تنشغل الحركة الإسلامية حالياً بقضية إعادة تصويب وضع الجماعة القانوني في الأردن، وتداعيات ما يشاع عن تقدم مجموعة محدودة من أبناء الجماعة إلى رئاسة الوزراء بطلب لتصويب أوضاع الجماعة. ولقد تم تناول هذا الموضوع إعلامياً، والتعرض له من زوايا معينة، ونظراً لأن القضية المطروحة لا تعني أبناء الجماعة فقط، بل تهم الرأي العام الأردنيّ، فسأحاول في هذه الورقة تناول المفردات التالية بالتوضيح:
1- الموقف القانوني لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
2- السياق التاريخي لعلاقة النظام السياسي في الأردن بالجماعة.
3- القراءة الراهنة للمعطيات محلياً وإقليمياً وعالمياً، وأثرها على موضوع التصويب.
4- وجهة نظر.
أولاً: الموقف القانوني لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن
1- إنّ الموقف القانوني للجماعة مستقر؛ فالإخوان المسلمون هي جماعة مرخصة ورسمية، وتم ترخيصها أولاً كجمعية في عام 1946م في زمن الملك عبد الله المؤسس رحمه الله، ولفظ الجمعية في ذلك الزمان هو تعبير دارج وموروث من الدولة العثمانية، وكانت أكبر الجماعات في تركيا يطلق عليها لفظ جمعيات، ثم تم إعادة ترخيص الجماعة في عام 1954م لتصبح جماعة إسلامية شاملة، وكان ذلك في ظل دستور المملكة عام 1952م.
2- كما أنّ الجماعة تلتزم بالقانون، وهي تمارس أعمالها وفقاً للترخيص الممنوح لها، وتقوم أجهزة الدولة الرسمية بالتعامل مع الجماعة؛ فتسجل لها الممتلكات، ويقبل منها التقاضي، ويتم التعامل الرسمي مع قيادتها بصفاتهم التنظيمية في الجماعة، ويتم التعامل رسميّاً مع بياناتها ومواقفها.
3- بالإشارة إلى موضوع علاقة الجماعة في الأردن مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، فهي علاقة فكرية تنسيقية لا أكثر؛ ففكر الجماعة هو امتداد لفكر الأستاذ حسن البنا رحمه الله، وهذه حقيقة وليست تهمة. وبالمناسبة؛ فلا يكاد يوجد حزب في العالم فضلاً عن الأردن ليس له امتداد فكري عالمي، فمثلاً؛ الأحزاب الليبرالية هي امتداد للفكر الليبرالي الغربي، ويتم التنسيق بين هذه الأحزاب عبر العالم، بل ويتم اعتماد النظريات الغربية في السياسية والاقتصاد والاجتماع وغيرها. وليس خافياً أن القوى الغربية تقدم تسهيلات لدعاة الليبرالية في بلداننا العربية، سواءً كان الدعم سياسياً أو اقتصادياً، ويتم التركيز على دعم المسيحيين في الدول العربية.
"الإخوان في الأردن يضيفون إلى الموقف القانوني المستقر للجماعة شرعية شعبية كبيرة؛ فالجماعة حاضرة في كل العشائر، وتحز ثقة الأردنيين في كل انتخابات نزيهة"
واليسار على تشكيلاته، فهو يستند إلى إلإيدولوجية الماركسية في مراحلها المتعددة، وحتى أسماء الأحزاب ذات المرجعية اليسارية واضحة الأيدولوجية، والدول الشرقية تدعم هذه الأيدولوجية، من خلال البعثات التعليمية وغيرها من أشكال الدعم، وهناك طيف من أحزاب قومية وبعثية تستند في فكرها إلى زعامات غير أردنية، وتنسق قيادات هذه الأحزاب مع البلدان العربية المؤسسة، بل وتتلقى الدعم منها. وأبعد من ذلك فإن حتى ما يسمى بالأحزاب الوطنية تستند إلى أيدولوجية تبلورت بعد الثورة الفرنسية.
