د.العيسوي: التخطيط للعام الجديد أولى خطوات النجاح في الحياة

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » د.العيسوي: التخطيط للعام الجديد أولى خطوات النجاح في الحياة
أشرف العيسوي

إن دخول عام جديد يعني زوال عاماً بأكثر من ثلاثمائة يوم، وفي استقبال العام الجديد ينبغي على الجميع أن يقدم لنفسه كشف حساب عن العام الماضي من عمره، ولابد أن تثير مع نفسك سيلاً من الأسئلة وأنت تغادر هذا العام، فمشاعر العام الماضي لا ينبغي أن تظل داخلك وتحملها وأنت على أعتاب عام جديد حتى لا تصبح عبئا عليك، هذا الكشف الوحيد الذي ليس له وضعية مالية معينة هو كشف للفقراء والأغنياء ومحدودي الدخل، كشف ليس له دين ولا جنسيه، للمسلمين وغير المسلمين.

فهل سأل أحدنا نفسه.. أينَ هو؟ وماذا قدَّم؟ وما هيَ مخطَّطاته؟ وماذا يريد؟ ألا تكفي الأعمالُ الارتجاليةُ دون تخطيط أو تفكير؟ ألا يكفي الانشغالُ بالمهمِّ عن الأهم؟

في بداية كل عام تبدأ العديد من الفعاليات والجهات والأفراد بإعادة حساباتها، وترتيب أوراقها، ومراجعة أهدافها، أو ما ترغب بتحقيقه من شؤونها واهتماماتها فتلك تستعد لعقد مؤتمر أو برامج تدريبية، وآخر له موعد بعد أشهر مع حدث سعيد كحفل زفاف ونحوه، وآخرين يراجعون مهماتهم بالحذف أو التعديل أو الإضافة وهذا لا غبار عليه، وهو المطلوب ولكن –والسؤال للأفراد– هل وضعنا لأنفسنا خطة نسير عليها؟ وهل قمنا بتقييم ما فعلناه خلال عامنا الذي مضى؟ ولماذا يفتقر شبابنا العربي لــ"روح التخطيط"؟

هذه الأسئلة وغيرها، أجاب عليها الدكتور أشرف العيسوي خبير التنمية البشرية، خلال حواره لــ"بصائر" فإلى نص الحوار:

"يجب على كل الشباب أن لا يشغلوا أنفسهم بالسنة الماضية وإخفاقاتهم خلالها، بل نحن نريد أن نبدأ من السنة الجديدة، ونعتبرها كميلاد جديد للشخص"

بصائر: ما هو مدى ضرورة تقييم الشباب لعام 2014م والتخطيط للسنة الجديدة 2015م؟

د. العيسوي: حتى يستطيع أي إنسان أن ينجح في حياته يجب عليه أن يقوم بعملية التقييم وهي عبارة عن نوعين: أولهما- التقييم على مستوى الأفراد ويسمى "تقييم الذات" من خلال معرفة نقاط القوة والضعف التي مرت على الشخص خلال تلك الفترة.
أما النوع الثاني- يعرف بــ "جلْد الذات" وهو الشعور الدائم بتأنيب النفس والضمير، حيث يتردد في ذهن الشخص العبارات المحبطة مثل "أنا لا أستطيع أن أنجح"، أو غيرها، وأنا أقول يجب على كل الشباب أن لا يشغلوا أنفسهم بالسنة الماضية وإخفاقاتهم خلالها، بل نحن نريد أن نبدأ من السنة الجديدة، ونعتبرها كميلاد جديد للشخص.

