهورة يرددونها منذ مئات السنين وهي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"

وحذر الرنتيسي شباب غزة من ما أسماهم بــ"الأيادي الخفية" التي تقف وراء هجرة الشباب، موضحا أن هناك جهات معنية تقف خلف هجرتهم، فالاحتلال الصهيوني معني بهجرة الشباب وهناك عبارة مشهورة يرددونها منذ مئات السنين وهي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.

ونوه إلى أنه يجب الارتقاء بالتعليم وتطوير المؤسسات التعليمية، وقال الرنتيسي: "أنا لا أمانع الهجرة ولكن الهجرة الشرعية التي تكون بهدف العمل أو الدراسة ثم العودة إلى الوطن، مستدركا "أما الهجرة المستمرة والدائمة أنا ضدها ولست معها".

وقال: "يجب على الإنسان أن يصبر ويحاول أن يطور نفسه بنفسه ويرتقي بأدائه ومهاراته وبوظائفه ودوره، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الشباب تركوا أعمالهم لسبب ما فأنشؤوا عملاً مستقلاً ونجحوا فيه وأصبحوا مدراء لهذا العمل يديرونه بأنفسهم، وقاموا بتشغيل العديد من الشباب.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

الزواج وقت الحروب وفي مخيمات اللاجئين

يا عباد الله جئناكم نُهَنِي فاسمعوا إن شرع الله في الأفراح أن تتمتعوا لا بفحش …