ترسل القدس رسالة إلى كل من راهن على انقطاع شريان الدم العربي الذي يغذيها واستسلامها لمساعي التهويد التي نخرت حوائطها بأنها لا تزال تشتم الأمل من خلال تلك السواعد التي تنتقم في كل يوم من كل ظالم حاول أن يطغى على طهارة المكان.
فعمليات الدهس والطعن التي أوجعت الاحتلال خير شاهد، خصوصاً أنها جاءت عقب سنوات من السيطرة الصهيونية وسياساتها المتجسدة بتغييب الهوية الفلسطينية وطمسها وهدم البنية التعليمية وتسهيل أجواء الانحراف للشباب ظناً منها أن الرّحم الفلسطينية ستفشل في إنجاب مقاوم يوما ما.
شهد العام 2014م الكثير، اقتحامات شبه يومية للمسجد الأقصى شارك فيه أعضاء من الكنيست الصهيوني، دعوات لتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، تنكيل وهدم وايذاء للمقدسيين بكافة الوسائل، الاعتقالات في القدس طالت حتى أطفالا دون عمر السنتين! وبالرغم من كل هذا يبدو أن القدس ستكون مفجرة الانتفاضة الثالثة.
بصائر التقت الدكتور اسحق الفرحان رئيس ملتقى القدس الثقافي الذي تفاءل بأن هذه الهبة ستكون بداية النهاية للكيان الغاصب والجاثم على أراضينا المحتلة؛ فكان معه الحوار التالي:
بصائر: هل نحن أمام انتفاضة جديدة؟ أو هل دخلنا عهد انتفاضة سكاكين القدس 2014م؟ كيف تفسر التفجر المقدسي الراهن؟
د. الفرحان: أنا متفائل بأننا نقف على أبواب انتفاضة جديدة؛ إذ طال عهد الاحتلال في فلسطين والضفة الغربية منذ عشرات السنين على أرض ليست أرضه ووطن ليس وطنه؛ وهي تزيد في التعنت والاستيطان والمفاوضات غير المفضية إلى أي نوع من التفاهمات أو النتائج، نحن على أبواب انتفاضة جديدة وعلى أبواب مقاومة لن تنتهي إن شاء الله إلا بنهاية الاحتلال الصهيوني على الأقل في المرحلة القادمة بالضفة والقدس.
بصائر: المسجد الاقصى في حالة تدنيس وإخلاء وتهويد مستمرة؟ ما الكلمة التي توجهها لكل من السيادة الأردنية، المرابطون في القدس، العالم العربي والإسلامي؟
د. الفرحان: المسجد الأقصى بحسب الاتفاقيات يعتبر تحت وصاية الأردن وحمايتها، ولكن الكيان الصهيوني لم يحترم أي نوع من هذه الاتفاقيات العربية أو الاتفاقيات مع الحكومة الأردنية ولذلك هم يسيئون لهذه العلاقات (التي لا نقرها كوطنيين لا في الأردن ولا في فلسطين؛ ومن هنا أوجه كلمتي للأردن بضرورة قطع العلاقات مع الكيان حتى تحقيق الانسحاب التام في القدس والضفة الغربية، إذ ليس هناك أية علاقة مثمرة في الدبلوماسية التي استمرت عشرات السنوات ولم تفضي إلى أية نتائج إيجابية.
د.الفرحان: نحن على أبواب انتفاضة جديدة وعلى أبواب مقاومة لن تنتهي إن شاء الله إلا بنهاية الاحتلال الصهيوني
أما كلمتي للمرابطين في فلسطين فعليهم أن يستمروا بالمقاومة على القدر الذي يستطيعونه، سواء أهل القدس أو الضفة أو إخواننا في 48، فإلى أن ينسحب هذا الاحتلال يجب أن تبدأ المقاومة بداية جديدة تؤتي أكلها بإذن الله، وأنا أتصور أن بداية انتفاضة حقيقية يعني أن الاحتلال الاسرائيلي لن يمكّن أكثر من بضع سنين، والبضع ما بين (3-9) سنوات، وان شاء الله لن يبلغ السنة العاشرة إلا وهو زائل.
وأقول للعالم العربي والاسلامي بأن الدور المنوط بهم تجاه القضية الفلسطينية ملخصة بما يلي:
أولا: التربية البيتية الإسلامية: علينا أن نثقف ونذكر أبنائنا وبناتنا من صغرهم إلى شبابهم بالقضية الفلسطينية على أنها قضية فلسطينية عربية إسلامية دولية عالمية إنسانية، يجب أن يترسخ هذا المفهوم في ذهن الجيل القادم.
ثانيا: على المؤسسات التي تعنى بالشأن الفلسطيني وعددها يزيد على المئة في العالم الإسلامي وأكثر من خمسة عشر منها في الأردن؛ عليها أن تنسق الجهود فيما بينها وأن تصدر بياناتها ومعلوماتها وتطرح جديدها دائما على الرأي العام.
ثالثا: على الإعلام العربي والإسلامي وعلى الجرائد والإذاعات والفضائيات أن تخصص أوقاتا وملاحق وزوايا يومية للقضية المقدسية، أو على الأقل أسبوعيا، وذلك لغايات التوعية المستمرة بهذا الصدد.
رابعا: علينا أن نعضد إخواننا المجاهدين في فلسطين والذين هم في قلب المعركة ماديا ونفسيا ومعنويا حتى يتمكنوا من الوقوف أمام الغاصب والمقاومة بشكل فاعل.
د. الفرحان: كلمتي للمرابطين في فلسطين عليهم أن يستمروا بالمقاومة، وأنا أتصور أن بداية انتفاضة حقيقية يعني أن الاحتلال لن يمكّن أكثر من بضع سنين، والبضع ما بين (3-9)، وان شاء الله لن يبلغ السنة العاشرة إلا وهو زائل
بصائر: الصهاينة لا يحترمون مطلقاً دور العبادة وينتهكون حرماتها، وهم الآن يدينون عملية أبو جمل التي جاءت ردا على مئات المجازر بحق الأقصى والمقدسيين، بل قام العالم كله ليدينها، كيف تقرأ رد فعلها للأحداث؟
د. الفرحان: الصهاينة لن يألوا جهداً في الإساءة إلى فلسطين والمقدسات، وهذا يستدعي منا جهوداً مضاعفة لردع هذا الوضع الاحتلالي، هو لا يراعي قيم ولا آداب ولا أخلاق، لا في السياسة ولا في ثقافات المجتمع ولا في العقيدة، يسانده إعلام متحيز للصهيونية، روّج على أن الحاخامات الصهاينة الذين قتلوا كانوا نساكا في كنيس، وغضوا الطرف عن التدنيس اليومي الذي يحدث للمسجد الأقصى وما يجري من إحراق لمحتوياته والعبث فيه والدخول الهمجي لمصلياته وباحاته معتبرينه هيكل سليمان قبل خمسة آلاف عام بحسب زعمهم! وكأنهم يريدون لدور العبادة الإسلامية أن تكون دور عبادة مشتركة ويعملون على تبرير اقتسامها زمانياً ومكانيأ.
بصائر: الرباط على ثغر من ثغور الإسلام فيه عظيم الأجر والمثوبة، فما حال الرباط حول المسجد الأقصى، وما جاوره من أرض مباركة، وما هي سمات المرابط؟
د. الفرحان: المرابطون هم من حول الأقصى وهم من جاوره من مدن وقرى فلسطين وما حول فلسطين من عرب ومسلمين جزاهم الله خيرا وقواهم ونصرهم، ولكن أيضا كل من يتبرع للمسجد الأقصى وللمقاومة مادياً ومعنوياً وإعلامياً وسياسياً يعتبر إن شاء الله له أجر معين في الرباط بهذا المسجد المبارك.
د. الفرحان: كل من يتبرع للمسجد الأقصى وللمقاومة مادياً ومعنوياً وإعلامياً وسياسياً يعتبر إن شاء الله له أجر معين في الرباط بهذا المسجد المبارك
بصائر: جدلية الهيكل وإقامته على أنقاض الأقصى كيف تفسره؟ وهل هذه النظريات قابلة لتكون في يوم ما (لا قدر الله) حقيقة؟ وكيف يمكننا أن نتفادى تسجيل كارثة كهذه في التاريخ العربي الإسلامي ونقف حيال حدوثها؟
د. الفرحان: المسجد الأقصى ليس الحجارة التي نراها، المسجد الأقصى هو البقعة المباركة التي شرفها الله ويقوم على بعضها هذا المسجد الذي بني عبر العصور الإسلامية ويجدد بين الفينة والأخرى ويوسع، لكن حدود المسجد الأقصى كل ما هو داخل 140 دونم، ومن يصلي في هذه المساحة من الأرض فهو يصلي في الأقصى، أملنا كبير في المرابطة والمرابطين ودوام التوعية بحقوقنا وجعلها أولوية لنا كأفراد وأسر ومجتمعات سيحول دون أية محاولة للهدم، إن كانت هناك تحركات وهبات شعبية وسياسية فاعلة، ونسأل الله أن تعود لهذه الأمة وحدتها العربية ولحمتها بعد حالة عدم الاستقرار والخريف العربي الذي تحياه، من أجل تكاتف فاعل للوقوف مع القضية الفلسطينية والذب عن المسجد الأقصى المبارك.