والتخطيط ببساطة هو أن يعرف الشخص أين هو؟ وإلى أين سيذهب؟ وكيف سيذهب؟ وهو لا يحتاج إلى خبراء، فعلى سبيل المثال: أنا الآن شاب في سنة أولى جامعة، أو موظف، أو رب أسرة، لكن بعد ثلاث سنوات أو خمس سنوات لابد أن أعرف، ماذا سأكون بعد هذه الفترة؟ وأين سأكون؟ سواء شغل أو زواج أو مشروع معين، ولا بد أن يعرف الشخص كيف سيستطيع الوصول إلى ذلك المكان، خطوة وراء خطوة، والمهم جدا بعد تلك الخطوات، أن يعرف الشخص كيف وصل وأن تكون لديه أداة لتقييم مدى وصوله وتحقيقه لما يريد.
كما يجب علينا كمسلمين أن نستقبل العام الجديد بالعزيمة على فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين ونبدأ حياة جديدة بعمل الطاعات ونبتعد عن المعاصي.

بصائر: ما هي الآلية التي يستطيع من خلالها الشباب تقييم عامهم الماضي؟

"يفضل أن يحتفظ الشخص بدفتر خاص لكل عام حتى يطلع على الإنجازات التي حققها خلال العام، ويقيم نفسه لأنه يتوفر لديه أدوات القياس"

د. العيسوي: أولاً- قبل موضوع التقييم، لابد وأن يكون كل شخص قد أعد خطة للسير عليها خلال العام، وأن يوفر دفتر يسميه بــ" دفتر الإنجازات أو المهام" حتى يكتب فيه الأعمال التي أنجزها، وإذا لم تتوفر الخطة لن يستطيع الشخص تقييم عامه المنصرم.
و"دفتر المهام" يساعد على التخطيط، وهو دفتر صغير يكتب فيه الشخص المهام التي يريد أن ينجزها في اليوم التالي، ولو كتب الشخص 10 أعمال يريد تنفيذها لكنه لم يستطع أن ينفذ سوى خمسة يكتب عن ما تم تنفيذه بــ"الإنجاز".

ويفضل أن يحتفظ الشخص بدفتر خاص لكل عام حتى يطلع على الإنجازات التي حققها خلال العام، ويقيم نفسه لأنه يتوفر لديه أدوات القياس.

وأؤكد على أن كتابة الأهداف ولو للعام الجديد فيها التزام منك بالعمل على تحقيقها وهي وسيلة فعالة في برمجة العقل الباطن على حثه في التفكير دائماً في إتمامها، والدراسات تشير إلى أن بعض الناجحين يكتبون أهدافهم في أوراق ويحتفظون بها فلم لا تنضم إليهم.

ولا بد أن تكافئ نفسك عند إتمامك لأهدافك ولا مانع أن تتدرج بها بحسب درجة الهدف الذي حققته فليس من السهل عند الكثيرين الالتزام بما كتبوه ولكنها سمة الناجحين والشخصيات الفاعلة فإن كنت منهم فأنت تستحق المكافأة وسوف تشعر بمشاعر ايجابية كما لو تم تكريمك من جهة ما!

بصائر: ما هي أبرز المعوقات التي يمكن أن تواجه الشباب أثناء عملية التخطيط؟

د. العيسوي: أولاً- عند عملية التخطيط يواجه الكثير من الشباب مشكلة في كيفية إعداد الخطة، لذا لا بد أن يملك الشاب القرار ويتجه لأناس متخصصين في التخطيط وهم كُثُر، ومن الممكن أن يتجه الشاب لأحد أصدقائه أو أقاربه الذين مارسوا عملية التخطيط قبل ذلك، لأنه إذا لم تعد الخطة بشكل جيد وقابل للتنفيذ، ربما يقوم الشخص بإعدادها دون أن ينفذها، أو قد لا يجد جدوى من تنفيذها.
ثانياً- يواجه بعض الشباب ما يعرف بــ"مرحلة الأمان" وهي المقاومة الداخلية أو التغيير، فيصبح الشخص من داخله غير مقتنع بالتخطيط ويريد أن يعود لروتينه ولحياته الطبيعية، وهي مرحلة خطيرة جداً على الإنسان، ويصبح يسأل نفسه بشكل متكرر، لماذا أخطط؟ وهناك الكثير من الناس نجحوا من غير خطة.

بصائر: هل للمحبطين دور في التأثير على الشباب سلباً؟

د. العيسوي: بالتأكيد المحبطين هم من أخطر الفئات على المجتمع كله، وعلى فئة الشباب بشكل خاص، فالكثير من الشباب كانوا ناجحين في حياتهم لكن بفعل بعض الفئات المحبطة تراجعوا إلى الوراء وخسروا كل ما أنجزوه، لذا أنصح الشباب بالابتعاد عن تلك الفئة، وخير ما يستعان به على طاعة الله وجود قرين صالح لذا لا بد من البحث عن أهل التقوى.

بصائر: لو أردنا تقديم "روشتة" للنجاح يسير على خطاها الشباب في قادم الأعوام، فماذا ستكون؟

"من الممكن أن لا تتناسب خطة إنسان معين مع الآخرين، كما لابد أن يكون للشخص رسالة وهدف في الحياة لأنه أول جزء ستبنى عليه الخطة، وإذا لم يتوفر الهدف لن تكون هناك خطة"

د. العيسوي: استراتيجية النجاح، تقول أن كل الناجحين اتفقوا وساروا على خطىً ثابتة، منها التخطيط، وإدارة الأولويات، فمثلاً الذين نجحوا لم يكونوا يعرفون النوم أو الأكل أو السهر المفرط بل عملوا كل شيء باتزان.

كما يجب أن يكون للشاب رؤية، فالإنسان الذي لا يملك رؤية سوف يبقى مكانه، فالكثير من الشباب عندما تسألهم بعد 5 سنوات أين ترى نفسك؟، فلا تجد عنده جواباً، لأنه لا يستغل الشق الإبداعي والتخيلي عنده، وبالتالي يكون محبطاً، ربما لأنه عمل قبل ذلك خطة ولم تنجح.

ولابد أن تتسم الخطط بالمرونة، كما أن خطة إنسان معين من الممكن أن لا تتناسب مع الآخرين، ولا بد أن يكون للشخص رسالة وهدف في الحياة لأنه أول جزء ستبنى عليه الخطة، وإذا لم يتوفر الهدف لن تكون هناك خطة.

ولابد أن يضع الشاب المؤمن نصب عينيه أن من صفات المؤمن الحق أن يكون عالي الهمة، رفيع الرغبة في تحقيق معالي الأمور التي تنفع صاحبها في الدارين، فهو لا يرضى بالدون إذا كان قادراً على تحقيق المعالي، ولا تطاوعه نفسه على أن يكون في مؤخرة الركب وهو قادر على أن يكون في المقدمة.

بصائر: كيف تصف من يعيشون على "التواكل"، ولم يخططوا لحياتهم يوماً؟

د. العيسوي: هؤلاء الناس من الممكن أن ينجحوا، لكنهم سيكونون أشخاص غير مؤثرين في المجتمع، وديننا الإسلامي حثنا على التوكل على الله والأخذ بالأسباب وليس التواكل، والنجاح سهل لكن الوصول إلى القمة والتربع عليها هو الصعب إلا لمن جد واجتهد.

بصائر: كثيراً نسمع عن نجاحات الشباب الغربي، حيث يعملون وكأنهم "خلية نحل" من التخطيط للمستقبل والأيام القادمة، لماذا يفتقر الشباب العربي لهذه الروح؟

د. العيسوي: لأن الشباب العربي تربى على الكثير من المفاهيم الخاطئة مثل عدم العمل بروح الفريق، وغير ذلك، أما الغرب فاكتسبوا الكثير من المهارات وبدؤوا بتطبيقها منذ مرحلة الطفولة، لأنهم مؤمنون بالعمل الجماعي وروح الفريق، وأن أي نجاح لا يعلو على صوت العمل الجماعي.

بصائر: كيف يمكن للمؤسسات الرسمية والشعبية أن تعمل على تنمية وتغيير هذه الروح؟

د. العيسوي: يفترض على وزارة التربية والتعليم تحديداً أن يكون ضمن خطتها خطة تطويرية مختلفة تماماً عما يتم استخدامه في الخطط القديمة مع الطلاب وطرق تعليمهم، ونحن نادينا كثيراً باسم مؤسسات المجتمع المدني، على إدخال مادة التنمية البشرية للطلاب حتى الأطفال وتكون مثل أي مادة يتم تدريسها حتى يتعلم أبناؤنا منذ مرحلة الطفولة على التنمية، وكيفية التخطيط وصنع الأهداف، والعمل بروح الفريق، وكيف يتعلم القيادة وهو صغير، لأننا لا نريد أن نبقى في النظام التطبيقي، ويجب على السياسات التعليمية أو الجامعية أن تنظر إلى الشباب وإلى المناهج التي يدرسونهم إياها، لأنها تحتاج إلى رؤية من الناس المتخصصين في التربية والتعليم.

بصائر: ماذا يمكن أن يفعل الشباب: أي الكتب يقرؤون، وأي الأشياء يشاهدون، لكي تنمو مهارة تخطيطهم؟

د. العيسوي: أنصح الشباب بقراءة أي كتاب يقع بين أيديهم وخاصة فيما يتعلق بكتب التنمية البشرية، فيجب على الشاب أن يكون مثقفاً، وليس حاملاً للكثير من الشهادات دون معرفة بالمحتوى ودون اكتساب المهارات، بالإضافة إلى حضور ورش العمل أو المؤتمرات الهامة جداً في توعية الشباب.

بصائر: ما هي الرسالة التي تقدمها للشباب بعد طي صفحة عام 2014م واستقبال العام الجديد 2015م؟

"لن تصبح لك قيمة ومكانة إلا إذا عملت وتعبت على نفسك، حتى لو اضطررت للعمل في وظيفة ربما ليست من قيمتك كما تظن"

د. العيسوي: أقول للشباب لن تجد أحداً يطرق بابك، ليقول لك تفضل هذا المنصب أو هذا العمل، أنت شاب.. يعني أنت طاقة الأمة التي تحركها، ولابد أن تعرف ما الذي تريده؟ وما الذي تطمح إليه في الحياة؟

يجب على الشباب منذ السنة الأولى من دراستهم في الجامعة أن يبدؤوا بالتدريب في مجالهم، وأن ينمّوا أنفسهم لأن الدراسة دون التطبيق العملي والخبرة تكون بلا فائدة مجرد معلومات على ورق.

ويجب على كل شاب أن يضع هدفاً له في الحياة، وأن لا يتنازل عن تحقيق ذلك الهدف، وأن يبتعد عن المحبطين وأن يتوكل على الله ويشتغل، لأن الله سبحانه وتعالى حثنا على العمل، ولابد أن يضع الشاب نصب عينيه أنه إذا كانت لديه نية في العمل سيسهل الله له هذا الطريق ويعينه عليه، أما إذا تواكل الشاب وانتظر حتى يأتيه العمل والنجاح في الحياة فسيكون مجرد عدد أو رقم في هذه الحياة ولن يضيف عليها شيئاً.

وهناك مقولة تقول "ثمن النجاح يدفع مسبقاً"، أي لا بد أن تدفع من وقتك ومالك وجهدك حتى تنجح، وأن لا تضع نفسك وسط الزحمة ومع الأشخاص العاديين الذين يعيشون ليأكلوا ويتزوجوا ويناموا، فالكثير من الشباب يتخرج من الجامعة ويتساءل: إلى متى سأبقى دون قيمة وعلى الهامش؟ والجواب: لن تصبح لك قيمة ومكانة إلا إذا عملت وتعبت على نفسك، حتى لو اضطررت للعمل في وظيفة ربما ليست من قيمتك كما تظن، لكن طالما كانت الوظيفة لا يوجد بها شيء حرام فهذا هو النجاح ومن هذه النقطة ستبدأ بتقدير ذاتك.

وأقول للشباب اعقدوا العزم على تسخير الأيام القادمة من هذا العام الجديد في محبة الله وطاعته فما صدق عبد ربه إلا صدقه الله فالعبد يوفق للصلاح على قدر نيته.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …