نحو تربية ربانية .. في ظلال آية (2)

الرئيسية » خواطر تربوية » نحو تربية ربانية .. في ظلال آية (2)
user49357_pic6867_1238694207

(أومن كان ميتا فأحييناه، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها..)، سورة الأنعام آية (122).

وما الكافر؟

إن هو إلا نبتة ضالة لا وشائج لها وفي تربة هذا الوجود ولا جذور.. إن هو إلا فرد منقطع الصلة بخالق الكون، فهو منقطع الصلة بالوجود. لا تربطه به إلا روابط هزيلة من وجوده الفردي المحدود، في أضيق الحدود. في الحدود التي تعيش فيها البهيمة. حدود الحس وما يدركه الحس من ظاهر هذا الوجود.

إن الصلة بالله، والصلة في الله، لتصل الفرد الفاني بالأزل القديم والأبد الخالد. ثم تصلة بالكون الحادث والحياة الظاهرة.. ثم تصله بموكب الإيمان والأمة الواحدة الضاربة في التاريخ.. فهو في ثراء من الوشائج.. والروابط.. ولا يقف عند عمره الفردي المحدود.

يجد الإنسان في قلبه هذا النور، فتتكشف له حقائق هذا الدين، ومنهجه في العمل والحركة، تكشفا عجيبا. إنه مشهد رائع باهر هذا الذي يجده الإنسان في قلبه حين يجد هذا النور.. مشهد التناسق الشامل العجيب في طبيعة هذا الدين وحقائقه. ومشهد التكامل الجميل الدقيق في منهجه للعمل وطريقته.

إن هذا الدين لا يعود مجموعة معتقدات وعبادات وشرائع وتوجيهات.. إنما يبدو "نظام رباني" (1).. واحدا متداخلا متراكبا متناسقا.. يبدو حيا يتجاوب مع الفطرة وتتجاوب معه في ألفة عميقة.. وفي حب ودود.

ويجد الإنسان في قلبه هذا النور، فتتكشف له حقائق الوجود، وحقائق الحياة، وحقائق الناس، وحقائق الأحداث التي تجري في الكون وتجري في عالم الناس.. تتكشف له في مشهد رائع باهر.. مشهد السنة الدقيقة التي تتوالى مقدماتها ونتائجها في نظام "رباني" (2).. محكم ولكنه فطري ميسر.. مشيئة "الله" (3).. القادر من وراء السنة الجارية تدفع بالسنة "والله" (4).. من ورائها محيط "قادر، فعال لما يريد ويقدر" (5).. مشهد الناس والأحداث وهم في نطاق النواميس.

يجد الإنسان في قلبه النور فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث.. يجد الوضوح في نفسه ونواياه وخواطره وخطته وحركته. يجد الوضوح فيما يجري حوله سواء من سنة الله النافذه، أو من أعمال الناس ونواياهم وخططهم المستترة والظاهرة.. كأنه يقرأ من كتاب..

يجد الإنسان في قلبه هذا النور، فيجد الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه. يجد راحة في باله وحاله ومآله. يجد الرفق واليسر في ايراد الأمور وإصدارها، وفي استقبال الأحداث واستدبارها. يجد الطمأنينة والثقة واليقين في كل حال وفي كل حين.. هكذا يصور القرآن الحقيقة –العبودية لله وحده-.. أومن كان ميتا فأحييناه، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها..

أفمن نفخ الله في روحه الحياة، وأفاض في قلبه نورا، كمن حاله بالظلمات، ليس بخارج منها.. فمن يمسك بمن في الظلمات والنور حوله يفيض.. "كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون".

هو السر أن هناك تزيينا للكفر والظلمة والموت. والتزيين "يتولاه الشيطان".. "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا".

والقلب الذي ينقطع عن الحياة والإيمان والنور، يسمع في الظلمة للوسوسة، ولا يرى ولا يحس ولا يميز الهدى من الضلال في ذلك الظلام العميق.. "كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون".

من كتاب صاحب الظلال السيد الشهيد -شهيد القرآن- سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة.

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------

(1) وردت كلمة "تصميما".

(2) رباني أضيفت للنص للتوضيح.

(3) الله أضيفت.

(4) "قادر، فعال لما يريد ويقدر" أضيفت.

(5) سورة الأنعام آية (112).

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الإيمان
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

    ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …