نظرات على الفكر السياسي لحركة “حماس”.. (3) حماس والوطنية

الرئيسية » بصائر الفكر » نظرات على الفكر السياسي لحركة “حماس”.. (3) حماس والوطنية
حماس2-1
لا تجد حماس تعارضاً بين الوطنية والإسلامية في علاقاتها العملية مع الآخرين، ويرجع هذا إلى امتزاج الوطنية بالإسلامية وبفكرة الدفاع المشترك والتحرير.

تنسجم رؤية حركة حماس للمفاهيم الوطنية، مع رؤية جماعة الإخوان المسلمين؛ باعتبارها امتداداً طبيعياً للجماعة في فلسطين. ولهذا فإن حماس تغلب البعد الديني على غيرها من الأبعاد التي جاءت بها الفكرة الوطنية والقومية التي سادت أوروبا في عصر النهضة.

وتعتمد حماس كما هي جماعة الإخوان في موقفها هذا على كلام الإمام المؤسس حسن البنا في هذا الصدد حيث قال:

"إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حبّ هذه الأرض وألفتها والحنين إليها... فذلك أمر مركوز في فطرة النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى. وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير الوطن من الغاصبين، وتوفير الاستقرار له... فنحن معهم في ذلك أيضاً، وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد. وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد... فذلك نوافقهم فيه ويراه الإسلام فريضة. وإن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف متناحرة وتتضاغن وتتراشق بالسباب... فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس".

"الوطنية من وجهة نظر حركة المقاومة الإسلامية جزء من العقيدة الدينية... وإذا كانت الوطنيات المختلفة ترتبط بأسباب مادية بشرية وإقليمية، فوطنية حركة المقاومة الإسلامية لها كلّ ذلك، ولها فوق ذلك، وهو الأهم، أسباب ربانية تعطيها روحاً وحياة"

وبناء على ما سبق، لا تتجاوز حركة حماس في مفهومها للوطنية ما قاله المؤسس حسن البنا، حيث يقول ميثاقها في المادة 12: "الوطنية من وجهة نظر حركة المقاومة الإسلامية جزء من العقيدة الدينية... وإذا كانت الوطنيات المختلفة ترتبط بأسباب مادية بشرية وإقليمية، فوطنية حركة المقاومة الإسلامية لها كلّ ذلك، ولها فوق ذلك، وهو الأهم، أسباب ربانية تعطيها روحاً وحياة".

إذا كان مفهوم الوطنية عند الإخوان وعند حماس يقوم في أحد أبعاده الرئيسية على العقيدة والمبادئ السامية ورفض القطرية المتناحرة، فإنه يقوم في بعده الثاني على ما يمكن تسميته بمفهوم "الدفاع المشترك" عن الوطن العربي والإسلامي وحماية حقوقه ومصالحه، وهو دفاع يرتقي إلى مستوى الواجب الديني، أو قُل الفريضة الواجبة. يقول حسن البنا في الوطن الإسلامي: "إن المحافظة على كلّ شبر أرض من أرضه فريضة إسلامية يسألنا الله عنها بين يديه". ويقول: "... كلّ بقعة فيها مسلم يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له، والجهاد في سبيله".

لذا فإنه لمن البدهي أن تتقبل حركة حماس هذا المفهوم وترحب به مع ما يسكن الواقع العربي من مفارقة سلبية بين النظرية والتطبيق. لذا جعلته جزءاً من ميثاقها لأن فلسطين هي المستفيد الأول منه، فقالت في ميثاقها: "... ليس أبلغ في الوطنية ولا أعمق من أنه إذا وطئ العدو أرض المسلمين صار جهاده والتصدي له فرض عين على كلّ مسلم ومسلمة".

وتمثل فكرة التحرير بعداً ثالثاً في مفهوم حماس للوطنية، وهو بُعد يرتبط بسابقيه (العقيدة، والدفاع المشترك)، حيث يقول الشيخ أحمد ياسين "بما أن وطننا محتل، فنحن نريد أن نحرر وطننا، إذن فنحن لدينا قضيتان هما قضية العقيدة وقضية الوطن".
ويخاطب خالد مشعل العرب بعد بيانه لعيوب القُطرية، فيقول "تعالوا معنا وشاركونا المسؤولية، فلا يصح أن تحجب القطرية أمتنا عن دورها الحقيقي في قضية فلسطين".
ودعت حماس في برنامج كتلة التغيير والإصلاح الانتخابي: "إلى توطيد العلاقات مع العالم العربي والإسلامي في كافة المجالات بوصفه العمق الاستراتيجي لفلسطين".
وأشرك حزب الخلاص الوطني الإسلامي (الذي أسسته حركة حماس) الأمة العربية والإسلامية في تحمل مسؤولية التحرير، فقال في مبادئه "إن العرب والمسلمين يشكلون أمة واحدة ويقع على عاتقهم تحرير فلسطين".

"لا تتعارض "الإسلامية" مع "الوطنية" عند حماس. فهي تنظر إلى الإسلامية على أنها وعاء واسع يسع الوطنية والقومية، وتتقبل مفاهيمهما الإيجابية وتزيد عليهما الأبعاد العقيدية، والدفاع المشترك، والتحرير؛ إضافة إلى بُعد رابع مهم هو "الوحدة العربية""

وبالإضافة إلى ما سبق، فلا تتعارض "الإسلامية" مع "الوطنية" في الفكر الإسلامي ولا عند الإخوان، ولا عند حماس. فجميعهم ينظر إلى الإسلامية على أنها وعاء واسع يسع الوطنية والقومية، وتتقبل مفاهيمهما الإيجابية وتزيد عليهما الأبعاد العقيدية، والدفاع المشترك، والتحرير؛ إضافة إلى بُعد رابع مهم هو "الوحدة العربية".

وإذا رجعنا إلى برنامج "كتلة التغيير والإصلاح" التي تمثّل حركة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني، نجد حضوراً كبيراً للبعد الرابع من مفهوم الوطنية، حيث ورد فيه أن الشعب الفلسطيني وحدة واحدة، في كافة أماكن تواجده، وهو جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية.

ويرفض البرنامج الدعوات العرقية والإقليمية والقطرية والطائفية، التي تستهدف تجزئة الأمة، ويدعو إلى تشجيع أيّ مسعى للوحدة بين أيّ قطرين عربيين أو إسلاميين أو أكثر، وصولاً إلى الوحدة الشاملة. وقد جعل حزب الخلاص الوطني الإسلامي دعم التضامن الإسلامي وتبني القضايا العربية والإسلامية واحداً من أهدافه.

ويمكن النظر إلى تحالفات حماس مع غيرها من الفصائل الفلسطينية، وبالذات تحالف الفصائل العشرة الذي تشكلت جذوره الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، الذي ضمّ فصائل علمانية ويسارية إضافة إلى الحزب الشيوعي، على أنه دليل على مرونة حماس في فهمها للوطنية، حيث لا تجد تعارضاً بين الوطنية والإسلامية في علاقاتها العملية مع الآخرين، ويرجع هذا إلى امتزاج الوطنية بالإسلامية وبفكرة الدفاع المشترك والتحرير.

"تؤكد حماس دائماً على أن الوطن يتسع للجميع بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية والمواقف السياسية المختلفة، بالإضافة إلى أن الشعب الفلسطيني وحدة واحدة في كافة أماكن تواجده"

كما تتعامل حماس مع "الوطنية" كمفهوم وكدعوة على مستوى الداخل الفلسطيني والتحالفات من منطلق سياسي أكثر وضوحاً، يقوم على تجميع الأطراف الفلسطينية على قاعدة حماية الحقوق الفلسطينية والتحرير، وتؤكد دائماً أن الوطن يتسع للجميع بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية والمواقف السياسية المختلفة، وتؤكد أن "الشعب الفلسطيني وحدة واحدة في كافة أماكن تواجده". وتقول "فلسطين... وطن لكل الفلسطينيين في الداخل والشتات بكافة توجهاتهم الدينية والعرقية والسياسية"، وترفض الزعم القائل بأن مفهومها الإسلامي للوطنية يمكن أن يمزق الشعب ويبعث على التنازع الطائفي، فقد أكد ميثاقها على أنه "في ظلّ الإسلام يمكن أن يتعايش أتباع الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية في أمن وأمان".

وتتعامل حماس مع مفهوم الوطنية على مستوى العلاقات العربية من المنطلق السياسي نفسه، لذا تجدها ترفض استخدام القوة والعنف في حلّ المشاكل بين الدول العربية، ومن هذا المنطلق وقفت ضدّ غزو صدام حسين للكويت في آب/ أغسطس 1990، ودعت إلى عودة الكويت بلداً حراً عزيزاً، يسهم بطاقاته وثرواته في تنمية الوطن العربي، وطالبت بتسوية القضية بين الكويت والعراق في الإطار العربي الإسلامي.

للاطلاع على السلسلة كاملة، انقر هنا

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • الرؤية لسياسية لحركة حماس/ أ.د. يوسف رزقة
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …