التطرف ظاهرة وجدت في كل الأزمنة ولدى كل الشعوب والأديان والطوائف والأيديولوجيات والأحزاب، وهي ظاهرة مقيتة ومذمومة عند غالبية الناس لأنها خلل وتشوه في نفسية الإنسان، ويبدأ التطرف في الفكر ثم ينتقل إلى المواقف والسلوك، وهنا تكمن الخطورة، خاصةً إذا رافقه التخلف والفقر والجهل والقصور والرعونة والمراهقة الفكرية والدينية والسياسية، أو رافقه الطمع والأنانية والظلم والرغبة بالهيمنة والتسلط. وللتطرف أشكال وألوان عدة؛ فهناك التطرف الفكري والسياسي والإجتماعي والعرقي والديني والمذهبي وحتى العلماني وغير ذلك.
يبدو أن التطرف خليقة تأتي مع الإنسان منذ ولادته، أي أنه خلل خلقي، وبالتالي فهو صفة محملة على المورثات، حيث يبدأ هذا الخلل مثل كثير من الأمراض العضوية والنفسية كاستعداد وراثي، وتأتي البيئة بعد ذلك والمحيط فإما أن يعملا على لجم هذا الخلل والتخفيف من حدته وترشيده، أو يحرضانه ويفعلانه ويعملان على إظهاره وتنميته وتقويته، وإذا أتى التطرف على يمين الاعتدال سمي تشدداً ومغالاة، وإذا أتى على يساره سمي تفريطاً وتسيباً وتفلتاً، وهو في كلتا الحالتين مرفوض ومستهجن ومذموم، أكان على صعيد الفكر والمعتقد، أو على صعيد المظهر أوالموقف أو السلوك.
يعتبر المتطرف رأيه أو فكره أو عرقه أو دينه أو مذهبه هو الأفضل، وإذا استعلى بذلك على الآخرين وتكبر أصبح عنصرياً، وإذا سعى لفرض ما يؤمن به بالقوة وعمل على قمع واضطهاد وربما قتل كل من يعترض عليه بعد أن يخونه أو يكفره أصبح إرهابياً، وهذا هو أشد وأسوأ أشكال التطرف، وبذلك يعتبر هتلر متطرفاً وعنصرياً وإرهابيا، وكذلك جورج بوش الابن وكل زعماء الدول الكبرى الذين يسعون لنهب ثروات الشعوب الضعيفة، ويمارسون الظلم والتسلط والهيمنة عليها عبر دعمهم لأنظمتها الدكتاتورية، ودعمهم للصهاينة المتطرفين العنصريين الإرهابيين الذين اغتصبوا أرض فلسطين، فهؤلاء كلهم متطرفون وعنصريون وإرهابيون، كذلك فإن كل الطغاة الذين اغتصبوا السلطة في بلدانهم ويحكمونها بشكل دكتاتوري قمعي ولسان حالهم يقول لشعوبهم: (إما أن نحكمكم أو نقتلكم) هم متطرفون أيضاً وإرهابيون، وكل الأنظمة التي تسعى لإقامة مشروعها القومي أو الديني أو المذهبي بقوة السلاح بالسر أو بالعلن وحتى لو سمت نفسها إسلامية فهي أنظمة متطرفة عنصرية إرهابية، وبالتالي فكل هؤلاء الأصناف من المتطرفين هم المسؤولون عن ظهور حركات التطرف الراديكالية في العالم وخاصة الإسلامية منها لأن كثيراً من تطرف هذه الحركات ماهو إلا ردود أفعال على إجرام أولئك المتطرفين الكبار.
وعليه فإن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ظهور التطرف وتحرض عليه وتفعله وتنميه هي:
1ـ الظلم والتهميش والإقصاء.
2ـ الأزمات السياسية والاقتصادية والمشاكل الاجتماعية.
3ـ التخلف والجهل والفقر.
وبشكل عام فإن الاستبداد بشقيه الخارجي والداخلي هو المسؤول عن ظهور التطرف وتغذيته وتقويته في العالم الثالث المتخلف، أما في العالم المتحضر فإن النظام الرأسمالي الظالم هو المسؤول عن ذلك.
تتفاوت ردود الفعل عند البشر عندما يتعرضون للظلم والتهميش والإقصاء وعندما يعانون من اضطهاد سياسي أو ضغط اقتصادي أو اجتماعي، فكثير من الناس وخاصةً النخب يغادرون أوطانهم لأسباب سياسية أو اقتصادية، ومنهم من يبقى في وطنه يتحمل الظلم والتهميش والإقصاء وتخلف مجتمعه إما ساكتاً ومشغولاً بلقمة عيشه، أو يناضل سلمياً وبالطرق المشروعة لرفع الظلم وإنهاء الفساد أملاً في نهضة شعبه، لكن بعض الناس وهم من لديه استعداد وراثي للتطرف، يدفعهم الظلم والإقصاء والتهميش للتطرف وممارسة العنف، فتجد منهم من يمارس العنف الأهوج رداً على ظلم وقمع الأنظمة الدكتاتورية، ويدخلون في صراع مسلح معها وبنسب متفاوتة بين بلد وآخر تبعاً لتعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي ومكونات ذلك البلد.
لقد بات واضحاً للجميع، أنه لا يكسر شوكة التطرف سوى العدل إن على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي، فما دام هناك احتلال واغتصاب لأراضي الغير وحقوقه وثرواته فهذا يعني أن ظلماً قد وقع على شعب ما، ومن المؤكد أن ذلك سيؤدي لظهور التطرف والمتطرفين لدى هذا الشعب المظلوم ولدى الأمة التي تعتقد أن حقوقها قد انتهكت بهذا الإحتلال، ومثال ذلك الاحتلال الصهيوني لفلسطين المدعوم بشكل واضح وجلي من الدول الغربية بكل وقاحة ودناءة، فالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني والقمع الذي تمارسه الأنظمة الدكتاتورية العربية والإسلامية ضد شعوبها، وتحالف الكثير منها مع الغرب الإستعماري لحماية إسرائيل بشتى الوسائل، واستجابتها لإملاءاته للحفاظ على مصالحه ولو على حساب مصالح تلك الشعوب وسيادتها، وتكريس سياسته المبنية على الهيمنة ونهب الثروات، كل ذلك أدى إلى ظهور التطرف الإسلامي الذي شغل العالم كله وأقلق راحته ونغص عليه حياته، وإلى ظهور المتطرفين الإسلاميين الذين يمارسون العنف الأهوج (الإرهاب) داخل الدول الإسلامية وخارجها، أي ضد الدول الغربية الداعمة للإحتلال الصهيوني لفلسطين والداعمة أيضاً للأنظمة الدكتاتورية التي تسوم شعوبها سوء العذاب وتنشر الظلم والفساد وتخرب كل شيء في البلاد، حيث تفسد الذمم والضمائر وتقتل الأحرار والحرائر، وتعمل على حماية إسرائيل عن قصد وتنسيق مع الغرب أو عن غير قصد وتنسيق بسبب ضعفها وفشلها.
وقد تأكدت الشعوب العربية والإسلامية أن أنظمتها الدكتاتورية إما هي مدعومة من الغرب الإستعماري أو مسكوت عنها لكونها ظالمةً فاسدة وتخرب كل شيئ في بلادها، حيث تقمع الشرفاء والأحرار وتدفع بالأدمغة والعقول والنخب للهجرة إلى دول الغرب، وقد تكون هذه الأنظمة غير حليفة للغرب وتمارس بعض السياسات التي لا ترضيه ولا تستجيب لإملاءاته مائة بالمائة، لكنها في النهاية هي أنظمة ضعيفة فاشلة ولا تشكل خطراً حقيقياً على مصالحه، وهي أنظمة مستبدة مثلها مثل غيرها من الأنظمة الحليفة للغرب والمدعومة منه، وكلها في النتيجة تعمل على تكريس التخلف لدى شعوبها وهذا ما يريده الغرب، وما لم يعمل الغرب الداعم لإسرائيل على التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، ويتوقف عن سياسة التسلط والهيمنة ونهب ثروات الشعوب والتآمر عليها، ويوقف كذلك دعمه لأنظمتها الدكتاتورية، أي إذا لم يعمل الغرب على تجفيف منابع الظلم في العالم فلن تكسر شوكة التطرف والمتطرفين.
كذلك فإن قمع واضطهاد المعتدلين (الديمقراطيين) من تيار فكري أو سياسي ما بهدف إقصائهم وتهميشهم، لأنهم منافسون أقوياء للحزب الحاكم الدكتاتوري، وهم سياسيون شرفاء يصعب الهيمنة عليهم وشراء ضمائرهم وإسكاتهم لتمرير الصفقات المشبوهة، يؤدي إلى انتشار التطرف وتقوية شوكته، وقد تنجح الأنظمة الدكتاتورية فيقمع هؤلاء المعتدلين وتتمكن من إقصائهم فترةً من الزمن وتحت ذرائع مختلفة ومفبركة، إلا أن هذه الأنظمة لا تدرك أن ذلك سيؤدي إلى خروج أجيال من المتطرفين بدلاً عن أولئك المعتدلين، وستجد الأنظمة نفسها في مواجهة صعبة معهم، عندها ستندم على ما فعلته بالمعتدلين (ولات ساعة مندم)، وكلما ازداد قمع المعتدلين كلما ازداد التطرف قوةً وازدادت أعداد المتطرفين.
وإذا حاول أي نظام دكتاتوري القضاء على هؤلاء المتطرفين فلن يفلح في ذلك، وحتى لو تمكن من القضاء على بعضهم فإن البعض الآخر منهم يزداد قوةً وصلابةً وخبرةً وبالتالي مناعةً ضد أساليب وطرق القضاء عليه، وهي استخدام القوة والقمع فقط وبشكل عشوائي، وذلك لأن النظام الدكتاتوري ليس لديه الكفاءة اللازمة (الحوار السياسي والفكري) والترخيص اللازم (الشرعية والدعم الشعبي) ليجعلانه قادراً على إنجاز هذا العمل الكبير والشاق، تماماً كما يحصل مع الطبيب المتخلف في البلدان المتخلفة والذي يصف لمريضه أدويةً ضد الإلتهاب (صادات حيوية) بطريقة غير علمية، حيث تكون النتيجة تحسن المريض لفترة وجيزة ما يلبث أن ينتكس وتعود إليه الهجمة الإلتهابية أشد وأقوى، وذلك لأنه أعطي أدوية التهاب غير مناسبة للجراثيم التي أمرضته وهي لم تقض على هذه الجراثيم وإنما أضعفتها فقط لفترة من الزمن، ثم ما لبثت هذه الجراثيم أن انتعشت وقويت وعادت لمهاجمة جسم المريض وأصبحت مستعصيةً على أي دواء آخر وقد يتوفى المريض نتيجة ذلك.
وبعد هذه المقاربة يصبح من المفيد التنويه إلى أن النظام الدكتاتوري هو أعجز من أن يكسر شوكة التطرف للأسباب التالية:
1ـ لأنه نظام غير شرعي في نظر الأغلبية الساحقة من شعبه، كونها لم تختره عبر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وبالتالي لن تكون هذه الأغلبية في وضع يتيح لها التعاون مع هكذا نظام لمحاربة المتطرفين، بل على العكس من ذلك، فغالباً ما تصبح هذه الأغلبية حاضنةً لهم وبيئةً خصبةً لنشاطهم وتكاثرهم وازدياد قوتهم نكايةً بهذا النظام الذي يضطهدها ويقمعها.
2ـ لأنه نظام غير شرعي أيضاً في نظر المتطرفين أنفسهم، وهذه نقطة في غاية الأهمية حيث تنعكس عليهم قوةً معنويةً وثقةً كبيرةً بالنفس، بل ربما هم مقتنعون بأن الشرعية معهم وهم أحق بها، وأنهم سيبسطون سيطرتهم على البلد بالقوة كما بسط النظام الدكتاتوري سيطرته بالقوة، وهم يرون أنفسهم أكثر أمانةً منه على مقدرات الشعب وعلى حقوقه وحقوق الأمة أيضا.
3ـ اقتصاره على الحلول الأمنية والعسكرية في تعامله مع التطرف والمتطرفين مما (يزيد الطين بلةً) وافتقاده لشيئ اسمه الحوار معهم، لأن الأنظمة الدكتاتورية لا تتقن الحوار ولكن تتقن الإعتقال والتعذيب والقتل والضرب بالنار.
كذلك فإن من أسباب فشل محاربة التطرف والمتطرفين وما سمي بالإرهاب، هو خلط الغرب بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال وخاصةً المقاومة الفلسطينية، وذلك باتهام المقاومة الفلسطينية بالإرهاب ووضع فصائلها ضمن قوائم المنظمات الإرهابية محاباةً لإسرائيل وإرضاءً لها، فالخلط في هذه الأمور أمر خطير ويضر كثيراً بعملية محاربة التطرف والإرهاب، بل يؤدي إلى إفشالها، لأنه يفقد الحكومات الغربية كل مصداقية ونزاهة.
كما أن خلط الأنظمة الدكتاتورية المقصود والمتعمد بين المتطرفين الإسلاميين الذين يمارسون العنف الأهوج ويستخدمون القوة والسلاح لفرض أفكارهم، وبين المعتدلين الإسلاميين الذين يمارسون السياسة وقبلوا أن يتنافسوا مع غيرهم من التيارات السياسية عبر صناديق الإنتخاب، واتهامهم بالتطرف تارةً وبالإرهاب تارةً أخرى، وبفبركة تلك الاتهامات لأهداف سياسية بحتة بقصد إقصائهم وإبعادهم عن ساحة المنافسة السياسية خوفاً من شعبيتهم واحتمال فوزهم على الحزب الحاكم الدكتاتوري، كل ذلك يؤدي إلى إفشال كل الخطط لمحاربة التطرف والمتطرفين لأنه يفقد الأنظمة الدكتاتورية كل مصداقية ونزاهة أيضا.
كذلك فإن ممارسة الغرب لازدواجية المعايير عند تصنيفه للأنظمة والحكومات والتنظيمات على أساس التطرف والإرهاب، وربط ذلك بمدى تحالفها معه ومدى استجابتها لإملاءاته ومدى ما تسبب له من ضرر، ويظهر ذلك بشكل واضح وجلي عندما يغض الغرب الطرف عما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق الشعب الفلسطيني والذي يمثل أبشع أنواع الإرهاب، ويعمل على منع صدور أي إدانة له في أي محفل دولي، ويظهر أيضاً في عدم تصنيف الغرب لبعض الميليشيات الطائفية ضمن قوائم التطرف والإرهاب بسبب أن جرائمها لا تطال الغربيين وضحاياها كلهم من المسلمين، وهذا أيضاً يفقد الغرب مصداقيته ونزاهته ويصمه بالعنصرية ويفشل كل مخططاته في محاربة التطرف والإرهاب. كما أن ممارسة الأنظمة الدكتاتورية لازدواجية المعايير عند تصنيفها للتنظيمات والأحزاب والجماعات على أنها متطرفة وإرهابية أم لا، وربط ذلك بمدى تحالفها مع تلك الأنظمة، يفقد الأنظمة مصداقيتها ونزاهتها ويفشل كل مخططاتها في محاربة التطرف والإرهاب أيضا.
وعليه فإننا نرى أن كل الجهود التي بذلت خلال الفترة الماضية وتبذل حالياً للتصدي للتطرف باءت وستبوء بالفشل، وستضيع كل الجهود والأموال التي صرفت وستصرف من أجل ذلك، والأهم من هذا كله الدماء التي تسفك والأرواح التي تزهق من كل الأطراف وخاصةً المدنيين الأبرياء الذين شكلوا في أفغانستان قرابة تسعين بالمائة من ضحايا محاربة الإرهاب.
يمكن لقوات التحالف الدولي أن تكسر شوكة التطرف والإرهاب في مكان ما إنما بشكل مؤقت وفي أحسن الأحوال، لكن الثمن يكون باهظاً وكارثيا، ويتمثل بالأعداد الكبيرة للقتلى والمعوقين ومعظمهم من المدنيين وبالدمار الكبير الذي يحل بالبلد الذي تجري على أرضه الحرب على الإرهاب، كما حصل ويحصل في أفغانستان والذي نخشى أن يتكرر في سورية والعراق.
كما أن باستطاعة النظام الدكتاتوري أن يكسر شوكة التطرف والإرهاب ويحقق الإستقرار في بلده إنما بشكل مؤقت وليس بشكل دائم حتما، وسيكون الثمن أيضاً باهظاً ومؤلماً وكارثياً، وعلى حساب الشعب المسكين الذي سيسدد الفاتورة كاملةً من دمه وماله وجهده وعرقه وعلى حساب حرياته ومستقبله، حيث سيعمل النظام الدكتاتوري على قمع الناس والتضييق عليهم وكم أفواههم وكبت حرياتهم، وبالتالي نشر الظلم والفساد وتخريب الضمائر والبلاد تحت ذريعة محاربة التطرف والإرهاب.
وخلاصة القول: إن من يمارس الظلم أو يدعم من يمارسه ليس مؤهلاً لأن يحارب التطرف والإرهاب ولا يمكن له أن ينتصر عليه، لأنه وإن تمكن من إضعافه في مكان ما فسيظهر في أماكن أخرى، ففي أفغانستان تمكن التحالف الدولي من إضعاف تنظيم القاعدة المتطرف بشكل كبيرـ وإن كان الثمن باهظاً وكارثياً على البلد وشعبه. لكنه ظهر قوياً في أماكن عدة في العالم الإسلامي؛ في العراق واليمن وفي دول شمال أفريقيا ومؤخراً في سورية ومصر ولبنان، لأن كل الشعوب الإسلامية حاضنة له بسبب ما تعانيه من ظلم الغرب المتمثل بهيمنته ونهبه لثرواتها ودعمه لإسرائيل وللأنظمة الدكتاتورية المتسلطة عليها.
فالحكومات الغربية استطاعت أن تقضي على التطرف الغربي وحققت الإستقرار الدائم في بلدانها لأنها تحكم هناك بشكل ديمقراطي ولا تمارس الظلم على شعوبها، لكنها لم ولن تستطيع القضاء على التطرف الإسلامي لأنها تمارس الظلم بحق الشعوب الإسلامية ولا تتعامل بشكل ديمقراطي وعادل مع بلدانهم.
كما أن كل الأنظمة الدكتاتورية بما فيها الأنظمة التي خدعت شعوبها وقامت ببعض الإصلاحات السياسية الشكلية وأجرت انتخابات صورية وتحت إشراف الأجهزة الأمنية، ليست مؤهلة هي الأخرى أن تحارب التطرف والإرهاب داخلياً أو إقليمياً، ولن تستطيع القضاء عليه وتحقيق الإستقرار الدائم في بلدانها، لأنها لم ولن تحظى بدعم وثقة غالبية شعوبها.
كذلك فإن أي حكومة وإن كانت منتخبةً بشكل ديمقراطي، لا تستطيع أن تقضي على التطرف والإرهاب في بلدها وتحقق الإستقرار الدائم فيه إذا كانت قيادتها متخلفةً طائفية وتمارس الظلم بحق أي مكون من مكونات شعبها، عبر إقصائه وتهميشه لأسباب عرقية أو دينية أو مذهبية، وتستعين بميليشيات متطرفة عنصرية إرهابية، فالجنون لا يقابل بالجنون إنما بالعقلانية.
وحتى الأنظمة التي تسمي نفسها إسلامية وترفع شعارات إسلامية، لا تستطيع هي الأخرى أن تنتصر على التطرف وتقضي عليه في بلادها، ولا هي مؤهلة أصلاً لمحاربته على المستوى الإقليمي أيضاً إذا ما كانت أنظمة طائفية وتمتلك مشروعاً طائفياً إقليمياً، الأمر الذي يدفعها لتمويل تشكيل ميليشيات مسلحة متطرفة محلية وإقليمية لفرض هذا المشروع بالقوة وقتل كل من ينهض لتعطيله، ويدفعها كذلك مشروعها الطائفي للكذب والفبركة والتحالف مع أي نظام دكتاتوري ومهما كانت أيديولوجيته وحتى لو كان ينشر الظلم والفساد ويعمل على قمع شعبه بكل قسوة، المهم أن لا يعطل مشروعها الطائفي على أقل تقدير، وهذا ما يفقدها كل مصداقية ونزاهة وستخسر ثقة العالم بها وسيعتبرها أنظمةً متطرفةً عنصريةً وإرهابية، ولن يشفع لها عند شعوب العالم وخاصةً الشعوب الإسلامية مشروعها المقاوم للهيمنة الأمريكية الصهيونية، لأنه سيظهر أنه ثانوي مقارنةً بمشروعها الطائفي الرئيس إن لم يعتبر البعض مشروعها المقاوم مجرد شعارات ليس إلا الهدف منه الخديعة والتضليل.
بينما المؤهل لكسر شوكة التطرف والمتطرفين والقضاء عليهم وتحقيق الإستقرار الدائم في البلد ودونما قتل للعباد وتدمير للبلاد هو النظام الديمقراطي فقط وبشكل حصري، لأنه يخرج حكومةً عادلةً رشيدةً منتخبةً من أغلبية الشعب عبر صناديق الإنتخابات بحرية ونزاهة وشفافية، الأمر الذي يكسبها شرعيةً وقوةٌ وثقةً كبيرةً بالنفس، ويجعل الأغلبية الشعبية التي انتخبتها متعاونةً معها بل تتحمل العبء الأكبر في التصدي للتطرف والمتطرفين أياً كانت دوافعهم؛ سياسيةً أم عرقيةً أم دينية، وذلك بحرمانهم بدايةً من البيئة الحاضنة مما يؤدي إلى عزلتهم وإضعافهم معنوياً ومادياً، ومن ثم الدخول معهم بحوارات ونقاشات معمقة عبر منظمات المجتمع المدني ومن نخبة عادلة كفوءة لتغيير قناعاتهم وتوعيتهم، لأنهم أولاً وأخيراً أبناء البلد الذين ضلوا أو ضللوا، ولا ينقصهم إخلاص لوطنهم وأمتهم، لكن ينقصهم الوعي والتعقل، وإذا ما توفرت لهم فرص العمل عبر خطط التنمية التي تضعها الحكومة المنتخبة فمن المؤكد أن غالبيتهم سيعودون إلى رشدهم وسيكونون مواطنين صالحين، وبعدها يقتصر الحل الأمني على القلة القليلة منهم وهم الذين لا يفهمون إلا لغة القوة، وهؤلاء سيكونون معزولين اجتماعياٌ ومنبوذين حتى من أهليهم ولن يبكي عليهم أحد بعد أن أقيمت عليهم الحجة، وعندها فقط يقال لهم: (وقد أعذر من أنذر).
وأخيراً نقول: إن ما طرحناه في هذا المقام ليس تنظيراً أو خيالاً بل حلولاً واقعيةً وممكنة، وقد رأيناها ناجحةً وتعطي أكلها في بلدان كثيرة وخاصةً في بعض الدول الإسلامية مثل ماليزيا وأندونيسيا وتركيا، فهذه دول إسلامية كسرت شوكة التطرف وحققت الإستقرار في بلدانها بعد أن أصبحت ديمقراطية، وكلنا أمل بأن تجد هذه الحلول آذاناً صاغيةً وقلوباً واعيةً عند من يهمهم الأمر في العالم أجمع وخاصةً في العالمين العربي والإسلامي، علهم يصغوا إلى صوت العقل ويعملوا على استدراك الأمر ويوقفوا القتل والتدمير، ويسعوا جادين مخلصين لنقل بلدانهم إلى الديمقراطية من دون إقصاء لأحد لأن في ذلك حلاً لجميع مشاكل بلدانهم، وفي ظلها فقط ينعم الجميع بالعدل ويقضى على الفساد والظلم، وعندها فقط تنكسر شوكة التطرف والمتطرفين، وينعم الجميع بالاستقرار والأمن والسلام،(.. وأنا لكم ناصح أمين).