نحو تربية ربانية.. في ظلال آية (1)

الرئيسية » خواطر تربوية » نحو تربية ربانية.. في ظلال آية (1)
8169735227_bbccc1b431

(أومن كان ميتا فأحييناه، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها..) آية 122 من سورة الأنعام.

إن هذه الآيات في تصوير طبيعة الهدى وطبيعة الإيمان إنما تعبر تعبيرا حقيقيا واقعيا عن حقيقة واقعية.. أن نوع الحقيقة التي تعبر هذه الآيات عنها هو الذي يقتضي هذه الايقاعات التصويرية. فهي حقيقة، نعم.. ولكنها حقيقة روحية وفكرية. حقيقة تذاق بالتجربة. ولا تملك العبارة إلا أن تستحضر مذاق التجربة ولكن لمن ذاقها فعلا.

إن هذه العقيدة تنشيء في القلب حياة بعد الموت، وتطلق فيه نورا بعد الظلمات. حياة يعيد بها تذوق كل شيء، تصور كل شيء، وتقدير كل شيء بحس آخر لم يكن يعرفه قبل هذه الحياة. ونورا يبدو كل شيء تحت أشعته وفي مجاله جديدا كما لم يبد من قبل قط لذلك القلب الذي نوره الإيمان.

هذه التجربة لا تنقلها الألفاظ. يعرفها من ذاقها: "والكلمة" القرآنية هي أقوى "كلمة" تحمل حقيقة هذه التجربة. لأنها تصورها بألوان من جنسها ومن طبيعتها.. (1)

إن الكفر انقطاع عن الحياة الحقيقية الأزلية الأبدية، التي لا تفنى ولا تغيض ولا تغيب. فهو موت.. وانعزال عن القوة "المدبرة" للوجود كله.. فهو موت.. وانطماس في أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية.. فهو موت.. "أومن كان ميتا..". (3،2)

والإيمان اتصال، واستمداد، واستجابة.. فهو حياة.. "فأحييناه، وجعلنا له نور..". (4)

إن الكفر حجاب للروح عن الاستشراف والاطلاع.. فهو ظلمة.. وختم على الجوارح والمشاعر.. فهو ظلمة.. وتيه في التيه وضلال في "ضلال".. فهو ظلمة "في ظلام".. (5)

وأما الإيمان تفتح ورؤية، وإدراك واستقامة.. فهو نور بكل مقومات النور.. "وجعلنا له نورا".

إن الكفر انكماش وتحجر.. فهو ضيق.. "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء".. (6).. وشرود عن الطريق الفطري الميسر.. فهو عسر.. وحرمان من الاطمئنان إلى الكنف الآمن.. فهو قلق.. وإن الإيمان انشراح ويسر وطمأنينة وظل ممدود.. "ألم نشرح لك صدرك".. "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام "... (8،7)

وما الكفار؟ وإلى حلقة قادمة

  • من كتاب صاحب الظلال الشهيد سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة. سورة الأنعام آية 122.

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1- وردت في الظلال "العبارة القرآنية".

2- وانعزال عن القوة "الفاعلة المؤثرة" في الوجود كله كما في الظلال.

3- "أومن كان ميتا.." الآية.. أضيفت للتوضيح.

4- "فأحييناه، وجعلنا له نور..".. أضفيت للتوضيح.

5- "ضلال".. "في ظلام" أضيفت.

6- "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء" الآية 125 من سورة الأنعام.

7- "ألم نشرح لك صدرك" آية (1) من سورة الانشراح.

8- "فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام "..آية 125 من سورة الأنعام.

.. وأستميحك يا إمام الكلمة وشهيدها أن استدرك على كلماتك ونظمك، بل لحبي لك وشوقي لمدارج الشهداء والسالكين بنور الإيمان، ولإسكات أفواه ما فتئت تلعق دماء الشهداء تمضغ لحموهم..

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الإيمان
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

    ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …