فرضت العديد من تحديات المرحلة الراهنة من العمل الإسلامي، في العديد من أركان عالمنا العربي والإسلامي، العمل على إيجاد إطار لمواجهة حرب التشويه الراهنة التي يتعرض لها المشروع الإسلامي، وخوض حرب القلوب والعقول في أوساط الجماهير والقوى السياسية والمجتمعية.
وتزداد أهمية هذا الاعتبار وخصوصًا في الدول والمناطق والكيانات التي تشهد صراع الحق والباطل في أجلى صوره، كما في فلسطين وتدافع المشروع الإسلامي والمقاومة الإسلامية ضد المشروع الصهيوني، وكما في مصر وتونس وغيرها من دول العالم العربي التي تتدافع فيها قوى الإصلاح والتغيير ضد قوى الاستبداد والظلم الحاكمة.
بدأت أطراف عدة منضوية في إطار الإعلام الإسلامي في تبني استراتيجيات عدة للعمل الإعلامي، تتضمن عملية صناعة الرأي العام، ومهمة العلاقات العامة وتغيير الصورة الذهنية التي تدعمها وسائل الإعلام المضاد والدعاية السوداء التابعة لخصوم المشروع الإسلامي.
"كان لضعف الموارد ودخول غير المتخصصين إلى هذا المجال، بالإضافة إلى وجود بعض ممن لم يتشبعوا بالتربية الأخلاقية والقيمية للمشروع الإسلامي؛ دور كبير في انحراف رسالة الإعلام المحسوب على الإسلاميين"
إلا أنه كان لضعف الموارد ودخول غير المتخصصين إلى هذا المجال، بالإضافة إلى وجود بعض ممن لم يتشبعوا بالتربية الأخلاقية والقيمية للمشروع الإسلامي؛ دور كبير في انحراف رسالة الإعلام المفترض أنه إسلامي، أو يعبر عن الحركة والمشروع الإسلاميين.
قاد ذلك إلى نتائج عكسية استغلها خصوم المشروع في الطعن في مصداقية الحركة الإسلامية، وخصوصًا في أهم ركن من أركان رسالتها، وهو ركن الرسالة الأخلاقية والقيمية التي تحملها الحركة والدعوة.
ولقد حاول بعض العلماء والأكاديميين وَضْع تعريف للإعلام الإسلامي، ومن بين التعريفات الموضوعة لهذا المصطلح الذي لا يزال في طَوْر التكوين والتأصيل، التعريف الذي وضعه الدُّكتور سيد محمد ساداتي الشنقيطي؛ حيث قال إن الإعلام الإسلامي هو: "فن إيصال الحق للناس بقصد اعتناقه والتزامه، وفن كشف الباطل ودحضه بقصد اجتنابه".
أي أن مهمة الإعلام في الإسلام وفق هذا التعريف، إنما هي مهمة بناءٍ وتحصينٍ.
"يجب أن يتبنى الإعلام الإسلامي رسالة أخلاقية وقيمية، بحيث يُعنى بتحقيق مجموعة من الأهداف ذات الطابع الأخلاقي والقيمي"
يقود ذلك إلى بديهية مهمة، تغافل عنها الكثيرون في عصرنا الحالي، وهي أن الإعلام الإسلامي يجب أن يتبنى رسالة أخلاقية وقيمية، ويُعنى بتحقيق مجموعة من الأهداف ذات الطابع الأخلاقي والقيمي أيضًا. ومن بين ذلك تحفيز الأفراد والمجتمعات للأخذ بأخلاقيات الإسلام، وتطبيقها، وتقديم النماذج الإنسانية والمجتمعية الصحيحة، وتصويب المفاهيم، وتحصين الإنسان والمجتمع في مواجهة كل ما يخالف الثوابت الأخلاقية الإسلامية.
كما يهدف –كما هو مفترَض- إلى تحقيق التوازن ما بين الإيمان والسلوك من خلال تزكية النفس وتطهيرها، وتعزيز طاقات الإنسان الأخلاقية من أقوال وأفعال، وتوجيهها في مسارها الصحيح؛ للوصول في النهاية إلى المجتمع المسلم الصحيح المثالي.
وازدادت إلحاحية وجود مثل هذه الأدوات للتحكم في سلوك المجتمعات وإعادة توجيهها، على المستويين الفردي والعام، في ظل حالة الانفتاح الكبيرة القائمة حاليًا على مختلف المستويات بين المجتمعات الإنسانية بفعل التقدم الكبير الحاصل في وسائل الإعلام والاتصال، والتي ساعدت على سرعة نقل الأفكار والآراء والقيم من مجتمع لآخر، وإكسابها - أي هذه الأفكار والقيم - الجاذبية اللازم والتأثير العميق، بحيث باتت قادرة على النفاذ في أي مجتمع مهما كانت القيود الموضوعة فيه، ومهما كانت الطبيعة المحافظة لهذا المجتمع.
وبالعودة إلى الوضع الراهن، وبتطبيق هذه المفاهيم التأسيسية؛ فإننا نجد أننا أمام نماذج محدودة فقط من الإعلام التي يمكن أن ينطبق عليها مصطلح "الإعلام الإسلامي"؛ لحملها خصائصه وقيمه.
"من المؤسف تحول بعض وسائل الإعلام وخصوصًا صفحات بعض الإعلاميين المحسوبين على الحركة الإسلامية، إلى وسيلة للطعن في المشروع والحركة"
ولذلك؛ فإنه من المؤسف أن تحولت بعض وسائل الإعلام التي تعلن أنها تنتمي إلى الحركة الإسلامية، وخصوصًا صفحات بعض الإعلاميين المحسوبين على الحركة الإسلامية، على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيس بوك"، و"تويتر"، إلى وسيلة للطعن في المشروع والحركة، سواء لاحتوائها على مفردات وصور ومحتوى لا أخلاقي، ولا يتناسب مع القيم الإسلامية، أو لاحتوائها على أفكار وأطروحات لا تعبر عن الجوهر الحضاري والقيمي للمشروع، مثل دعوات الهدم والقتل وسفك دماء المسلمين.
كذلك طغت مفردات وأفكار التشهير، الفارغة من أي محتوىً عملي حركي للتعامل مع الأوضاع الراهنة، أو محتوىً علمي موضوعي ومعلوماتي، يلعب وظيفة التنوير التي من أهم أساسيات الإعلام الإسلامي.
ومن ثَمَّ؛ فإن هناك جهد مطلوب في ثلاثة اتجاهات، الاتجاه الأول هو تنقيح ساحة الحركة الإسلامية من هذه الأمور، وإعلانها صراحةً؛ أن هذه الصفحات، وهذه الأقلام، لا تَمُتُّ بصلة للمشروع الإسلامي؛ ما دامت خارجة عن أخلاقيات الإسلام وقيمه.
الاتجاه الثاني، هو توضيح الصورة بالنسبة للجمهور العام، والوضع في الاعتبار أن الرد والتوضيح في هذا الجانب، على ذات درجة أهمية التصدي لوسائل الإعلام المضادة ووسائل الدعاية السوداء، باعتبار أن كليهما يلعب نفس الدور، وذات الأثر.
أما الأهم من ذلك كله، هو العمل على تأسيس جهة إسلامية جامعة، على مستوى الأمة، تضم العاملين في الحقل الإعلامي من المنتمين للتيارات الإسلامية المختلفة، سواء التيارات الحركية الصحوية، مثل الإخوان المسلمين، أو التيارات الأخرى، السلفية العلمية، والسلفية الجهادية، وغيرها، من أجل تأسيس إطار مؤسسي منظَّم، يعمل على بلورة تعريف شامل جامع للإعلام الإسلامي، وتحدد ضوابط عمل أية وسيلة أو قلم إعلامي مرتبط بالحركة الإسلامي.
والأهم أن يلعب هذا الإطار المؤسسي المقترح، دورًا ضابطًا في عملية إطلاق وصف "إسلامي" على أي وسيلة إعلامية أو قلم إعلامي؛ منعًا للانحرافات، ودرءًا للشبهات!