تشريع العقوبات في الإسلام .. حماية للمجتمع وتأديب للمخالفين

الرئيسية » بصائر تربوية » تشريع العقوبات في الإسلام .. حماية للمجتمع وتأديب للمخالفين
العقوبات

ما إن وطئت قدما المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، وشرع في وضع أسس الدولة الإسلامية، فجعل من المسلمين إخوة، ومن المسجد مجمعاً يبت فيه قضايا المسلمين، حتى بدأ العمل عليه الصلاة والسلام في تقويم مجتمع كان يعيش جاهلية العقيدة والسلوك والقيم، وأسس فيه للسواسية بين العباد مهما كبر شأنهم وعلا مقامهم في القوم، فلا فضل لعبد على حر سوى بالتقوى.

حملت الدولة الإسلامية بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم على عاتقها حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ المال وحفظ الأعراض فللمسلم أن لا تمس له حرمة بغير حق؛ وإن حدث يعاقب الجاني بما يستحقه حسب ما أوضحت الشريعة.
الداعية الإسلامي أديب الصانع أوضح لبصائر أن التشريع الاسلامي قائم على جناحين هما جناح العدل وجناح الرحمة، والاتجاه إلى جناح من الجناحين دون الآخر يؤدي إلى النقصان؛ فرب العالمين هو الذي وضع التشريع ومعنى هذا أن لا مجال لإشفاقات بعض الخلق وآرائهم التي تسبب للمجتمع فساداً، يقول الله تعالى : {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ...} لأن الذي يرأف على القضايا الجزئية وينسى القضايا العامة صاحب نظرة بشرية قاصرة.

"الشيخ أديب الصانع: الإسلام شرّع العقوبات ليؤدب الجلّاد ويحمي الضحية"

وكون العدل لا يمكن أن يتم إلا بإزالة الظلم الذي يسيطر عليه عادة متنفذون وأقوياء لأنه يخدمهم في فسادهم، لذا لا بد من العدل مع وجود قوة تحميه، وهذه القوة تتمثل في الدولة، وتصور إقامة العدل بدون قوة هو تصور ساذج لأن الظالم لن يسمح بأخذ المكاسب التي يكسبها جرّاء ظلمه.

ويرى الصانع أنه إذا أقيم العدل بقوة الدولة مع وجود تكامل في التشريع بحيث أن السارق لا يحتاج إلى سرقة ولا القاتل يحتاج إلى القتل مع وجود الوعي والتربية ستصبح الجريمة شذوذا ويصبح إقامة الحد نوع من أنواع المعالجة الخارجية اللازمة لبعض مرضى القلوب.

"الصانع: العقوبة تؤخذ على جانبين؛ جانب الستر وجانب الزجر؛ والزجر يكون إما لنفس الجاني أو لمن يفكر في القيام بمثل ما قام به الجاني"

ويستطرد الصانع بالقول أن العقوبة تؤخذ على جانبين؛ جانب الستر وجانب الزجر؛ والزجر يكون إما لنفس الجاني أو لمن يفكر في القيام بمثل ما قام به الجاني، وتكون العقوبة في الاسلام بحسب الجريمة فإذا كانت الجريمة تشكل في وقوعها ضرر جزئي تكون العقوبة كذلك، وإذا كانت تحمل ضرراً كليا قد تصل العقوبة إلى القصاص من المجرم، لذا فإن وجود العقوبات يجعل في الأمة حالة وعي وتفكير وبناء فالاسلام يريد أن يزيل المرض لذلك هو يركز على المرض لإحياء المريض لا لعقوبته وإهانته، وعلاج المرض في كثير من الأحيان يكون بطريقة فيها شدة، فالمجرم لا يمكن أن يفقه معنى أنه قام بجريمة في كثير من الأحيان إلا بهذه الشدة.

ويضيف الداعية الصانع إلى أن الإسلام يوجه نظرته للضحية أيضا؛ فهو يؤدب المجرم ويخمد نار المظلوم؛ فعلى سبيل المثال هؤلاء الذين ينكرون حد السرقة ويحزنون على من تقطع يده لم ينظروا بعين الاعتبار لمن تعبوا في جمع المال وبذلوا جهودهم وعقدوا آمالاهم قبل أن يأتي هذا السارق ويسطوا على ممتلكاتهم، الإسلام استشعر معاناة الضحية وقدّرها؛ ذاكراً مقولة لأحد المستشرقين عندما أراد الدخول في الاسلام بأنه إذا اسلمت وسرقت قطعوا يدك؛ فرد عليه أحد علماء المسلمين : ادخل الاسلام فيحميك لدرجة أنه إذا سرقك أحدهم قطعوا يده.

