أشرنا في المقال السابق إلى مصادر الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، والذي يعتبر الأساس في مواقفها تجاه القضايا والأمور السياسية والحياتية.
موقفها من الدولة
لا تختلف حماس عن جماعة الإخوان المسلمين في رؤيتها للدولة، وفي تحديد وظيفتها، ووجوب إقامتها. فالدولة في الفكر الإسلامي "أداة ضرورية" لتنفيذ أحكام الشريعة، وحراسة الدين، وتحقيق مصالح المجتمع وسياسة أفراده. ولأنها كذلك، وحيث لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، جعلت حماس مقاومة الاحتلال، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية على رأس مهامها الدعوية والسياسية.
"تدعو حماس إلى إقامة دولة "إسلامية"، ولا تدعو إلى إقامة دولة "دينية"، و ترفض فكرة فصل الدين عن الدولة، وتراها فكرة غربية مستحدثة"
ومن هذا المنطلق، تدعو حماس إلى إقامة دولة "إسلامية"، ولا تدعو إلى إقامة دولة "دينية". وفي هذا السياق ترفض فكرة فصل الدين عن الدولة، وتراها فكرة غربية مستحدثة، تنبع من تجربة خاصة لا علاقة للبيئة العربية والإسلامية بها. وفي المقابل، تدعو إلى فكرة "الشمول" التي تجمع بين السياسة والدين، وتسير على نهج حسن البنا في قوله: "الحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد، والأصول، لا من الفقهيات والفروع، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء، لا ينفك أحدهما عن الآخر".
تؤكد حماس على أن السياسة جزء من الدين، فالموقف السياسي عند إبراهيم المقادمة هو فتوى شرعية بشكل من الأشكال. ومن ثم دعا في إحدى مقالاته علماء المسلمين إلى الاشتغال بالسياسة قائلاً لهم: "أنتم أولى بالعمل في السياسة، فأنتم تفهمون دين الله، وتفهمون مصالح الأمة". ودعوة المقادمة هذه تنبع من تجربة خاصة فلسطينية عربية، حيث تفرّد بالحكم الليبراليون واليساريون لعقود طويلة. لذا فإن انتقاد حماس والإخوان للدول والحكومات العربية، ينبع من أنها لم تقم بواجباتها الوظيفية في حفظ الإسلام وتنفيذ أحكامه على الوجه المطلوب شرعاً، ولم تحقق للأمة نهضة وعزة وتقدماً.
كما أن رفض حماس لفكرة الفصل وتبني فكرة الشمول لا يعني أنها تدعو إلى حكومة دينية "ثيوقراطية" في فلسطين. فالفكر الإسلامي السياسي، الذي تتبناه حماس، يرفض الدولة "الدينية"، ويدعو إلى دولة "مدنية" ذات مرجعية إسلامية. ولا يقبل وصف دولة الخلافة الراشدة بالدولة الدينية.
يقول القيادي في حماس جمال منصور رحمه الله: "ليس في الإسلام حكم ثيوقراطي، يعلن أنه إرادة الله في الأرض...". وأعلن الخليفة الأول بوضوح خضوعه للقانون ولإرادة الأمة بقوله: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".
موقف حماس من الدستور
"لم تشغل حماس نفسها بمسألة الدستور، ولم تحاول وضع دستور للدولة، لأن الدولة الفلسطينية ليست موجودة، وحماس منشغلة كغيرها من الفصائل الفلسطينية بالتحرر من الاحتلال، وتقرير المصير"
ترفع حماس شعار: "الله غايتنا، والقرآن دستورنا"، وهو الشعار نفسه الذي ترفعه حركة الإخوان المسلمين منذ أيام حسن البنا. غير أن حماس لم تقصد، ولم تقل إن الشعار بديل عن الدستور الذي يقوم الشعب بوضعه، ويتخذه مرجعية حاكمة على نظام الحكم وعلى القانون، بعد إقرار الدستور من الشعب بآلية مناسبة. فالقرآن لا يحتاج إلى إقرار أو استفتاء عليه، ولكن الدستور في حاجة إليهما، ومن ثم طالبت حماس بما طالب به حسن البنا والإخوان: "أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأول للقانون".
ولا يتجاوز موقف حماس السياسي فكر حسن البنا وموقفه في هذه المسألة من حيث تفضيل الحكم نظام الحكم الدستوري المبني على تداول السلطة من خلال الانتخاب.
غير أن حماس لم تشغل نفسها بمسألة الدستور، ولم تحاول وضع دستور للدولة، لأن الدولة الفلسطينية ليست موجودة، وحماس منشغلة كغيرها من الفصائل الفلسطينية بالتحرر من الاحتلال، وتقرير المصير. لذا لا غرابة في الاستنتاج القائل بأن أهم عيوب الوضع التشريعي والقانوني الراهن في مناطق السلطة الفلسطينية هو"غياب المرجعية الدستورية ممثلة في الدستور".
ومع ذلك فحينما أقرت السلطة الفلسطينية القانون الأساسي الذي يقوم مقام الدستور داخل الأراضي الفلسطينية، - حيث قرر الأسس الثابتة التي تمثل الوجدان الجماعي لشعبنا، بمكوناته الروحية وعقيدته الوطنية، وانتمائه القومي، كما اشتمل في أبوابه على مجموعة من القواعد والأصول الدستورية المتطورة، سواء فيما يتصل بضمان الحقوق والحريات العامة والشخصية على اختلافها بما يحقق العدل والمساواة للجميع دون تمييز، أو فيما يخص مبدأ سيادة القانون وتحقيق توازن بين السلطات، مع توضيح الحدود الفاصلة بين اختصاصات كلّ منها، بحيث تكفل لها الاستقلالية من ناحية، والتكامل في الأداء من ناحية أخرى- فإن حماس بعد إقراره كان موقفها منه إيجابياً يعبر عن وعي بأهمية الدساتير ومواءمتها لتطلعات الشعب، فقد رأى جمال منصور في هذا القانون الأساسي توازناً معقولاً، وهو بالرغم من بعض الملاحظات الخاصة، إلا أنه يُعدُّ أساساً مقبولاً لنظام سياسي يشمل معظم المستلزمات الديموقراطية .
كما التزمت حماس به في الحكم بعد فوزها في انتخابات 2006م، ورئاستها للحكومة العاشرة، وما زالت ملتزمة به بالرغم من حالة الانقسام، مما يؤكد على احترامها للدستور وعملها به حتى بعد توليها للسلطة كما حصل في غزة.
بالإضافة إلى أن حماس نادت بسيادة القانون، وجعلته ملزماً للحاكم وللمحكومين على السواء.
للاطلاع على السلسلة كاملة، انقر هنا
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- الرؤية لسياسية لحركة حماس/ أ.د. يوسف رزقة