{ألا تعبدوا إلا الله إني لكم منه نذير وبشير}، هود آية (2).
إن الحقيقة البارزة في السورة كلها "هود".. هي التركيز على الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة غيره.. وتقرير أن هذا الدين كله لله..
إن مدلول الأمر بعبادة الله "وحده"، وتقرير أن ليس هناك إله يعبد سواه.. "ألا تعبدوا إلا الله "..
أما قيمة مدلول النهي عن عبادة غير الله هو مقتضى مدلول "الأمر بعبدة الله وحده" ومفهومه.. ولكن "أمر العبادة" منطوق وأما "النهي عن عبادة غير الله" مفهوم.. إن النفس البشرية في حاجة إلى النص القاطع على شطري هذه الحقيقة "العبودية لله وحده".. وعدم الاكتفاء الضمني بأمر"العبادة لله وحده".. ذلك أن الناس يجيء عليهم زمان لا يجحدون الله، ولا يتركون عبادته، ولكنهم يعبدون غيره، فيقعون في الشرك وهم يحسبون أنهم مسلمون.
ومن ثم جاء "النص" القرآني عن حقيقة التوحيد بالأمر والنهي معا.. يؤكد أحدهما الآخر، التوكيد الذي لا يبقي ثغرة ينفذ منها الشرك في صورة من صوره الكثيرة.
وقد تكرر مثل هذا "النص" القرآني في مواضع شتى من القرآن:
"ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه.. ألا تعبدوا إلا الله"، هود الآيات (25-26).
وإلى عاد أخاهم هودا.. "قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره" هود اية 50.. وهو في الأسلوب عينه في سورة الأعراف.
هو منهج مطرد في النص القرآني عن حقيقة التوحيد، له دلالته من غير شك. سواء في تجلية قيمة هذه الحقيقة الضخمة التي تستدعي ألا توكل في أي جوانب من جوانبها إلى المفهومات الضمنية والمقتضيات اللازمة، وإنما ينص نصا على كل جوانب فيها. أو في دلالة هذه الطريقة على علم الله –سبحانه- بطبيعة الكائن الإنساني، وحاجته في تقرير هذه الحقيقة الكبيرة، وصيانتها في حسه وتصوره من أية شبة أو غبش، إلى التعبير الدقيق.. ولله الحكمة البالغة.. وهو أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير.
ليس في "العقيدة" الإسلامية نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى "العبادة" أو لا يطلب فيه تحقيق الوصف. والمنهج الإسلامي كل غايته تحقيق معنى العبادة، أولا وأخيرا.
ليس هناك من هدف في المنهج الإسلامي لنظام الحكم، ونظام الاقتصاد، والتشريعات الجنائية، والتشريعات المدنية، وسائر التشريعات التي يتضمنها المنهج الإسلامي.. ليس من هدف إلا تحقيق معنى العبادة في حياة الإنسان.. والنشاط الإنساني لا يكون متصفا وفق المنهج الرباني، يتم بذلك إفراد الله -سبحانه- بالألوهية، والاعتراف له وحده بالعبودية.. وإلا فهو خروج عن العبادة لأنه خروج عن العبودية. أي خروج عن غاية الوجود الإنساني كما أرادها الله. أي خروج عن دين الله
وإلى درس جديد في أثر العقيدة في حياة المسلم..
- دروس من ظلال القرآن لشهيد القرآن سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة.