لم تكتف أمتي في هذا الزمان بالذنب المستور؛ بل أعلنت وجاهرت به حتى فشى الفحش والفجور، وأصبح كثير من الناس يعتبره أمراً عادياً مستساغاً، بل تباهى وتفاخر جمع من العصاة بالذنوب ودعوا الناس لها نهارا جهارا دون خوف من رقيب أو حسيب.
وإن لهذا الحالة التي تمر بها أمتي أسباب كثيرة منها: قلة علم الناس بخطورة الذنب والمجاهرة به، ولكنَّ أكبر سبب لهذه الحالة غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، ليس هذا من عوام الناس فقط، بل حتى من الدعاة وأهل العلم الشرعي، فلا ترى منكراً لذنب أو آمرا بمعروف إلا ما ندر.
وتتمثل أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أنه يشكل رأياً عاماً في المجتمع محارباً للمعاصي والذنوب، فلا يجرؤ بعض العامة أو العصاة على ارتكابها أو على المجاهرة بها على أقل تقدير، بسبب خوفهم من ردة فعل المجتمع المحيط بهم.
فما أسباب ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل الدعاة والعلماء؟ وكيف السبيل لحل هذه المشكلة؟
أسباب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أسباب كثيرة، لكنّ أهمها يتلخص فيما يلي:
1- الخوف من ردة فعل مرتكب الذنب، أو الخطأ في أسلوب الدعوة مع العصاة.
2- الخجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لضعف شخصيته أو لقلة تجربته في هذا المجال.
3- المجاملة الاجتماعية لبعض الأصدقاء أو الأقارب أو زملاء العمل، والخوف من قطع العلاقة الاجتماعية معهم.
4- الخوف من انقطاع الرزق أو الايذاء من مرتكب الذنب؛ خاصة إذا كان المدعو صاحب سلطة أو مال.
5- عدم حمل هم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ من باب أن هذه الوظيفة يقوم بها غيري من الدعاة، وليس من واجبي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- الصورة الذهنية المغلوطة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصور حالة الغلظة والشدة عند القيام به، لما يصدر من بعض الدعاة من خطأ وتنفير للناس بسبب قسوتهم وعنفهم.
"المجتمع الذي لا إنكار فيه على أهل المعاصي والذنوب معرض لخطر عظيم محدق بمجموع الأمة لا يستثنى منه أحد"
إن خطورة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عظيمة، فالمجتمع الذي لا إنكار فيه على أهل المعاصي والذنوب معرض لخطر عظيم محدق بمجموع الأمة لا يستثنى منه الصالح أوالطالح، فالكل معرض لعقوبة من الله تعالى إذا استمرت هذه الحالة، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إِسْرائيلَ عَلى لسان دَاودَ وعيسى بن مَرْيَمَ ذلكَ بِما عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدونَ.كَانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلونَ} [المائدة: 78- 79].
وعن حذيفة بن اليمان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم". [رواه أحمد والترمذي].
السبيل الأمثل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يتمثل السبيل الأمثل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جانبين مهمين مرتبطين ببعضهما، الجانب النظري العلمي ثم الجانب التطبيقي العملي:
أولاً: العناية بالجانب النظري ويتلخص فيما يلي
1- تسليح الدعاة بالعلم الشرعي حتى يميز بين ما ينكر وما لا ينكر، فمثلا: لا إنكار في مسائل الخلاف، فيكون الناهي عن المنكر على بصيرة فيما يتكلم.
2- تعلم الأساليب المتبعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحدود ما يستطيع الفرد أن يأمر به أو ينهى عنه، حتى لا يقع في المشاكل، أو يسبب القلاقل، والعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر درجات، فمنه باليد إذا كان صاحب سلطة، أو باللسان أو القلب على أقل تقدير.
3- زيادة الإيمان من خلال تعزيز عقيدة الرزق والأجل، فالمحي المميت هو الله، والرازق النافع هو الله.
"دعاة السوء لا يخجلون من دعوة الناس لمنكرهم، ويبذلون كل جهد ومال ووقت لإضلال الأمة، فكيف بنا دعاة الحق أن نقعد عن واجبنا أو نخجل من دعوتنا"
ثانياً: الجانب العملي التطبيقي
1- تدريب وتأهيل الدعاة وطلبة العلم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتركيز على الجانب العملي التطبيقي، وكسر حاجز الخوف أو الخجل عند الداعية حتى يصل لحالة من التمكن والإتقان لذلك، والتدرب على اللين وترك الشدة والعنف، ومعاملة العصاة بعين الرحمة لا التكبر والعلو.
2- نقل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الحالة العشوائية الفردية إلى العمل المنظم الجماعي، فكما تشكل اللجان العلمية والتربوية والسياسية لا يقل أهمية عنه: "لجان الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، فثمار ذلك أعظم وفيه تجاوز للمشاكل والعقبات.
3- تشكيل الهيئات والتجمعات الرافضة لإعلان الفواحش والمنكرات في المجتمع، ومخاطبة المسؤولين وتبيين الحق لهم، فكم من منصف ذُكِّر، فنهى عن المنكر وأمر بالمعروف.
ختاماً.. إن دعاة السوء والمنكر لا يخجلون من دعوة الناس لمنكرهم ومعاصيهم، بل ويبذلون كل جهد ومال ووقت لإضلال الأمة وحرفها عن منهج ربها بلا خوف أو خجل من أحد، فكيف بنا دعاة الحق والخير والمعروف، أن نقعد عن واجبنا أو نخجل من دعوتنا، ونترك الساحة للباطل وأهله، فليقم كل منا بدوره وواجبه نحو أمته، ولنبذل كل جهد ووقت متاح، فكل منا على ثغرة فلا يؤتين من قبله.