وليس منهجيّاً أن يتم تضخيم العلاقة الفكرية عند إخوان الأردن مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ولا ينظر بذات العين إلى العلاقة الفكرية بين الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية والبعثية وامتدادها الفكري مع الآخر. مع ملاحظة أن فكر الإخوان المسلمين هو يستند إلى دين الأمة وهويتها، والذي هو المشكّل الرئيس لثقافة الأردن والأردنيين، بينما تستند الأحزاب الأخرى إلى فلسفة أو فكر عالمي وضعي.
وهنا تبرز قضية الوطنية والمحلية عند الإخوان:
- متى انحازت هذه الجماعة لغير مصلحة الوطن؟
- إن الإخوان يعتبرون الدفاع عن الأوطان من الإيمان.
- ماذا يسمى جهد الجماعة في الوقوف ضد الفساد؟
- ما هي الوطنية إن لم تكن تلك الجهود المطالبة بالإصلاح؟
- ألم يقدم الإخوان جهوداً متواصلة في التربية والتعليم ومساعدة المعوزين لأبناء هذا الوطن؟
- ألم تكن للجماعة اليد الطولى في بناء مؤسسات المجتمع المدني؟ التي تشكل رافعة مجتمعية للوطن، لقد أسهم الإخوان بتأسيس عشرات الجمعيات ذات النفع المباشر للمواطنين.
وفي البحث المقارن بين ما قدمت الحركة الإسلامية من جهود ذات علاقة مباشرة بقضايا الناس والوطن وغيرها من الأحزاب اليسارية والليبرالية والقومية والبعثية سنجد بوناً واسعاً بين الجهدين. إلا أنّ هذه الجهود الإخوانية الوطنية تطمس من قبل الإعلام الرسمي، ولا يتم التركيز إلا على ما يمكن أن يفسر على نحو مسيء؛ وسأضرب على ذلك مثلاً قريباً، فلقد هبت الحركة الإسلامية لتقديم يد العون في العاصفة الثلجية الماضية، وشكلت عشرات الفرق التطوعية، وقدمت أشكالاً من الدعم لجميع من وصلت إليهم من المتضررين، فما كان نصيب هذا الجهد الوطني من الإعلام الرسمي؟!!
4- إنّ الإخوان في الأردن يضيفون إلى الموقف القانوني المستقر للجماعة شرعية شعبية كبيرة؛ فالجماعة حاضرة في كل العشائر، ممتدة إلى جميع مناطق المملكة، وتحز ثقة الأردنيين في كل انتخابات نزيهة.
ثانياً: السياق التاريخي لعلاقة النظام السياسي في الأردن بالجماعة
في أغلب الأزمنة كانت جماعة الإخوان المسلمين غير رسمية في بعض البلدان العربية، كما هو الحال في مصر؛ إذ كانت الجماعة محاربة ومحظورة، وأبناؤها في السجون خصوصاً في عهد جمال عبد الناصر، وكذلك الحال في سورية، التي توقع عقوبة الإعدام على من ينتمي للجماعة. وكانت الجماعة محاربة في العراق وليبيا وتونس، وكانت تربط الأردن علاقات متباينة مع هذه الأقطار التي تحظر الإخوان؛ إلا أنّ النظام السياسي في الأردن:
1- لم تتغير نظرته القانونية والرسمية في العلاقة مع الجماعة، تبعاً لعلاقة النظم السياسية مع الجماعة في الدول العربية الأخرى.
2- بل أهم من ذلك، أن الأردن استقبل عدداً من أعضاء الجماعة الذين فروا من جور الأحكام في بلدانهم.
بل إنّ الأردن مرّ بمراحل حرجة من تاريخه السياسي، مثل توقيع اتفاقية وادي عربة مع العدو الصهيوني، وهذه الاتفاقية كانت تمثل انعطافة هامّة للأردن، وحتى في مثل هذه الظروف لم يعمد النظام السياسي إلى مس قانونية الجماعة.
إنّ التفسير التاريخي لعلاقة النظام السياسي في الأردن مع الجماعة يذهب إلى أنّ هذه العلاقة مستقلة عن توجهات الأنظمة العربية، ولها ارتباط مباشر بتقدير المصالح الوطنية، وخصوصية النسيج الأردني.
ثالثاً: القراءة الحالية للمعطيات محلياً وإقليمياً وعالمياً، وأثرها على موضوع التصويب
توجد جملة من المعطيات الراهنة التي تدفع باتجاه عدم إجراء أي تغيير على وضع الجماعة في الأردن، منها:
1- لقد طالبت الجماعة بإصلاح النظام في الأردن، ولم تطالب بإسقاطه، وذلك بإراداتها وباختيارها الحر. في الوقت الذي ذهبت المعارضة في أغلب الدول العربية التي شهدت ثورات ربيع عربي إلى خيار إسقاط النظام.
2- تردّي الأوضاع وغياب الاستقرار السياسي في سورية والعراق ومصر واليمن وليبيا، وهذا حصاد مرّ للانقلاب على الحريات وإرادة الشعوب.
3- الأردن يستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ على أراضيه، نتيجة للأوضاع غير المستقرة في بلدانهم، وفيه أكثر من أربعين جنسية، ولا يلوح بالأفق القريب حل لمشكلتي العراق وسورية، والأردن ما يزال يستضيف عراقيين منذ العام 2003م.
4- دخل الأردن بحرب معلنة مع تنظيم الدولة الإسلامية، وهو يحتاج إلى جبهة داخلية مستقرة.
5- الأردن لديه مشكلات رئيسة، خصوصاً في البعد الاقتصادي؛ إذ تزداد معدلات البطالة والفقر، كما لديه مشكلات اجتماعية مثل ازدياد العنف المجتمعي وازدياد انتشار المخدرات.
6- النسيج المجتمعي في الأردن لديه خصوصية، وهذه الخصوصية تزداد قيمتها مع زيادة اللاجئين إليه.
"من المؤمل أن تنصب جهود الحكومة والإخوان باتجاه ترسيم إستراتيجية وطنية شاملة تعمل على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ودفع حركة الإصلاح، والتفكير بمستقبل الأجيال"
7- لا يوجد أي تغيير في استراتيجيات الحركة الإسلامية يستدعي تغيير التعامل معها. بل لن يجد أي منصف في سجل الجماعة إلا صفحات عطاء وبناء للأردن.
8- رفع اسم حركة حماس من قوائم الإرهاب في بريطانيا، وعدم إدراج الإخوان كمنظمة إرهابية في العالم وفي أمريكا على وجه الخصوص؛ فإن هذا يعزل الدول العربية التي تعاملت بتعسف مع ملف الإخوان عن الاتجاه العالمي المعلن.
9- ملامح التغيير السياسي البادي في المملكة العربية السعودية في سياساتها تجاه الملف المصري والإخوان المسلمين.
10- لو كان الأردن أراد استهداف الإخوان المسلمين لكان ذلك إبّان ذروة الانقلاب على الربيع العربي، أي قبل عام ونصف من الآن، وليس بعد مضي هذا الوقت الكبير، وما رافقه من تحولات مهمة.
11- ليس من المعقول أن يواجه التمدد الشيعي في المنطقة وفي محيط الأردن باستهداف أكبر حركة سنية وسطية في المنطقة.
رابعاً: وجهة نظر
في ظل ما تمّ استعراضه، فإنّ من المؤمل أن تنصب جهود الحكومة والإخوان باتجاه ترسيم إستراتيجية وطنية شاملة تعمل على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ودفع حركة الإصلاح، والتفكير بمستقبل الأجيال، وهذا هو التصويب الحقيقي.
إنّ وجود الإخوان المسلمين على نحو رسميّ في الأردن هو مكسب حقيقي، ولا مصلحة من العودة خطوة واحدة للوراء، بل المطلوب التقدم خطوات للأمام. وقد كنت أتمنى أن اللقاء – المزعوم- بين بعض أفراد الجماعة ورئاسة الوزراء لو لم يكن.
كما لا أظن أن أي إجراء سياسي أو قانوني – لا قدر الله- قد يؤثر على واقع جماعة الإخوان؛ إذ هي تعمل ضمن فكرها المعلن، المستند إلى النظرة النظامية الشمولية للإسلام، ولن يغيّر أي شكل قانوني من طبيعة الجماعة وأهدافها وعملها. بالإضافة إلى أنّ الواقع يؤكد وجود جماعات تعمل في الأردن وهي غير مرخصة، مثل حزب التحرير الإسلامي والتنظيمات الجهادية المختلفة.