العقوبات والمنظومة المتكاملة

"د. عايش لبابنة: العاقبة الأخلاقية والقانونية عند إقامتها تعطي العاقل فرصة ليحجم نفسه، ويذكرها بأن هناك عاقبة أشد وأقسى من اللذة التي يحصدها جرّاء قيامه بالجريمة"
"د. عايش لبابنة: العاقبة الأخلاقية والقانونية عند إقامتها تعطي العاقل فرصة ليحجم نفسه، ويذكرها بأن هناك عاقبة أشد وأقسى من اللذة التي يحصدها جرّاء قيامه بالجريمة"

أستاذ الشريعة في جامعة اليرموك الدكتور عايش لبابنة افتتح حديثه الخاص لبصائر بوصف العقوبة على أنها جزء من نظام كبير، وهي تشريع إلهي يدفعنا لليقين بأن من وضع هذه العقوبة هو الخالق الذي يعرف طبيعة الإنسان وآلية تشكل الجريمة في عقله، حيث يكون ذلك بغلبة داعي النفس وشهواتها على داعي العقل، حيث لا يوجد عاقل يرتكب جريمة، إذ تغلب على المجرم عاطفة معينة كالحب أو البغض أو النقمة وغيرها من العواطف التي تسيطر عليه طمعا بشيئ ما الأمر الذي يودي به ليصير مجرماً.

ويشير د. لبابنة إلى أن العاقبة الأخلاقية والقانونية عند إقامتها تعطي العاقل فرصة ليحجم نفسه ويذكرها بأن هناك عاقبة أشد وأقسى من اللذة التي يحصدها جرّاء قيامه بالجريمة، كما أن العقوبة التي وصفناها في بداية الحديث بأنها جزء من منظومة لا يمكن أن تنزل إلا ببناء هذه المنظومة، ثم تأتي العقوبة في ذيل الإجراءات. فهناك إجراءات بنائية تأسيسية كبناء العقيدة والعبادة والتقوى والأخلاق وصناعة النفس المستقيمة، ولنتذكر دائما أن الانسان لا يولد جيداً وينحرف بعد ذلك، كلا؛ الانسان يولد قابلاً للجريمة وغيرها؛ وإذا وُجه للخير توجه إليه، وكذلك إن وُجه للشر توجه إليه، لذا يجب أيضا صناعة ظروف الاستقامة بما أن ظروف البيئة تحكم على سلوك الانسان.

"د. لبابنة: الشريحة التي سيتم معاقبتها ستكون من أصحاب النفس المتمردة الذين يقومون بالجريمة من باب خالف تعرف، ومن ناحية عدائية فشلت منظومة البناء على تهذيبها"

ويذكر لبابنة بأن العقوبة التي شرعها الاسلام لا تطال إلا هامشا يسيراً من المجتمع الذي أقيمت فيه ظروف البناء التأسيسية، فالشريحة التي سيتم معاقبتها ستكون من أصحاب النفس المتمردة الذين يقومون بالجريمة من باب خالف تعرف، ومن ناحية عدائية فشلت منظومة البناء على تهذيبها، مشيراً إلى أن الجريمة لا يمكن القضاء عليها نهائياً لكن يمكن تهذيبها والحد منها بصورة كبيرة في حال تطبيق العقوبة.

وحول تقبل المجتمع المدني لنظام العقوبات في الإسلام ألمح د. لبابنة إلى أن العقوبة في الاسلام لم تحمل رسالة زجر المجتمع على عاتقها وحسب، بل كانت أيضا عقوبة تطهيرية بمعنى أن المسلم إذا عوقب فإن ذنبه الذي ارتكبه قد سقط عنه، لذلك كان تقبل الأمر في المجتمع المدني سلساً وليس كما هو حال المجرم اليوم الذي إذا عوقب زاد حنقاً على النظام.
ويختم الدكتور عايش لبابنة حديثه بالتعريف بالعقوبات التي شرعها الإسلام وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الحدود: وهي العقوبات المقدرة في الشرع وهي حد السرقة، حد الزنا، حد القذف، حد شرب الخمر، حد البغي، حد الردة.
القصاص: وهو عقوبة تقع في حال كانت الجريمة مرتبطة بحقوق أشخاص وقدرها الشرع بمعاقبة الجاني بمثل ما فعل إلا إذا عفى ولي الدم سواء بمقابل او لا.
التعزير: وهي العقوبات التي لا قصاص فيها وتترك للحاكم ليقضي فيها بالسجن أو الجلد وما شابه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "السبيل" اليومية الأردنية في قسم الشؤون المحلية والتحقيقات. وكاتبة في مجلة "الفرقان" التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم / الأردن؛ في الشؤون الأسرية والتربوية. وتكتب بشكل متقطع في العديد من المجلات العربية منها؛ البيان؛ الفرقان الكويتي؛ وأجيال السعودية إلى جانب العديد من المواقع الإلكترونية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …