مساعدة الأصدقاء .. قربة منسية

الرئيسية » بصائر تربوية » مساعدة الأصدقاء .. قربة منسية
مساعدة الآخرين

لا شك بأن الله قد خلقنا مختلفين ولسنا على قلب واحد أو لسان واحد أو شكل واحد وكذلك فضّل الله الناس بعضهم على بعض كلاً حسب بيئته وثقافته وعلمه وما يستطيع وما لا يستطيع، وقسم بينهم الأرزاق، فمنهم من يكد ليل نهار ولكنه لا يُحَصِّل إلا ما يقتات به هو ومن يعيل، ومنهم من يأتيه رزقه أضعافاً مضاعفة وهو لايزال يلعب بين يدي أمه التي أنجبته قبل أشهر معدودة، فتجده قد ورث أو قسم له أبوه من رزقه دون جهد أو تعب منه أو سعي للرزق حتى، هذا فضل الله يؤتيه من يشاء وكيف يشاء، وفي هذا بلا شك ابتلاء وامتحان، ابتلاء لمن أعطاه الله، وابتلاء لمن حرمه الله.

وطالما أن الأرزاق بيد الله، ولكل مجتهد نصيب، وطالما أن البشر تفاضلوا في عقولهم وأجسامهم، فأكيد سيحصل هناك اختلاف بينهم وتفاوت فيما بينهم من الغنى والفقر، فليعلم الغني أنه ما زاد ماله باجتهاده فقط، بل زاد بتوفيق من الله وليشكر الله على ما أعطاه إياه من النعم التي أوصلته إلى هنا، فقد يظن البعض أن اجتهاده ودرجة علمه أوصلته لما هو عليه من الرزق والغنى، ونسي أن يشكر الله الذي أعطاه عقله، ونسي أن يشكر الله الذي هيأ له الظروف ليصل هاهنا، فلو توفي والده وهو صغير فلعله لم يستطع أن يكمل تعليمه، ولو حصلت حرب في منطقته فلعله خسر كل ماله، ولو فقد الأمان حوله فلعله سرق أو قتل لأجل دراهم، ولو رفع الله بركته من رزقه لبات يعد المال عدا ولا ينعم به البتة وغير ذلك من الظروف التي حصلت مع غيره فبات يقضي ليلته وهمَّ فقره سوياً.

"من الأخلاق المطلوبة في وقتنا أن ينظر المؤمن لمن حوله ممن يعرفهم ويتفقد أحوالهم، وأن يقف معهم وقت بلائهم ومحنتهم، سواء أكانوا محتاجين أم لا، وسواء أكانت المشاركة بالمال أم بالشعور والموقف"

ونحن اليوم بفضل من الله ونعمة نشكره تعالى أن هدانا للإسلام، وطالما أننا مسلمون فيجب علينا أن نتبع ما أمر به الله وما وصى به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكل ما أوصى به نبينا يصب في مكارم الأخلاق ومحاسنها، وكل ما نهى عنه يبعدنا عن أراذل الأخلاق وسيئها؛ ومن هذه الأخلاق أن ينظر المؤمن لمن حوله ممن يعرفهم ويتفقد أحوالهم وأن يقف معهم وقت بلائهم ومحنتهم، سواء أكانوا محتاجين أم لا، وسواء أكانت المشاركة بالمال أم بالشعور والموقف؛ ففي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، بل إن الله ذكّر نبيه بهذه النعمة قائلاً له: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين}، وجعل الله رباط المؤمنين وثيقاً فقال: {إنما المؤمنون إخوة}، وكذلك: {وألّف بين قلوبهم}، ونهانا عن العصبية والجاهلية وجعل علامة الصلة هي الإيمان، فالمؤمن مقرب على الكافر ولو كان ذا قربى، ولكن الإسلام أعطى لكل حقه، فالمؤمن ذي القربى أقرب من المؤمن غير ذي القربى، والمؤمن الجار أقرب ممن هو أبعد وهكذا، فقد قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنُب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً}.

من هنا على المؤمن أن يتأمل جيداً وينظر ويعرف كذلك، فالرغيف إذا اقتسمه مع أخيه فهو قد حقق معنى من معاني هذا الدين، وتحقيق المعنى غير معرفته، فليس كل من صلى يعتبر مصلياً، وليس كل من حجَّ يعتبر حاجاً، فالعبادات تعرف بمعانيها، ولا تؤتي ثمرتها إلا إذا أثرت على حقيقتنا وقلوبنا، وكذلك معاني الأخوة ومعاني رباط الإيمان، لن يؤمن شخص جاءه أخوه محتاجاً وهو يستطيع أن يساعده ولكنه رفض شحاً وبخلاً، فالله عندما امتدح الأنصار قال عنهم: {والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.

وكم من أخ كان موسراً ذات يوم وإذا به فقيراً يسأل الناس، وكم من أخ خسر تجارته وانقلب به الزمن فقيراً معدماً، وكم من أخ أعطى وقدم إلا أنه أصبح محتاجاً ذات يوم.

راجع حساباتك جيداً، انظر ما بين يديك من المال، كم تستطيع أن تخرج منه لإخوانك، ثم ابدأ وتذكرهم واحداً واحداً، فإن من كان منهم مديناً بان همه، ومن كان معسراً بان عوزه، ومن كان محتاجاً بان انكساره، وتستطيع أن ترى منهم المقبل على زواج، أو الذي وقع في محنة، ومن هو محتاج للعلاج، اعرض عليه وأعطه دون أن يعلم لو تستطيع، فليس المهم أن يعرف هو أنك أعطيته، بل المهم أن يعلم الله إخلاص ما أعطيت، ودُلَّ الآخرين عليه واسْعَ في حاجة أخيك، فإنه من يَسْعَ في حاجة أخيه سعى الله في حاجته، وإياك والتلميحَ من قريب أو من بعيد عن أي موقف وقفته ذات يوم مع أحد إخوانك، فلعلك تجرحه أو تؤذيه، ولعلك تبطل حسنتك، ولا تنظر لها على أنها صدقة، بل انظر لها على أنها واجب مطلوب منك.

حدثني أحدهم قائلاً: لقد عرفت شعورَ أن يقف الأخُ معك حين تَزَوّجْتُ، فقد راسلني أحد إخواني والذي كانت تربطني به علاقة جيدة، وكان مسافراً يومها، وصدقاً لقد كنت محتاجاً لأي مبلغ من المال، ولكنني لا أستطيع أن أطلب من أي شخص كان، دفعا للحرج، وإذ به يراسلني ويطمئن على حالي، ومن ثم عرض علي مساعدة إن كنت محتاجاً، فتمنعت مخبراً إياه بأن أموري على أحسنها، ولكنه قال: أنا أعرفك وأعرف تكاليف الزواج، يوجد معي مبلغ من المال زائد عن حاجتي، وسأعطيه لك لأجل زواجك، وأصر على ذلك وفعلاً عندما عاد من سفره قَدِمَ إلي مباشرةً ليكتب لي "شيكاً" بالمبلغ، يومها اغرورقت عيناي بالدمع وأنا أقول: هذا معنى أن يكون لك (إخوة).

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الأخوة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …