إنّ الدعوة إلى منهاج الله عزّ وجلّ حاجة مستمرة، ومطلب سام، يعظم دورها، ويفزع النّاس لها كلما عظمت الهجمة على الأمّة ودعاتها سياسيّاً وعسكريّاً وحضاريّاً. وفي هذا الوقت يُجتمع فيه لإقصاء ومحاصرة الحركة الإسلامية في بلداننا العربية وبأساليب مختلفة، لا بدّ أن يكون الرد العملي من جانب الحركة الإسلاميّة مزيداً من أدوار الإصلاح والدعوة والانخراط في المجتمع والتأثير في الجماهير، وتفويت الفرصة على من يريدون حصر الحركة في الزوايا، أو استفزازها لتحيد عن منهجها في الدعوة والتبليغ، أو كسر إرادة أبنائها، وتيئيسهم من أن لا ضوء ينتظرهوبالعودة إلى التقييم المنصف، نجد أنّ للحركة الإسلاميّة رصيداً دعويّاً مقدراً تحقق في واقع الأفراد والأمم على مدى العقود الماضية، يلمس ذلك في كثير من مظاهر الحياة الاجتماعيّة والاقتصادية والتربوية وفي التوجهات الفكرية وفي مظاهر السلوك والقيم، وحتى في السياسيّة.
وبظني أنَّ هناك أولويات في الدور الإصلاحي للحركة الإسلاميّة في المرحلة الحالية، ليتشكّل من خلاله إطاراً عامّاً لدعوة الناس إلى الله تعالى، ومساراً حركياً لأبناء الحركة الإسلاميّة، ومن هذه الأدوار ذات الأولوية:
- تنشئة أجيال من الشباب على الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، ويفهمون الإسلام فهماً شمولياً، ويقيمون الواقع بدقة، ويجعلون مقصدهم أن يحيوا من أجل دينهم. والتحرّك بهذا الشباب كمصابيح هداية وإصلاح في مجتمعاتهم.
- نشر تعاليم الإسلام والدفاع عنه، والدّعوة للولاء له والتمسّك به. وكان هذا الجهد من أهم ما وقف في وجه المد التغريبي الذي اجتاح بلادنا خصوصاً في الأربعينيّات، بل لعلّه غلب على حياة المجتمعات العربية في أشكالها الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة. وكان المظهر الإسلامي - آنذاك-غائباً.
- صياغة تصورات لنهضة المجتمعات وحل مشكلاتها من منظور إسلامي، ومن المطلوب أن تقدم الحركات الإسلامية مشاريع محددة لنهضة بلدانها في مختلف المجالات خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
- الاهتمام بقضايا المجتمع، وتبنّي هموم المواطنين، والدفاع عن مظالمهم، ورفع مستوى التفاعل مع ذلك، والانخراط بعمق في ذلك.
- نشر روح البذل والتضحية في النفس والمال والجهد، وتحمّل الأذى والمشقات؛ لتحقيق غايات الدعوة إلى الله تعالى. وهذا من أسمى منطلقات الخدمة العامّة والعمل التطوعي.
- ترسيخ روح العمل الجماعي، والحرص على متانة الصف، الذي تسوده وشائج الأخوة قويّة، وعدم السماح للتباينات أن تؤثر على صلابة البناء.
- الاهتمام بابتكار الوسائل الدعوية التي تخدم الجوانب الفكرية والثقافية والتربوية للمجتمعات، والتركيز على المناطق المهمّشة في الدول، من خلال بناء المؤسسات التعليميّة والثقافيّة فيها، ومزيداً من نشر المؤلفات والصحف والوسائط المرئية والمسموعة، وعقد المحاضرات والندوات. والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك.
- الاستمرار في مجالات العناية بحياة الإنسان والإغاثة والمعونة ومساعدة الفقراء والمنكوبين والأيتام، ومحاولة أن تكون المساعدات خطوة لتحقيق التنمية الاجتماعيّة وتمكين المعوزين.
- الدفاع عن الحركة الإسلامية، وردّ الشبهات التي تقوم عليها جهات إعلامية وشخصيات، وتتبناها دول، ويدفع لها بسخاء، وهنا يبرز دورُ العلماء والمفكرين.
- التوسّع في الكسب الدعوي، ومع أنَّ الدعوة تعاني من حرب ضروس، إلاَّ أنَّ ذلك يمكن استثماره لاستقطاب الأنصار والمؤيّدين.
- التوسّع في بناء الشراكات وتعظيم القواسم المشتركة مع الآخرين، وما أكثرها بالذات ما يتصل بقضايا المواطنين المعيشية، والقيام بمبادرات فعلية تعزز هذا التوجه.
"إنَّ التحالف ضد الحركة الإسلامية يهدف إلى ضرب الروح المعنوية لأبناء الدعوة أولاً، ومحاصرتهم، وتيئيسهم، وتخويف الناس منهم، وإثارة الشبهات حول دعوتهم"
إنّ الأدوار سالفة الذكر سيلمس أثرها فعلاً في واقع الناس، وبعيداً عن مقايسات المقيمين فيما أحرزته الحركة الإسلاميّة وفيما أخفقت فيه، فإنّ هذه الأدوار وغيرها لا بدّ أن يجتهد الدعاة في العمل لها خلال الفترة الحالية. كما يجب أن توظّف هذه الأدوار على نحوٍ صحيح يخدم مشروع الحركة الإسلامية في كل بلد، ويمكن أن يتم التركيز على بعض الأدوار بحسب الحاجة وما تقتضيه المصالح.
إنَّ التحالف ضد الحركة الإسلامية يهدف إلى ضرب الروح المعنوية لأبناء الدعوة أولاً، ومحاصرتهم، وتيئيسهم، وتخويف الناس منهم، وإثارة الشبهات حول دعوتهم. ولا بدّ مع كل جهد يقدمه الشانئون أن يقدم ضعفه حركة وتفاعلاً ودعوة وتربية وكسباً من طرف أبناء الدعوة.
إنَّ الدعاة لا بد أن يكونوا على ثقة بالمنهج، وأنَّ النصر والملك بيد الله عزّ وجلّ وحده، وصدق الله تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء}. [آل عمران 26]، وأن لا تلين عزائمهم وأن يبقوا على جهد الأنبياء الكرام عليهم السَّلام.